وقد شاء الله أن يحقق ظنى، فما كدنا نقطع خمسة كيلومترات من الطريق بعد أن تركنا القناطر وأخذنا فى سكة قليوب حتى وجدنا السيارة. وأوجز فأقول أنا ركبناها فرحين، وعدنا إلى القناطر عسى أن نجد بقيتنا. فلما لم نجد أحدا تركنا لهم خبرا عند الحارس النائم، ثم حملناه معنا إلى مركز البوليس لنسرهم ونعفيهم من البحث، فعلمنا أن أصحابنا أبلغوهم خبر السرقة، وأن بعض الشرطة خرج للبحث وأن الخبر طير بالتليفون إلى قليوب والقاهرة ولجهات أخرى أيضا لضبط السارق فى الطريق. فشكرنا لهم هذه الهمة التى لم تكن متوقعة ثم قلت لهم: «إن المهم الآن هو البحث عن زوجتى».
فصاح الرجل: «إيه»؟ قلت: «إنها مع قريبى وقريبها» قال: «انتهينا».
قلت: «كلا لم ننته.. وما أدراك أن هذه ليست سرقة أخرى أفظع وأشنع»؟
فضحك الرجل.. وجرتنى لولو وهى تحتج. •••
تركنا السيارة أمام رصيف البيت وجلسنا فى الشرفة نأكل لحم الغائبين - أعنى ننتظرهما - وإذا بهما عائدان بعد نحو ساعتين فى سيارة - هى أخت سيارتنا بلا فرق - فانحدرت إلى الطريق بسرعة فوجدتهما يتأملان هذه المعجزة، فقلت: «تمام.. لقد سرقت هذه السيارة يا صاحبي، ولم أكن أعرف أن قريبى ونسيبى لص.. ولكن ماذا أصنع؟ لقد أخفوك عنى قبل أن أتزوج، فصار واجبي أن أخفيك عن أعين الناس بعد أن تزوجت».
فهم بكلام فمنعته ودعوته أن ينظر إلى السيارتين، فاقتنع وقال: «ما العمل الآن»؟ قلت: «تستعد للسجن.. لقد كان هذا واجبا من زمان طويل فى الحقيقة، ولكن ما أكثر من يستحقون السجن وهم طلقاء.. والآن اذهب بالسيارة إلى الجراج - السيارة المسروقة ثم أبلغ البوليس بالتليفون وقل له إنك عندى تنتظر حضوره للقبض عليك».
وعرفنا منهما بعد ذلك أنهما ركبا القطار ثم الترام إلى العتبة الخضراء وإذا بهما يريان السيارة عند رصيف إدارة البريد، فذهبا إليها يعدوان فألفياها خالية فركبا، وانطلقا بها من غير أن يعنيا بالنظر إلى رقمها وانحدرا بها فى شارع فاروق.. وتركا صاحبها المسكين يجرى وراءهما ويصيح ويصرخ ويستنجد، وهما يضحكان مسرورين.. بارك الله فيهما من لصين جريئين.
وقلت لهما: «لا عليكما.. ستكون العتبة الخضراء كلها عندنا بعد دقائق ببوليسها وصبيانها وباعتها.. إلى آخره.. إلى آخره.. وسيشهد الجيران وجيران الجيران أمتع رواية رأوها أو يمكن أن يروها فى حياتهم أو حياة هذا الشارع الرزين ».
وجاء الشرطة والمسروق المسكين فى تاكسى. وكان لابد أن يروا السيارة وأن ينزلوا، وكنت واقفا إلى جانبها أنتظر هذه التشريف، فقال الرجل: «هذه هى» ومسح العرق المتصبب ودنا منها وهم بأن يفتح بابها فتصديت له وقلت: «عفوا.. هل من خدمة»؟
فصاح: «خدمة؟ يا حرامى يا مجرم.. أين أخفيت شريكتك؟ المرأة التى كانت معك»؟
Unknown page