1- وقد وصفنا فيما سلف ولاد الحيوان بنوع عام مشترك وبنوع خاص لكل واحد. وقد علمنا ان الذكر والانثى تكون مفترقة فى الحيوان التام الكامل ونقول ان هذه القوى اوايل جميع الحيوان وجميع الشجر. ولكن هذه الاوايل فى بعضها غير مفارقة وهى فى بعضها مفارقة، ولذلك ينبغى لنا ان نبدأ بذكر كينونتها اولا، فان الجنين قبل ان تتم خلقته فى الرحم يتميز ويفترق الذكر والانثى. وقبل ان يكون فصل ما ذكرنا مبسوطا معروفا لحسنا يكون بعضه ذكر ويكون بعضه انثى. وهو مشكوك إن كان هذا الفصل يكون فى الام اولا او قبل ذلك، فان من الناس من يزعم ان هذه المضادة تكون فى الزرع كقول انكساغوراس وناس أخر من اصحاب كلام الطباعى، فانهم يزعمون ان الزرع من الذكر، فاما الانثى دون الذكر فهى تكون من اماكن الرحم، *** لأن الذكر يكون فى الناحية اليمنى والانثى تكون فى الناحية اليسرى. وغير اولئك يزعم ان هذا الفصل يكون فى الام كقول انبدوقليس، لأنهم يزعمون ان الزرع الذى يقع فى رحم حار يكون ذكرا والزرع الذى يقع فى رحم بارد يكون انثى، وعلة الحرارة والبرودة فى طباع الطمث فهو الذى يغير ببرده وحره، [وانه ياخذ حدثت على خلاف ذلك]. فاما ديموقريطوس الابديرى فهو يزعم ان فصل الذكر والانثى يكون فى الام ولايكون ذلك لحال حرارة او برودة اعنى الانثى لحال البرودة والذكر لحال الحرارة بل يكون من قبل الزرع الذى يخرج من الذكر، وبهذا النوع يكون اختلاف ما بين الذكر والانثى. وقد كسل وضعف رأى انبدوقليس حيث ظن ان اختلاف الذى بين الذكر والانثى من قبل الحرارة والبرودة فقط ولم يفكر ان الفصل الذى بين جميع الاعضاء اعنى الرحم والاعضاء الموافقة للولاد كبير جدا. فانه إن يوهم احد إن اثنين مجبولين مفروع منهما ولأحدهما اعضاء الذكر وللآخر اعضاء الانثى ثم وضعت الاثنين فى الرحم كما توضع آنية الفخار فى اتون ووضع الذى له آلة الذكر فى رحم بارد والذى له اعضاء الانثى فى رحم حار فباضطرار لا يكون للذكر اعضاء الذكر ولا للانثى اعضاء الانثى ايضا. فمن هنا يستبين قول ديموقريطوس اجود واصوب،، لأنه يطلب فصل الولاد بعينه ويروم ان يقول ذلك. وسنذكر فى غير هذا الموضع إن كان قوله بنوع صوابا وبنوع خطأ. وايضا لو كانت الحرارة والبرودة علة الذكر والانثى لقلت مثل قول اولئك، فانه شبيه بقول الذين يزعمون انهم يعلموا علة ولاد الذكر والانثى وان الفصل الذى بينهما واضح. وليس هو بعمل يسير ان يوجد ابتداء الولاد من اول تلك العلة بقدر جميع علة هذه الاعضاء اعنى انه باضطرار يتبع <اذا> برد الزرع <يكون> ولاد هذا العضو الذى يسمى رحما واذا سخن لا يكون هذا العضو بل خلافه. وبقدر هذا النوع تكون الاعضاء الموافقة للجماع، فان بين هذه الاعضاء خلاف ايضا كما قلنا فيما سلف. وايضا يكون فى الرحم تؤمين احدهما ذكر والآخر انثى فى العضو الواحد اعنى فى الرحم مرارا شتى، وقد رأينا ذلك بمعاينة الشق مرارا شتى فى جميع الحيوان الذى يلد حيوانا وفى الحيوان المشاء وفى السمك. فبحق اخطأ صاحب هذا القول