Fikr Carabi Hafith
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genres
البارون المجري الذي اكتسب الجنسية الفرنسية وأصبحت له ندوة منزلية
17
تفتقت فيها الجدالات والعقول عن مبادئ كان لها أثرها في تمهيد السبيل إلى الثورة. وأشهر مخلفات هولباخ كتابه «نظام الطبيعة»
Système de la Nature
الذي قطع فيه بضرورة انصراف الإنسان عما وراء الكون إلى الكون نفسه. «إن الإنسان موجود في الطبيعة وهو مطوع لقوانينها لا يستطيع أن يعتق منها ذاته. وعبثا يصر عقله على الوثوب إلى ما وراء العالم المشهود. إن ضرورة قاهرة أبدا تشده إلى الرجوع.»
وفي ميدان السياسة والاجتماع يطالب هولباخ بالحرية، ويحددها «بأنها قدرة الإنسان على اتخاذ التدابير التي تضمن له وجودا حسنا.» ولا ضمانة للحرية في رأيه إلا بالقوانين التي «تحمي الجميع حماية متساوية؛ الأغنياء والفقراء، العظماء والصغار، الملوك والرعايا.» وهكذا يضع هولباخ سلطة القوانين فوق سلطة الجميع، حتى الملوك. وإذا ذكرنا أن لويس السادس عشر مثلا كان يقول معبرا عن رأي الملوك الأوتوقراطيين: «لي وحدي سلطة التشريع دون اعتماد على غيري أو معاونة»؛ ومعنى هذا أنه فوق القوانين لأنه يغيرها ساعة يشاء ما دامت سلطة التشريع منحصرة فيه. أجل، إذا ذكرنا هذا عرفنا أن مبدأ هولباخ في جعل القوانين فوق الجميع حتى الملوك كان مبدأ ثوريا. وكذلك قوله: «الحرية ألا يطيع الإنسان إلا القوانين» كان رأيا ثوريا؛ لأنه يعرض فيه بأصحاب العروش الذين يرون الطاعة واجبة لمطلق أشخاصهم.
18
أما صيغة هذه القوانين فتشتق من طبيعة السياسة العامة. والسياسة العامة في نظره يجب أن تكون فن تنظيم ميول الإنسان وتوجيهها إلى إنعاش المجتمع، وإلى تيار عام من السعادة. إنها يجب أن تنظم عواطف الإنسان لتجعلها تنسلك انسلاكا لطيفا من أجل نفع الجميع منفعة عامة.
فينتج من هذا أن القوانين ينبغي لها أن تكون في مصلحة المجموع، لا في مصلحة ذوي المقامات وحدهم.
وهنا يذهب بنا الكلام إلى جان جاك روسو، وهو أشد المفكرين صلة بالانقلاب الفرنسي الكبير، وقد يلقب كتابه «العقد الاجتماعي» بإنجيل الثورة. وكان روبسبيير من تلاميذه المتمسكين به، وكان ماراه الزعيم الشعبي يقرأ منه صفحات للجماهير في شوارع باريس.
Unknown page