أن الفتح هو فتح الحديبية لا فتح مكة وأن الصحابة كانوا إذا أطلقوا (الفتح) لا يريدون به إلا فتح الحديبية وبإمكان الشيخ أن يرجع للأحاديث والمرويات في أوائل تفسير سورة الفتح، علما بأن سورتي (الحديد ومحمد) ترتيبهما في السور المدنية هما الثامنة والتاسعة عند ابن الضريس والتاسعة والعاشرة عند أبي عمرو الداني وروايتيهما من أوثق الروايات في ترتيب نزول القرآن، وهناك روايات أخرى كلها لكنها كلها متفقة على نزول هاتين السورتين أيام كان الطلقاء يحاربون الإسلام فكيف تكون هذه الآيات في الثناء عليهم؟ .
على أية حال: قد أجبت بتوسع على هذه الشبهة في النسخة الأولى من محاضرة (الصحبة والصحابة) فضلا عن النسخ المنقحة والمعدلة منها وإن كان للشيخ وفقه الله رأي ودليل يخالف هذا فليظهره لنا ونحن لن نتردد في اتباعه إن كان حقا.
ثم شمول تلك الآيات لكل من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على افتراض ثبوته لا يعني أن يتناول كل فرد، فقد ارتد أناس ممن رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونافق آخرون وظلم قسم ثالث؛ فلا يجوز تحميل هذه الآيات فوق ما تحتمل ونحمي بها الظلمة كمسرف بن عقبة، وبسر بن أبي أرطأة، ونحوهم بدلائل ظنية ونترك الدلائل القطعية من ذم الظالم والمفسد في الأرض والكاذب ومرتكب المحرمات...إلخ.
فهذه الأعمال لو قام بها أحد المهاجرين أو الأنصار لما عصمته هجرته ولا نصرته من الذم، فكيف بمن أسلموا كرها أو تظاهروا بالإسلام أو أسلموا صادقين لكنهم لم يحسنوا إسلامهم وخلطوه بالمظالم والكبائر؟ فهذه هي المنطقة (البرزخ) التي لم تجد تحريرا كافيا إلى الآن ربما لزيادة في الورع وبعض الورع يضر الحقيقة وربما لصعوبة الضابط هنا الذي يتطلب البحث، مع سهولة ضابط الرؤية واللقاء فهذا الضابط لا تهمه سيرة الرجل، والناس يميلون للأسهل في النواحي العلمية، وإن كان لهذا الأسهل أضرار علمية بل ودينية.
Page 23