إن كان لم يعاين هذه الاشياء معاينة وذكر هذه العلة، فاما إن كان عاينها فهو من الخطأ الظن ان حرارة وبرودة الرحم علة ولاد الذكر والانثى. فقد كان ينبغى ان يكون التوءمان إما انثايين وإما ذكرين وليس نرى هذا العرض الذى يعرض على مثل هذه الحال. ولا يمكن ايضا ما يقول اعنى ان اعضاء الذى يتولد فى الرحم يفترق وتكون بعضها فى الذكر وبعضها فى الانثى ولذلك يشتاق بعضها الى قرب بعض باضطرار فان عظم مثل هذه يفترق ثم يكون اجتماع وليس لحال حرارة او لحال برودة. ولكن قد قال قولا كثيرا فى مثل هذه العلة اعنى علة الزرع وبقول عام يشبه ان يكون فن العلة مصنوع كاذب. فاما إن كان حال الزرع كما قلنا فيما سلف ولا يخرج من كل عضو ولا الزرع الذى يخرج من الذكر يكون هيولى الجنين الذى يخلق البتة، فعندنا حجج ننقض بها قول هذا وقول ديموقريطوس وان كان انسان آخر يقول مثل هذا القول. فنحن ننقض قوله بمثل هذه النقيضة، لأنه لا يمكن ان يكون بعض جسد الزرع فى الانثى وبعضه فى الذكر كا قال انبدقليس حيث زعم ولكن طباع الاعضاء مفترق***، ولأن جزء يغلب على جزء آخر يكون بعضه ذكرا وبعضه انتى. وبقول عام هو امثل ان ينسب الى زيادة وقهر العضو وذلك بقدر ما يصير منه ذكر وانثى، فنسبة العلة الى قهر العضو امثل من ان ينسب الى حرارة وبرودة الرحم فقط. وكيف يعرض ان يكون منظر العضو الموافق للجماع على خلاف منظر العضو الآخر فان هذا القول ايضا يحتاج الى جواب لأن الاعضاء تتبع بعضها بعضا ابدا. فانه إن كان هذا العرض يعرض لقرب بعض الاعضاء من بعض فقد كان ينبغى ان يعرض ذلك لكل واحد من الاعضاء ايضا لأن كل واحد قريب منها قريب من الآخر، وذلك مثل ظن الذين يظنون ان الجنين إما ان يكون انثى شبيهة بالام وإما ان يكون <ذكرا> شبيها بالاب. فان ذلك ايضا من الخطأ فليس الاعضاء علة اختلاف ما ذكرنا بل تغيير جميع الجسد. واول ذلك التغيير العروق التى توضع مثل ارسام تحت الجسد. و[على] العروق التى توضع <عليها> اللحم [الذى] لا تخلق لحال الرحم ولا تكون لها كيفية من الكيفيات بل الرحم يكون على الحال التى تكون لحال العروق، فان ذلك اصوب واقرب الى الحق. وانما الرحم قابل للدم فخلقة العروق قبل خلقة الرحم. وباضطرار يكون الاول المحرك ابدا اولا وقبل علة الولاد لأنه يعرض ان يكون للولاد كيفية من الكيفيات. فيعرض اختلاف هذة الاعضاء اذا قيس بعضها الى بعض اعنى اعضاء الذكر والانثى وليس ينبغى ان يظن ان ذلك اول ولا انه العلة بعينها بل علة أخرى، ولو لم يخرج زرع البتة لا من الانثى ولا من الذكر بل يصير تقويم الزرع الذى يكون بنوع من الانواع أيما كان. وهذا القول موافق لنقض قول الذين يزعمون ان الذكر يكون من الناحية اليمنى والانثى تكون من الناحية اليسرى ايضا مثل موافقته لنقض قول انبدوقليس وديموقرطوس. فانه إن لم تكن موافقة هيولى من الذكر البتة فليس يقولوا قولا صوابا اصحاب هذا الرأى، فان كانت من الذكر موافقة كما يزعمون ينبغى ان ينقض قول انبدقليس ايضا بمثل هذه النقيضة