45

أن يصرفوه عن هذه النية، والعبث بالعروج إلى قمة الألب إنما هو ضرب من العبث بالحياة نفسها. ويجمع حافظ همته وعناده معا، ويخوض مهاوي الموت خوضا، حتى يبلغ غايته، ثم يتدلى عن قمة الجبل «بالسلامة»، والموت خزيان ينظر! ويظفر بتلك الشهادة - شهادة المعراج إلى قمة الألب، ولم يظفر بها من المقاديم إلا قليل، فكان أيضا حق

Sport ، رغم ما يرمى به من فرط الكسل وشدة الخمول!

وهو شديد الولع بالشطرنج، حتى لقد يجلس إلى رقعته خمس ساعات متواليات لا يلحقه فيها ضجر ولا يتداخله سأم.

ولقد يظل طوال هذه المدة وفم «الشيشة» في فمه، أو فاغرا فاه، فلا تسمع منه إلا تنغما يهمس به أحيانا، أو «كش مات» في غاية كل دست ينعقد له فيه الظفر!

وبعد، فلا أدري أكان حافظ رمضان بك في قرارة نفسه، ومطاوي حسه، شاعرا يحلق في أجواز الخيال أم لا؟ على أن جلسته الطويلة يوسد فيها خده على كفه، مهدل الشفة، ثابت المحجرين في جانب الأفق، لقد تدلك على أنه شاعر بعيد الخيال، ولعل هذا المعنى فيه هو الذي يتخطى سائر مواهبه، فيعقد الصلة بينه وبين مبادئ الحزب الوطني!

ومع هذا كله، فلا محيص من أن تقع المشاكل بين حافظ بك وبين نفسه كلما «زنقته» الحوادث بينه وبين مطالب حزبه، ولكن حافظ بك كما أسلفت عليك، رجل خراج ولاج، لا يغم عليه مشكل ولا يعيبه أمر جسام، فإذا حزبه من ذلك شيء عمد إلى حل بسيط، سهل، معقول، مقبول، وهو أن تعجله مسألة «فيحط كتف» على أوروبا معذورا مشيعا بطيب التمنيات! أليس هذا حلا سائغا معقولا؟!

وبعد، فإذا كان التطرف في الرأي السياسي ضربا من الشعر، فما أعذب هذا الشعر، وما أحوج تكافؤ النزعات السياسية إليه، على أنه إذا تجاوز حده، وخرج عن أفقه فقد أصبح له في توجيه سياسة البلاد شأن آخر.

ولو كان لي من الأمر شيء لدعوت بشركة «حافظ رمضان - عبد الحميد سعيد أخوان» فخيرتها أمرين: إما ترك التغالي في الاستجوابات والعوض على الله، ولو مؤقتا، في الملحقات، وإما أن تتولى الوزارة، وعندها مهلة شهرين لتجيء فيها بالنيل من منبعه إلى مصبه، والملحقات وملحقات الملحقات، والجلاء الكامل بلا مساومة، ولا مفاوضة، «وكمان» بلا اتفاق، على شرط أن تؤخذ عليها التعهدات بعدم «حططان الكتف» على أوروبا وقت الأزمات!

إبراهيم وجيه باشا

طويل، ضافي الجسم، متراخي الأطراف، تتسرح العين منه في منظر غير مؤتلف ولا متسق، وبعبارة أخرى إن عينك لا تكاد تسقط عليه حتى تشعر بما بين خلقه وبين «قيافته» من سوء التفاهم! فهو شديد العناية بهذه «القيافة». وهو لا يعنى بشيء من مظاهر الدنيا عنايته بها. وإنه ليخيل إلي أنه يطوي عامة ليله وصدرا من نهاره في مطالعة مجلات «المودة» ونشرات «الشيك»، وكلما سقط فيها على طريف أسرع إليه فتجمل به وتأنق، وتحلى به وتألق: فمن خواتيم تلمع في الخناصر والبناصر، من شتى الألوان في شتى الجواهر. ومن رباط للرقبة - كرافات - تحتار العين في أزرقه وأسوده وأحمره، وأبيضه وأخضره وأصفره؛ حتى كأنما قد من أنوار بستان، ففيه من كل زهرة زوجان، تجري كلها في مذاهبها حتى تلتقي عند لؤلؤة بيضاء، أو زمردة خضراء، أو ياقوتة حمراء، فكأن هذا «الدبوس» من تلك الألوان، ملتقى العشاق ومجتمع الخلان. ومن حلة محبوكة؛ «محذقة» مسبوكة؛ كأنما موه بها جلده تمويها، فإذا تبدى لك فيها حسبته عاريا وهو كاس! إلى حذاء، وناهيك بهذا الحذاء! ليس يتخذ الباشا حذاءه من مصر كلها، ولا من أفريقيا أجمعها، ولا من كل ما يدلى من سلع الغرب إلى الشرق، بل إنه ليفصل له تفصيلا من مصنع

Unknown page