Fikr Carabi Hafith
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genres
الذي يناط بتمهيد سبل العلوم فهو يتضمن المساعدة على تشييد المدارس وتسهيل الدخول فيها لأجل كل من يرغب، وترقية الناجحين بالدراسة على قدر الاستحقاق.
وأما الركن الثاني:
الذي يلاحظ تسهيل طرائق التجارة فهو يتوقف أولا: على تقريب أبعاد الأسفار بواسطة إصلاح الطرقات. ثانيا: على إزالة مخاوف ومعاثر الطريق وإيقاع الأمان والسهولة. ثالثا: على وضع حدود ونظامات تجري على كل أرباب هذه الحرفة بحيث لا يمكن أحدا تجاوزها. رابعا، وهو الأخير: على منع كل الصعوبات التي يمكنها صدم تقدم التجارة وإبطال كل عائق لسيرها.
والركن الثالث:
الذي يخص تقوية وسائط الصنائع والأشغال فهو يتأسس أولا: على إثارة همم ذوي الاختراعات بتعظيم جوائزهم ورفع شأنهم وتثبيت ما به يمكنهم اقتطاف ثمرات أتعابهم. ثانيا: على توسيع دوائر الأدوات الصناعية وتضييق مساحة التلف والمصاريف. ثالثا: على رفع كل ما يوقف الخطوات عن الهجوم إلى معاناة الأشغال. أخيرا: على المساعدة في تكثير المعامل وتسهيل مجراها.
وأما الركن الرابع:
الذي يتعلق بمساعدة الزراعة والفلاحة فهو يقوم برفع الجور عن الفلاحة وفتح الطريق للزارع، وتعجيل خطوات الحصاد ومنع حشر العشار واحتشاد الخزان، وبملاشاة كل موانع البذار وتسديد جميع مطاليب الأرض.
وأما الركن الخامس:
الذي يشمل رفع أسباب التعدي، فهو يستوي على ثلاث قضايا فقط وهي: حماية المتاع، وصيانة الإعمار، ووقاية الأرواح. (3) حالة الاستواء
إن أعظم المقومات لصحة السياسة وإقامة الحق هو مجرى شرائعها متساوية على كل أبنائها بدون أدنى امتياز بين الأشخاص أو تفريق بين الأحوال؛ فلا يجب الأخذ بيد الكبير ودفع الصغير، ولا الالتفات إلى الغني والإعراض عن الفقير، ولا مؤازرة القوي ومواراة الضعيف، بل يجب معاملة الجميع على حد سواء كيلا يقع خلل في نظام الحق؛ لأن كل فئة من الناس لها منزلة في طريق السياسة تستدعي النظر إليها؛ فكما أن العظماء والأغنياء هم القوة الواصلة، كذلك الصغار والفقراء هم الآلة الموصلة؛ فلولا يد الصغير لم يطل ساعد الكبير، ولولا تعب ذوي الفاقة لم تسهل متاجر أرباب الغنى ولم تحرس أموالهم ولم تقم قصورهم العالية وسرادقهم المشيدة. لعل ذلك الغني عندما يأتي من محل ملاهيه ومراسحه إلى مسكنه الوسيع، ويضجع على فراشه المصنوع من ريش النعام، وينظر إلى رقوش حجرته ونقوشها، لا يفكر في ذاك المسكين، الذي بعد أن يكد ويكدح طول النهار مقاسيا حر صيفه ومتكبدا برد شتائه لأجل تشييد ذاك المسكن وتنميق تلك الحجرة، يذهب إلى كوخه الحقير ويأكل خبزته اليابسة مع أولاده العراة الجائعين ثم يضجع على طراحته المتخرقة تحت لحاف الإعياء والوصب؛ فهل كل هذا التباين لا يكفيه حتى يرغب إيقاعه أيضا في موقف الحق الذي يستوي عنده الجميع؟ وهل يسوغ لأرباب السياسة أن يقبلوا وقوع هذا التباين ويجحفوا بذلك المسكين الذي بدونه لا تصل قوتهم إلى مواقعها فلا يخافوا من وثوب التسعة والتسعين وفرط عقد الجمعية؟ ولماذا يوجد حق لأصوات الأغنياء فترن في قاعات السياسة، ولا يوجد هذا الحق لأصوات بقية الشعب الذين هم الجانب الأكبر والأهم والذين بواسطتهم تقوم سطوة الممالك وقوات الملوك وعليهم يتوقف مدار السياسات؟ فلا شك أن لسان السياسة نفسه ينادي بوجوب حالة الاستواء ويصرخ ضد الضد. (4) تثقيف العقل
Unknown page