لأنه يميز الانثى من الذكر بحرارة وبرودة الرحم. مثل هذا الفعل يفعلوا الذين يفرقوا ما بين الذكر والانثى لحال الناحية اليسرى والناحية اليمنى وهم يعاينوا ان فيما بين الذكر والانثى فصل بكلية اعضاء. وإن كان ولاد الذكر والانثى من قبل هاتين الناحيتين وليس من قبل جسد الرحم ايضا وصار الزرع فى الرحم سيكون الجنين الذى يخلق منه بلا رحم والذكر الذى يخلق منه عادم عضو الذكر. وايضا كما قلنا فيما سلف قد عوين ذكر فى الناحية اليسرى من نواحى الرحم وعوينت انثى فى الناحية اليمنى من نواحى الرحم وكلاهما فى ناحية واحدة معا، ولم يظهر ذلك مرة واحدة بل مرارا شتى***. ومن الناس من قد قنع بقول الذين يزعمون انه اذا ربطت الناحية اليمنى من الانثيين يكون المولود انثى واذا ربطت الناحية اليسرى يكون المولود ذكرا فذلك فى اوان الجماع. وقد كان لوفانيس يقول مثل هذا القول. وقد زعم بعض الناس انه اذا خرجت البيضة الواحدة من الانثيين يعرض مثل هذا العرض، وليس ذلك بحق، وانما يتقدموا ويقولوا ما سيعرض ويكون مثل ما يقولوا العرافون وهم يزعمون انهم قد عاينوا هذه الاشياء معاينة. وانما قالوا هذا القول بجهلهم ان هذه الاعضاء لا توافق الحيوان فى ولاد الذكورة ولا الانثى. والعلامة الدليلة على ذلك من قبل ان كثيرا من الحيوان هو ذكر وانثى ويلد بعض الولد ذكورة وبعضها اناثا بغير ان يكون لها انثيان مثل الحيوان الذى ليس له رجلان مثل جنس السمك والحيات. فاما قول الذين يزعمون ان الحرارة والبرودة. علة ولاد الذكر والانثى وقول الذين يزعمون ان خروج الزرع من الناحية اليمنى او الناحية اليسرى علة ذلك فيقول <شيئا> بنوع من الانواع، من قبل ان الناحية اليمنى من الجسد اسخن من الناحية اليسرى والنضج ادفئ واسخن من غيره ومثل هذا يكون المقوم الجتمع***. ولكن هذا القول شبيه بقول الذين يدنون من درك العلة من بعد كثير، وينبغى ان ندرك العلة من الاوايل التى هى ادنا واقرب. وقد وصفنا فيما سلف حال كل واحد من اعضاء الجسد وبينا علته. ولكن الذكر والانثى مفصل مميز بقوة من القوى وضعف مخالف للقوة. فالزرع الذى <يقوى> على ان ينضج شيئا ويقومه فيه*** اول الصورة وهو ذكر وانثى، وانما اعنى بقولى اولا ليس الهيولى التى منها يكون مثل الذى يلد بل الاول المحرك إن كان يقوى على ان يفعل هذا الفعل بذاته او بغيره. فان الزرع مثل فاعل والهيولى التى توجد من الانثى مثل مفعول به***. وايضا إن كان كل نضوج انما ينضج بالحرارة فباضطرار تكون ذكورة الحيوان اسخن واكثر حرارة من الاناث. وربما كانت اناث بعض الحيوان كثيرة الدم لحال البرودة والضعف الغالب عليها وليس على حر. ولحال هذه العلة يظن بعض الناس ان الانثى اكثر حرارة من الذكر لحال خروج الدم الذى يعرض فى اوان الطمث. لأن الدم حار*** وانما يظن كثير من الناس ان هذا العرض يعرض لكثرة الدم والحرارة وهم فى ذلك مخطئون، لأنه ليس مما يمكن كل دم حار على حال واحدة فهم يرون ان كل ما كان رطبا دمى اللون حار الطباع ولا يتفقدون