Fiqh According to the Four Schools
الفقه على المذاهب الأربعة
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
ما لا يخرج الماء عن الطهورية
قد يتغير لون الماء وطعمه ورائحته، ومع ذلك يبقى طهورًا يصح استعماله في العبادات، من وضوء، وغسل، ونحو ذلك، ولكن ذلك مشروط بعدم الضرر، بحيث لو ترتب على استعمال ذلك الماء المتغير ضرر للشخص في عضو من أعضائه، فإنه لا يحل له أن يتوضأ من ذلك الماء، وقد يضطر سكان البوادي والصحاري إلى استعمال المياه المتغيرة. حيث لا يجدون سواها، فأباحت الشريعة الإسلامية لمثل هؤلاء أن يستعملوا ذلك الماء إذا أمنوا شره، يدل لذلك ما روى البخاري معناه أن المسلمين لما هاجروا من مكة إلى المدينة، أصيب كثير منهم بالحمى، فأشار بعض مفكري المسلمين يومئذ بردم مستنقع، يقال له: بطحان، فلما ردم ذهبت الحمى، وقد قالت السيدة عائشة ﵂: كان بطحان يجري ماء آسنًا، أي متغيرًا، فما تقوم - به مصلحة الصحة - من فرض الأتابيب التي يجري فيها الماء، وهدم - المياضئ، والمغاطس - حذرًا من تغير الماء وتلوثه بما يضر، هو من أغراض الدين الإسلامي الصحيحة، فإن قضاياه مبنية على جلب المصالح، ودرء المفاسد.
ولقد ذكر الفقهاء للتغير الذي لا يخرج عن كونه طهورًا أمثلة: منها أن تتغير أوصافه كلها، أو بعضها، بسبب المكان الذي استقر فيه، أو مر به؛ والأول. كالمياضئ القديمة، والبرك الموجودة في الصحراء ونحوها، والثاني: كالمياه التي تمر على المعادن، مثل الملح، والكبريت، فإن هذا التغير لا يخرج الماء عن كونه طهورًا، ومنها أن يتغير بطول مكثه؛ كما إذا وضع ماء في قربة أو - زير - ومكث فيه طويلًا، فتغير، فإن ذلك التغير لا يخرجه عن كونه طهورًا، ومنها تغيره بسبب ما تولد فيه من سمك، أو طحلب - الطحلب معروف، وهو خضرة تعلو على وجه الماء - وإنما لا يضر الطحلب (١) إذا لم يطبخ في الماء، أو يلقى فيه بعد الطبخ،
_________
=الحنابلة قالوا: يزدا على ما ذكر في المياه المكروهة سبعة أمور: أحدها: الماء الذي يغلب على الظن تنجسه، فإنه يكره استعمال في هذه الحالة، ثانيها: الماء المسخن بشيء نجس، سواء استعمل في حال سخونته أولًا، ثالثها: الماء المستعمل في طهارة غير واجبة كالوضوء المندوب، فإنه يكره أن يتضوا به. ثانيًا، رابعها: الماء الذي تغيرت أوصافه بملح منعقد من الماء، خامسها: ماء بئر في أرض مغصوبة، أو حفرت غصبًا، ولو في أرض مملوكة، كأن أرغم الناس على حفرها مجانًا، ومثلها ما إذا حفرت بأجرة مغصوبة، فإنه يكره الوضوء منها في كل هذه الأحوال، سادسها: ماء بئر بمقبرة؛ سابعها الماء المسخن بوقود مغصوب، فإنه يكره استعماله.
(١) الحنابلة: لم يشترطوا طبخ الطحلب، بل قالوا: إنه يضر الماء، ويخرجه عن كونه طهورًا إذا ألقاه في الماء آدمي عاقل قصدًا، لا فرق بين أن يكون مطبوخًا، أو غير مطبوخ، أما إذا تولد من الماء وحده، أو قذف به الريح، ونحوه، فإنه لا يضر.
1 / 33