وسار متوشحا سيفه حتى إذا بلغ دار الأرقم ضرب الباب على من فيه، وقام رجل فنظر من خلل الباب ثم عاد فزعا يقول: هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، قال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلنا له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه، وأمر رسول الله أن يؤذن لعمر، وقام فتقدم نحو الحجرة التي تلي الباب، ولما دخل عمر أخذ النبي بمجمع ردائه وجذبه بقوة، وقال له: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة، قال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله ورسوله وما جاء من عند الله، فكبر محمد تكبيرة عرف أهل البيت من أصحابه أن عمر أسلم، فتفرقوا من مكانهم فرحين مؤمنين بأن عمر وحمزة سيحميان رسول الله من خصومه وأذاهم.
وفت إسلام عمر في عضد قريش وقد دخل في دين الله بالحمية التي كان يحاربه من قبل بها، لم يرض عن اختفاء المسلمين حين صلاتهم، بل دأب على نضال قريش حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه، ثم كان عمر بعد ذلك للإسلام عزا في حياة الرسول ومجدا في خلافة أبي بكر وخلافته.
هذا حادث جليل في تاريخ الإسلام، فمكانه جدير بأن يذكر، والدار بأن تصان وأن تزار، وقد ذهبت إلى زيارتها على مقربة من الصفا وانعطفت إليها في طريق من حارة الباب، وأشار الشيخ عبد الحميد إلى باب مغلق، وقال لي: هذه هي الدار، وسألته: هل من سبيل إلى دخولها؟ فعلمت أنها أصبحت مسكنا لإحدى الأسر منذ جاء الوهابيون مكة، وأنها من يومئذ لا تزار، وقد رأيت بأعلى الباب كتابة لم أتثبتها على رغم صعود الطريق المنعطف قبالتها صعودا يجعل نظر الإنسان يكاد يحاذيها، وعلى رغم استعانتي بالمنظار المكبر.
وقد أسفت لحرماني من زيارة هذه الدار، أنا الذي زرت بأوروبا أماكن ودورا صانتها الحكومات ذكرى للعظماء الذين ولدوا بها، أو أقاموا فيها؛ أو لأنها شهدت من حوادث حياتهم أمرا خلدته صحف التاريخ، وإنما هون علي الأسف ما علمته من أن دار الأرقم تغيرت معالمها ولم يبق فيها ما يذكر بهذا الحادث العظيم في حياة العالم الروحية، حسبك أنها تدعى اليوم دار الخيزران؛ لما يزعمون من أن الخيزران أم الحليفتين موسى وهارون عمرتها أيام العباسيين، والذين زاروا هذه الدار قبل الوهابيين يذكرون أن بابها يفتح على دهليز مكشوف إلى السماء طوله ثمانية أمتار وعرضه أربعة، وإلى يساره إيوان مسقوف على عرض ثلاثة أمتار، وإلى يمينه غرفة في مثل مساحته مفروشة بالحصير، وقد وضع في زاويتها الشرقية حجران أحدهما فوق الآخر، كتب على أعلاهما:
بسم الله الرحمن الرحيم
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال
هذا مختبأ رسول الله ودار الخيزران وفيها مبدأ الإسلام.
وكتب على الحجر الأسفل مثل هذه العبارة الأخيرة واسم من أمر بإنشاء هذا الأثر، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني وزير الشام والموصل، قال الفاسي في شفاء الغرام: «وعمره أيضا الوزير الجواد، وعمرته مجاورة يقال لها: مرة العصمة، وعمر أيضا في سنة 821ه، والذي أمر بهذه العمارة ما عرفته.»
ليست دار الأرقم التي قص الفاسي نبأها، والتي تحدث صاحب الرحلة الحجازية وصاحب مرآة الحرمين عنها، هي إذن الدار التي أعلن بها عمر بن الخطاب إسلامه، وخير ما يقال: إن البناء القائم اليوم قائم مكان هذه الدار.
ولقد هون على نفسي الأسف كذلك أنني لم أجد إلى زيارتها الوسيلة؛ لأنها كانت مغلقة، وكان يسكنها قوم من أهل هذا الجيل لا يزورونها الناس، ولا يرعون لها حرمة خاصة؛ لأنهم على رأي ابن عبد الوهاب، فهم يظنون أن كل أثر صنم أو نصب قد يعبد أو يتخذ إلى الله زلفى، وربما قام ما يصنعه المسلمون من التبرك بهذه الآثار عذرا للحكومة النجدية في تحريمها زيارة هذه الأماكن، لكنها كانت تستطيع أن تفعل غير ما فعلت ثم تبلغ غايتها، بأن تحرم التبرك والزلفى، وتبيح الزيارة وتجعلها جمة الفائدة، إذ تعين من يفسر للزائرين مغزى هذه الآثار، ولو أنها فعلت لكان صنيعها أجل فائدة وأعظم أثرا، ولقد اضطرت إلى مثل هذا الصنيع في أماكن أخرى فأثمر صنيعها خير ثمرة.
Unknown page