الدم الصافى النقى الذى يكون من جودة الغذاء. وبمثل هذا النوع يرون ان الفضلة الاكثر التى تكون فى البطن اكثر حرارة من الفضلة اليسيرة وان تلك الكثرة علامة طباع حار. والحق على خلاف ظنهم ورأيهم. وكمثل ما يخرج غذاء قليل ينتفع به من الغذاء الكثير وذلك بين فى اعمال مصلحة الثمرات واذا قيس الغذاء الآخر الى الغذاء الاول يكون جزءا يسيرا من كثرة غذاء الاول، كذلك يعرض للجسد ايضا لأن الاعضاء تقبل الغذاء بعضها من بعض فى اوان الطبخ وفى أخرة يكون الغذاء النقى قليلا جدا لأنه لا يبقى من ذلك الغذاء الاول الكثير إلا قليل. وذلك الغذاء الاخير القليل يكون دم حيوان الذى له دم، فاما فى الحيوان الذى لا دم له فهو يكون شىء آخر ملايم للدم. ولأن احدهما قوى والآخر ضعيف تخرج الفضلة نقية، ولكل قوة آلة من الآلات اعنى القوة التى تعمل عملا اجود والقوة التى تعمل عملا اردى، وبانواع شتى يقال القوى والضعيف انثى وذكر، وبهذا النوع يضاد احدهما الآخر، فباضطرار تكون للذكر آلة والانثى ايضا له آلة أخرى وتلك الآلة فى الانثى الرحم وفى الذكر العضو الموافق للجماع. والطباع تهب لكل عضو من الاعضاء التى ذكرنا آلة وقوة معا. وهو امثل ان يكون على مثل هذه الحال. فجميع الاماكن يكون بقدر القوى والفضول التى تخرج منها فانه لا يمكن ان يكون بصر بغير عين ولا العين تتم بغير بصر، وانما تمام خلقة البطن والمثانة وجميع الاعضاء التى تشبهها بالموافقة لخروج الفضول منها. والذى منه يكون ما يكون وينشو واحد هو فهو اعنى الغذاء فكل واحد من الاعضاء التى تكون من هيولى مثل هذه يكون قابلا للفضلة التى تشبهها. وايضا كما نزعم يكون كل شىء من الضد بنوع من الانواع. وينبغى ان نأخذ نوعا ثالثا مع النوعين التى ذكرنا ونقول انه إن كان مذهب الفساد الى الضد والى الذى لا يضبط من الذى يجبله ويخلقه باضطرار يكون تغيره الى الضد. فاذا كانت هذه الحجج موضوعة خليق ان يكون بينا بيانا اكثر السبب الذى منه يكون بعض ما يخلق فى الرحم ذكر وبعضه انثى. فانه اذا لم يقوى الاول على القهر وضعف عن الطبخ لنقص وقلة حرارة ولم يقوى على خلقة الجنين وتصييره مثل صورته بل صار مقهورا، باضطرار يكون التغيير الى الضد. والانثى ضد الذكر ولهذا السبب يكون المخلوق فى الرحم إما ذكرا وإما انثى. ولأن لهذين اختلافا بالقوة باضطرار يكون اختلاف ايضا بالآلة***. واذا تغير عضو واحد مسود بلا محالة يتغير ايضا تقويم جميع الحيوان ولذلك صار تغير المناظر ايضا. ويمكن ان يعرف ذلك من الخصيان الذين اذا نزع عضو واحد من اعضائهم تبدلت خلقتهم وليس بينهم وبين الاناث فصل إلا بالامر اليسير. وعلة ذلك من قبل ان بعض الاعضاء اوايل. واذا تحرك الاول باضطرار يعرض ان تتحرك ايضا كثرة من التى تتبعها. فان كان الذكر اولا من الاوايل وانما يقال ذكر بانه يقوى فاما الانثى فهى منسوبة الى الضعف، وانما حد الضعف والقوة نضوج او غير نضوج الغذاء الاخير الذى هو فى الحيوان الدمى دم وفى ساير الحيوان شىء آخر ملايم