Fikar Wa Mabahith
فكر ومباحث
Publisher
مكتبة المنارة للنشر والتوزيع
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م
Publisher Location
مكة المكرمة
Genres
(قال) حدثني محمد بن عبيد، عن ... عن ... عن أم كرز الكعبية قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: ذهبت النبوَّة وبقيت المبشرات (١) وحدثني محمد بن زياد عن ... عن ... عن عروة أنه قال في قول الله ﷿: ﴿لَهمُ البُشرَى في الحَياة الدُّنيا وفي الآخرَةِ﴾ قال: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له (٢).
(قال أبو محمد) وليس فيما يتعاطى الناس من فنون العلم، ويتمارسون من صنوف الحكم، شيء هو أغمض وألطف، وأجلَّ وأشرف، وأصعب مرادًا وأشكالًا، من الرؤيا، لأنها جنس من الوحي، وضرب من النبوة ... إلخ. ولأن كل علم يطلب فأصوله لا تختلف، ومقاييسه لا تتغير، والطريق إليه قاصد، والسبب الدال عليه واحد، خلا التأويل: فإن الرؤيا تتغير عن أصولها باختلاف أحوال الناس في هيئاتهم، وصناعاتهم وأقدارهم، وأديانهم، وهممهم، وإراداتهم. وباختلاف الأوقات والأزمان فهي مرَّة مثل مضروب يُعبّر بالمثل والنظير، ومرَّة مثل مضروب يعبّر بالضد والخلاف، ومرَّة تنصرف عن الرائي لها إلى الشقيق أو النظير أو الرئيس، ومرَّة تكون أضغاثًا.
ولأن كل عالم بفن من العلوم، يستغني بآلة ذلك العلم لعلمه، خلا عابر الرؤيا: فإنه يحتاج إلى أن يكون عالمًا بكتاب الله ﷿ وبحديث الرسول ﷺ. ليتَعبَّرهما في التأويل. وبأمثال العرب، والأبيات النادرة، واشتقاق اللغة، والألفاظ المبتذلة عند العوام، وأن يكون مع ذلك أديبًا لطيفًا ذكيًا، عارفًا بهيئات الناس وشمائلهم وأقدارهم وأحوالهم، عالمًا بالقياس حافظًا، ولن تغني عنه معرفة الأصول، إلا أن يمدَّه الله بتوفيق، يسدِّد حكمه للحق، ولسانه للصواب، وأن يحضره الله تعالى تسديده، حتى يكون طيب الطعمة، نقيًا من الفواحش، طاهرًا من الذنوب، فإذا كان كذلك، أفرغ الله
(١) رواه البخاري عن أبي هريرة بلفظ: لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة. (٢) قال في تيسير الوصول في حديث المبشرات المتقدم: رواه مالك عن عطاء مرسلًا، وزاد: الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تري له.
1 / 186