Fiqh According to the Four Schools
الفقه على المذاهب الأربعة
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
كالغسل - والوضوء، والحركة في الصلاة، والبعد عن الملاذ في الصيام، ونحو ذلك من الأمور التي تنفع الأبدان، وبعضها لنا فيه مصلحة باطنة، وهو طهارة القلوب بامتثال أمره، وهذه تفضي إلى المنافع الظاهرة، لأن من خشي ربه وامتثل أمره حسنت علاقته مع الناس؛ فسلموا من شره، وانتفعوا بخيره، وذلك ما يطالب به المرء في حياته الدنيا، فامتثال الأوامر الإلهية خير ومصلحة للمجتمع الإنساني في جميع الأحوال، ومما لا ريب فيه أن التيمم إنما يفعل امتثالًا له ﷿، فهو من وسائل طاعته الموجبة للسعادة.
وقد يظن بعض من لا يفقه أغراض الشريعة الإسلامية التي تترتب عليها سعادة المجتمع، وتهذيب أخلاق الناس أن التراب قد يكون ملوثًا - بالميكروبات - الضارة، فمسح الوجه به ضرر لا نفع فيه، والذي يقول هذا لم يفهم معنى التيمم، ولم يدرك الغرض منه، لأن الشارع قد اشترط أن يكون التراب طاهرًا نظيفًا، ولم يشترط أن يأخذ بالتراب، ويضعه على وجهه، بل المفروض هو أن يأتي بكيفية خاصة تبيح له العبادة الموقوفة على الوضوء والغسل، والذي يقول: إن وضع اليد على الرمل النظيف أو الحجر الأملس النظيف، أو الحصى، ونحو ذلك ينقل الميكروبات الضارة جدير به أن لا يضع يده على الخبز، أو الفواكه، أو الخضر، وجدير به أن يحجر على الناس العمل في المعادن، ودبغ الجلود، وصنع الأحذية، والخشب، بل جدير به أن لا يضع يده على شيء من الأشياء؛ لما عساه أن يكون قد علق بها شيء من الميكروبات، إن هذا قول من يريد أن ينسلخ عن التكاليف ليكون طليقًا في باب الشهوات التي تطمح إليها النفوس الفاسدة فتفضي بها إلى الهلاك والدمار؛ وإلا فإننا قد شاهدنا العمال الذين يباشرون تسميد الأرض - بالسباخ - ويباشرون تنقية المزروعات من الافات أقوى من هؤلاء المستهترين بالدين صحة، وأهنأ منهم عيشًا، فما بال الميكروبات لم تفتك بهم؟ على أن الدين الإسلامي يحث الناس دائمًا على الطهارة والنظافة، ويأمرهم باجتناب الأقذار، والبعد عن وسائل الأمراض، ولذا اشترط أن يكون التراب الذي يضع عليه المتيمم يده طاهرًا نظيفًا، كالثوب النظيف، والمنديل النظيف فإن كان قذرًا ملوثًا، فإنه لا يصح التيمم به.
بقي شيء آخر، وهو أن يقال: لماذا شرع التيمم في عضوين من أعضاء الوضوء، وهما الوجه واليدان دون باقي الأعضاء؟ والجواب: ان الغرض من التيمم إنما هو التخفيف فيكفي فيه أن يأتي ببعض صورة الوضوء، على أن العضوين اللذين يجب غسلهما دائمًا في الوضوء هما الوجه واليدان: أما الرأس فإنه يجب مسحها في جميع الأحوال، وأما الرجلان فتارة يغسلان، وتارة يمسحان، وذلك فيما إذا كان لابسًا الخف، فالله سبحانه أوجب التيمم في العضوين اللذين يجب غسلهما دائمًا، ولا يخفى ما في ذلك من التخفيف.
وأما دليل مشروعية التيمم من السنة: فأحاديث كثيرة: منها ما رواه البخاري، ومسلم من
1 / 137