للدم. فهو بين ان علة ذلك القوة الاولى التى فى العضو الذى فيه ابتداء الحرارة الطباعية ولذلك <كان تقويم القلب قبل تقويم الاعضاء الأخر و>يكون ذلك الذى يخلق إما ذكرا وإما انثى، فاما ساير الاجناس التى فيها الذكر والانثى فانه يخلق العضو الملايم للقلب اذا لم يكن ذلك الجنس مما له قلب. فهذه العلة التى من اجلها يكون الذكر والانثى هذا الاول بعينه. وانما يكون الذكر والانثى من قبل اختلاف الاعضاء الموافقة للجماع، ولا يكون ذلك باختلاف أيما يكون من الاعضاء لأن لكل عضو عملا خاصا مثل ما ينسب البصر الى العين والسمع الى الاذن وساير آلة الحواس كذلك. فنحن نعود ايضا فى قولنا ونقول ان الزرع موضوع وهو فضلة غذاء اعنى الغذاء الاخير. وانما اعنى بقولى الاخير الغذاء الذى يذهب الى كل واحد من الاعضاء، ولذلك يشبه الولد الوالد. وليس بين قول القايل ان الزرع يخرج من كل واحد من الاعضاء وبين قول القايل انه يصير الى كل واحد من الاعضاء اختلاف. والاختلاف الذى بين زرع الذكر وزرع الانثى من قبل ان فى زرع الذكر القوة الاولى المحركة التى تكون فى الحيوان وتقوى على اخراج الغذاء الاخير ويصيره الى رحم الانثى، فاما الانثى فمنها تكون الهيولى التى منها يخلق الجنين. فاذ كان زرع الذكر قاهرا غالبا صير المولود مثله لأنه يأتى به الى صورته واذا كان مقهورا مغلوبا صار الى خلاف ذلك***. والانثى مخالفة للذكر فى الطباع لأن الحرارة غالبة على الذكر والبرودة غالبة على الانثى، وانما يبرد الغذاء الدمى من قبل ضعف الحرارة. والطباع يصير لكل واحد من الفضول آلة <اعنى عضو> قبول له. وانما الزرع فضلة وهذه الفضلة فى الذكورة الذين لهم حرارة اكثر اعنى ذكورة الحيوان <الدمى> الذى يكون جيد الجسم والكثرة لأن الاعضاء التى. تقبله انما هى سبل هذه الفضلة وذلك فى الذكورة. فاما فى الاناث فلحال رداوة الطبخ تكون فضلة دمية غير معمولة نضجة كثيرة، فباضطرار ينبغى ان يكون عضو قبول لهذه الفضلة، ويكون ذلك العضو غير شبيه بعضه ببعض ويكون له عظم. ولذلك صار طباع الرحم على مثل هذه الحال. والاختلاف الذى بين الذكر والانثى من قبل اختلاف الاعضاء الموافقة للجماع. فقد بينا العلة التى من اجلها يخلق فى الرحم ذكر وانثى. 2- والاعراض التى تعرض تشهد على ما قلنا، لأن الاحداث تلد اناثا اكثر من الشباب، والمسنين يلدوا اناثا اكثر من الشباب، لأن الحرارة التى فى الاحداث ليست بتامة بعد والحرارة التى فى الشيوخ ناقصة وايضا الاجساد الارطب التى خلقتها شبيهة بخلقة النساء تلد اناثا اكثر والزروع الرطبة اكثر من الزروع الجامدة المقومة، لأن جميع هذه الاشياء تكون لنقص الحرارة الطباعية. واذا كانت الريح شمالا كان المولود ذكرا واذا كانت جنوبا صار المولود انثى، لأن الاجساد اذا هبت الجنوب رطبة، ولذلك يكون الزرع اكثر. وما يكثر من الزرع يكون غير نضيج. ولحال هذه العلة يكون زرع الذكورة ارطب، ويكون دم طمث النساء عند خروجه ارطب ايضا. ولحال هذه العلة يكون طمث النساء من قبل الطباع