Fiqh al-Seerah by Al-Ghazali
فقه السيرة للغزالي
Publisher
دار القلم
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٧ هـ
Publisher Location
دمشق
Genres
هجرة الرسول ﷺ
حين عزم رسول الله ﷺ على ترك مكة إلى المدينة؛ ألقى الوحي الكريم في قلبه وعلى لسانه هذا الدعاء الجميل: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصِيرًا (٨٠) [الإسراء] «١» .
ولا نعرف بشرا أحقّ بنصر الله، وأجدر بتأييده، مثل هذا الرسول ﷺ؛ الذي لاقى في جنب الله ما لاقى، ومع ذلك فإنّ استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله.
ومن ثمّ فإنّ رسول الله ﷺ أحكم خطّة هجرته، وأعدّ لكلّ فرض عدته، ولم يدع في حسبانه مكانا للحظوظ العمياء.
وشأن المؤمن مع الأسباب المعتادة؛ أن يقوم بها كأنّها كلّ شيء في النجاح، ثم يتوكّل- بعد ذلك- على الله؛ لأنّ كلّ شيء لا قيام له إلا بالله.
فإذا استفرغ المرء جهوده في أداء واجبه، فأخفق بعد ذلك، فإنّ الله لا يلومه على هزيمة بلي بها، وقلّما يحدث ذلك، إلا عن قدر قاهر يعذر المرء فيه!!.
وكثيرا ما يرتّب الإنسان مقدّمات النصر ترتيبا حسنا، ثم يجيء عون أعلى يجعل هذا النصر مضاعف الثمار.
كالسفينة التي يشقّ عباب الماء بهاربّان ماهر، فإذا التيار يساعدها، والريح تهبّ إلى وجهتها، فلا تمكث غير بعيد، حتى تنتهي إلى غايتها في أقصر من وقتها المقرر.
(١) هو من حديث ابن عباس، قال: كان رسول الله ﷺ بمكة، ثم أمر بالهجرة وأنزل عليه ... قلت: فذكر الاية. أخرجه الترمذي: ٤/ ١٣٧؛ والحاكم: ٣/ ٣؛ والبيهقي: ٩/ ٩؛ وأحمد، رقم (١٩٤٨)، من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، وليس في المسند والبيهقي (عن أبيه) عن ابن عباس، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» . وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي. وفيه نظر؛ فإن قابوس بن أبي ظبيان أورده الذهبي في الميزان، ونقل عن ابن حبان أنه قال فيه: «رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل، وأسند الموقوف، ولذلك قال الحافظ في (التقريب): فيه لين» .
1 / 171