فردت هذه الكلمات الكونتة إلى الصواب، وقالت: نعم، كلمني عن ابنتي يا سيدي، ولك الفضل الذي لا أنساه أبدا.
وبدأت المحادثة الطويلة عن قدوم بوليت، ومرت الساعات سراعا، وكتم دراك عن لورانس أنها لن ترى ابنتها، وأن أباها عازم على أن يلقي بها إلى ساعدي أنيبال بلميري شقيق الكونتة الجديدة، ذلك ما كتمه عنها لئلا يزيد عذابها، وقبل أن يذهب استحلفته على أن يعود إليها، فاضطر إلى القبول، ثم قال: أجيء قبل رحيلي عن باريس.
قال ملطار بقلق: متى ترتحل يا سيدي؟ أجاب بعزيمة: غدا.
وراع لورانس سرعة فقدها لذلك الصديق الجديد، فنظرت إليه نظرة تشف عن توسل وابتهال، فصاح: غدا أو بعد غد أو بعد أسبوع ... لا أدري، لكنني سأسافر على كل حال بعد أن يطمئن قلبك، وبعد أن تقولي لي أنت مع عزيزتنا بوليت: إنكما لستما في حاجة إلى السير إيليا دراك فليذهب بسلام.
الفصل الثامن
يذكر القراء أن الأميرال والد لورانس قد انتقل وزوجته من منزل الكونت دي موري إلى منزل آخر في شارع لوشان، ولا يجهل أحد مقدار حب زوجته لابنتها، ولطالما توسلت إلى زوجها الأميرال ليأذن لها بمقابلة لورانس أو الكتابة إليها، فكان يمتنع على الدوام، وظل على تلك الحال من الإعراض عن ابنته ومقاطعتها وهي خاضعة ذليلة، وفي ذات يوم جاء الأميرال فألفى زوجته باكية، فقال لها بلهجة اللائم: ألا تزالين تبكين؟
أجابت: وا أسفاه! لقد أطعتك فتظاهرت بالثبات، إلا أن فؤادي كان يكذب وجهي. أما الآن فقد خانني جلدي، وقد مضت ثلاثة شهور ولم أر ابنتي! قال بحدة: إنني منعتك من أن تذكريها فاحسبيها ميتة. قالت: إذن دعني أنفق من دموعي وزفراتي، وأي أم لا يحق لها أن تبكي ولدها الميت؟
لئن منعوا ليلى وطيب حديثها
فلن يمنعوا عني البكا والقوافيا
قال: إذن افترضي أنها لم توجد قط، قالت: مهما تكن مجرمة فهي ابنتك ... ألا تذكر حبك إياها فيما مضى؟ قال: لا تكلميني عنها، قالت: ليس لي قوتك، إن أنا إلا امرأة ووالدة فأتوسل إليك جاثية أن تأذن لي فأرى ابنتي.
Unknown page