فى نقص الاهلة اكثر، لأن تلك الايام ابرد من ساير ايام الشهور وهى ارطب ايضا لنقص الاهلة وقلة الحرارة. والشمس يصير الصيف والشتاء فى كل سنة، فاما القمر فيفعل ذلك فى كل شهر، ليس من قبل الزوال بل من نقص الضوء وزيادته. وقد ذكروا الرعاة ان الذكورة والاناث تولد ليس من قبل الريحين التى تهب اعنى الشمال والجنوب فقط بل من قبل نظر الغنم التى تسفد الى ناحية الشمال او الى ناحية الجنوب. فهو بين ان التغيير اليسير ربما كان علة برودة وحرارة، وتكون تلك الحرارة والبرودة علل اختلاف الولاد. والاختلاف الذى بين ولاد الذكر والاناث يكون لحال هذه العلل. وايضا يحتاج الى اعتدال مزاج الذكر والانثى اعنى اعتدال بعضها الى بعض، لأن جميع الاشياء التى تكون من قبل الطباع او المهنة انما تكون بحد من الحدود واعتدال معروف. واذا كانت الحرارة غالبة جدا يبست الاشياء الرطبة، واذا كانت ناقصة جدا لم تقوم الرطوبات، ولذلك تحتاج الاشياء التى تعمل من الطباع او من المهن الى اعتدال. فان لم يكن ذلك سيعرض لها مثل العرض الذى يعرض للاشياء التى تطبخ، فان كثرة النار تحرق وقلة النار لا تنضج، فمن قبل هذين النوعين يعرض نقص الذى يكون او يعمل، ولهذه العلة اذا كانت مجامعة الذكر والانثى تحتاج الى الاعتدال لحال العمل وخلقة الولد. ولذلك يعرض لكثير من النساء والرجال اذا جامع بعضهم بعضا ان لا يكون لهم ولد فاذا افترقوا وصار الرجال مع غير اولئك النساء والنساء ايضا مع غير اولئك الرجال يكون منهم ولد. ويعرض ايضا ان لا يكون فى الاحداث ولد فاذا كبروا صار لهم ولد، فهذه المضادات تكون بنوع واحد فى الولاد وعدم الولاد مع ولاد الذكورة وولاد الاناث. وبين البلدان ايضا فى هذه الاشياء اختلاف وموافقة وبين المياه ايضا، لأنه يكون ماء اوفق من ماء آخر لحال هذه العلة مع موافقة الغذاء، وحال جسد خاصة ومزاج الجو المحيط بنا واصناف الاطعمة، وخاصة لحال الغذاء الذى يكون من الماء، فان للماء موافقة كثيرة فى جميع ما وصفنا***. ولهذه العلة تضر الاجساد المياه الباردة التى ليست بلينة ويكون من بعضها عدم ولد ومن بعضها ولاد الانثى. 3- ومن قبل هذه العلل ايضا يكون بعض الاولاد شبيها بالذين ولدوهم وبعضها غير شبيهة. ومنها ما يشبه الاب او الام بكلية الجسد وبكل واحد من الاعضاء ويكون بعض الاولاد شبيها بالاب ولا يكون شبيها بالاجداد وربما كان على خلاف ذلك وربما اشبه أيما كان بالبخت وربما كانت الذكورة شبيهة بالاب والاناث شبيهة بالام. ومن الاولاد ما لا يشبه احدا من الذين يناسبوه البتة بل يشبه صورة انسان فقط. ومن الولد ما لا تكون له صورة انسان بل صورته تكون عجيبة. فان الولد الذى لا يشبه الوالدين بنوع من الانواع عجب من العجايب، لأن الطباع فى اولئك خارج من الجنس. وانما الامر كينونة الانثى وليس كينونة الذكر، وذلك مما يحتاج اليه الطباع باضطرار، لانه ينبغى ان يسلم جنس الحيوان الذى فيه افتراق الذكر والانثى، ويمكن ألا يكون الذكر فى زمان من الازمنة غالبا