وسأظل أذكر ما حييت ما بذله الشيخ عبد الحميد حديدي أحد رجال مكة ذوي الفضل والعلم من معاونة صادقة كان لها أبلغ الأثر في اتجاهي، وكان مضيفي بمكة الشيخ عباس قطان أمين العاصمة قد أحدث التعارف بيني وبينه ورجاه أن يصحبني، فصحبني الرجل في تجوالي بمكة وبادية الطائف، وذهب معي إلى المدينة، ولزمني حتى ودعني مسافرا من ينبع، وقد كان في صحبته رفيقا ذكيا ودليلا محيطا بتفاصيل المواقع في مكة، عارفا بما في الطائف والمدينة، وقد أعانه السيد صالح القزاز والشريف حمزة الغالبي في رحلة الطائف، وأعانه الأستاذ عبد القدوس الأنصاري أعظم العون في رحلة المدينة، ولقد حرصت على الإشارة أثناء فصول الكتاب إلى ما قام به هؤلاء الإخوان الأجلاء من جهد في معاونتي جدير بكل تقدير وحمد.
أما ما كان لجلالة الملك ابن السعود ولوزير ماليته الشيخ عبد الله بن سليمان الحمدان ورجال الحكومة العربية من فضل في معاونتي فذلك ما لا يفي الثناء بتقديره.
وإني لأستغفر من نسيت ذكرهم من أولي الفضل ومن كانت لهم يد في معونتي، والله يجزيهم عني أحسن الجزاء.
ويزيد في تقديري لهذه المعاونة وفي ثنائي على الذين أسدوها إلي بما هم أهله أنها طوعت لي أن أقف أنا نفسي عند ما وقفت عليه من قبل في بطون الكتب، وأن أصف ها هنا ما كان لهذه المواقف من أثر مباشر في أطواء روحي، وإني لأعتبر هذه الحرية في الشعور فضلا من الله عظيما، فنحن في حاجة إلى أن نرى الأشياء في كل عصر بعين أهله، وأن نحكم عليها بما بلغنا فيه من تقدم أو تطور في العلم والحضارة، فأما أن نتقيد بما شهده السلف فذلك الجمود الذي لم يرضه الإسلام مذ بعث الله به نبيه، وذلك ما يحب أن نتنزه عنه؛ ولهذا قدمت أنني لم أتقيد أمام شيء مما رأيت بكتاب غير كتاب الله، ولم أجعل لي في التقدير إماما إلا ما رضيه العقل وطابت به النفس، ولم أخش إلا الله، وإلا ضميري فيما أفاضه الحس على القرطاس، فليغمزني من شاء بالرجعية، وليتهمني من شاء بمخالفة الإجماع، وليقدر هذا المجهود من شاء بما يشاء؛ فإنما أبتغي به الجزاء من الله يوم تجزى كل نفس بما كسبت ولا يعرف حميم حميما، والله وحده عليم بذات الصدور.
وأختم هذا التقديم راجيا أن يثمر هذا العمل من تقدير قومي ما يدعو جامعات الشرق العربي، وما يدعو الكتاب إلى مزيد من العناية بهذه البلاد الإسلامية المقدسة، ودراسة حاضرها وماضيها دراسة علمية دقيقة، وما يدعو المفكرين والساسة أولي العزم ليعملوا على إصلاح هذه البلاد، وليتخذوا من مكة أم القرى مقرا لعصبة أمم إسلامية، ألا لو فعل هؤلاء وأولئك ليكونن عملهم أعظم فوز لهذا الكتاب، وليكونن فتح الله يومئذ للمؤمنين مبينا.
محمد حسين هيكل
الكتاب الأول
فرض الحج
عزم السفر
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت .
Unknown page