فنهضت لورانس وعادت إلى بيتها، فلما فتحت لها خادمتها الباب، وكانت جديدة عندها، قالت لها: في البهو رجل ينتظر سيدتي منذ ساعة، وعليه ملابس غريبة، ويقول: إن سيدتي تعرفه، فأدخلته ينتظرك هناك.
فلما وقع بصرها على ذلك الرجل عرفت أنه ملطار، الخادم الهندي، فصاحت دهشا، فقال لها: إنني أتيت إلى هنا دون أن يعلم أحد بقدومي، فأجابته: شكرا لك يا ملطار، فقد بقي في الناس من لا يزال يعطف علي.
ثم قالت له: تكلم وقل لي لماذا أتيت اليوم ولم تأت قبلا ؟ فلا جرم أن وراءك خبرا جديدا هاما.
قال: لسيدتي فضل على ملطار لا ينساه، وهو يعرف أنها محزونة، ويظن أنها لا تستوجب ما هي فيه، وقد جرت حوادث تقضي على سيدتي بأن تتكلم ...
قالت: فما عسى أن أقول، وأنت تدري بإقراري؟ أجاب: نعم أدري، إلا أنني لا أصدق ذلك الإقرار. - إنني اعترفت بالحقيقة. فقل لي، ما تلك الحوادث التي تشير إليها؟ - سيدتي، إن سيدي سيقدم على عمل هو الجنون بعينه، ولعل الحزن حمله عليه، أفلا تذهب سيدتي لتمنعه من ذلك العمل؟ - أوضح يا ملطار! - إن سيدي يحب امرأة أخرى يظن أنها تحبه، فهو عازم على الاقتران بها!
فصاحت: ولكن ذلك مستحيل! ثم خطرت في بالها الدوقة دي جرجونة، فقالت: أيريد أن يتزوج من تلك المرأة؟ أليس الأمر كذلك يا ملطار؟
فأدرك مرادها وأجاب: نعم، تلك المرأة.
فوقفت وقالت: ولكن هذا عمل سافل! وإنما كان يجب علي أن أتوقعه؛ لأنني محكوم علي، وقد شحذت بيدي السكين التي تمزق فؤادي، ويحي، إنهما متحابان من زمان، وقد لاحظتهما ولكنني كنت أكذب بصري، وألوم نفسي على الشك فيهما، أما الآن فقد فهمت لماذا سارع إلى الاعتقاد باجترامي؛ ذلك أنه شعر بخيانته لي سلفا فلم يكن قادرا على الوثوق بأمانة زوجته التي يشهد لها سبعة عشر عاما مضت على هوى صادق، وعلمت كذلك لماذا بادر إلى قتل من حسبه مغتال شرفه؛ إنما قتله ليخلو المكان لعشيقته وقد كانت تنتظره ... ولم يقتلني أنا لئلا تأنف الزوجة الثانية من الاضطجاع على فراش ملطخ بدماء الأولى. رباه، هذا كثير!
ولما رأى ملطار اضطرابها قال لها: ولكن إذا لم يكن اتهامك نفسك حقا فإن سيدي يندم ولا يتزوج تلك المرأة! فهدأ ثائر حنقها، وبعد تردد قالت: هذا صحيح.
وعادت تقول كما كانت تقول في ساعات جنونها السابق: «إنه كان عشيقي!» وخرت على الأرض مغمى عليها. •••
Unknown page