قاهرا إما لحال حداثة سن وإما لكبر وإما لعلة أخرى مثل هذه. فاذا عرضت هذه الاسباب باضطرار يعرض للحيوان ولاد الاناث. فاما الولد العجيب فليس مما يلزم ان يكون باضطرار لحال التمام والذى يقال من اجل هذا، وانما هو مما يعرض باضطرار بنوع عرض. فمن ها هنا ينبغى ان يوخذ الامر الاول. فانه اذا كانت الفضلة جيدة النضوج اعنى فضلة الزرع عملت عملها فى فضلة الطمث وتمت صورة الجنين من حركة الذكر. وليس بين قول القايل ان المنى يفعل ذلك وقول القايل ان الحركة التى تنشى كل واحد من الاعضاء اختلاف، ولا بين قول القايل ان الحرارة انما تفعل ذلك الاول المقوم لخلق المحمول. فان معنى جميع هذه الاقاويل واحد. فهو بين انه اذا غلبت وقهرت هذه الحركة صار المولود ذكرا شبيها بالوالد ولا يصير انثى شبيها بالام. فاذا لم يقهر بأى نوع من انواع ضعف القوة*** فالمولود يكون ليس ذكرا فقط بل ذكر مثل هذا، اعنى قورسقوس او سقراطيس، وليس يكون مثل قورسقوس فقط بل يكون بصورة انسان ما. وبهذا الفن يكون بعض الولد يشبه الاقرب من الاب وبعضه يشبه الابعد، وهو فى الوالد بانه مولد وليس بنوع عرض، كقولى إن كان الذى يلد كاتبا او جار انسان. وقوة الولاد ابدا الاخص والذى يكون فى كل واحد. فان الذى يسمى قورسقوس فهو ايضا انسان ولكن الاقرب الى الخاص ان يكون انسان اكثر من قوته الى الحيوان. وايضا يلد كل واحد ويلد ايضا الجنس ولكن الخاص الذى يكون فى كل واحد اغلب من غيره، لأنه الجوهر بعينه، لأن الذى يكون انما يكون هذا الشىء الذى له كمية وكيفية وهو الجوهر. ولذلك نقول ان حركات جميع التى مثل هذه انما هى فيها*** من قبل القوى وفيها قوة ايضا من الاجداد وما بعد الآباء وانما الاقرب ابدا الذى فى كل واحد. وانما اعنى بقولى كل واحد مثل سقراطيس وقورسقوس. وإن انتقل الكل فليس ينتقل الى شىء آخر ايما كان بالبخت بل الى الذى يضاده، اعنى الذى لا يضبط ولا يقهر فى اوان الولاد فباضطرار يعرض له الانتقال ويكون ذلك الانتقال الى الضد اعنى بالقوة التى <بها> لم يقهر الوالد والمحرك. فان كان ذكر وضعف يصير انثى وإن كان قورسقوس يصير سقراطيس لا يشبه الاب بل يشبه الام، لأن الام ضد كلية الاب والذى يلد***. وكذلك يعرض ايضا من قبل القوة التى تتلو، فان الولد ابدا ينتقل الى الاقرب وانتقاله الى الاقرب اشبه من انتقاله الى الابعد من الآباء والاجداد. وكذلك يعرض لشبه الامهات ايضا. وانما الافعال من الحركات والقوى افعال الذى يلد وافعال الكلى اعنى مثل قوى الانسان والحيوان، فقوة الانثى والآباء والاجداد تفعل مثل هذه الافعال ايضا. فاذا انتقل المولود وتغير ايضا ينتقل الى الاضداد، والقوى التى تخلق تبطل وتنتقل الى القوى الاقرب، كقولى ان كانت قوة التى تلد انثى ضعيفة تنتقل الى صورة الاب ثم تنتقل الى صورة*** المرضع وربما كان تغيير الى صورة الابعد. فخاصة بانه اب وبانه ذكر معا يعرض له من الطباع ان يقهر فى حين من الاحيان ويكون فى حين آخر مقهورا. وذلك من قبل فصل يسير فليس هو بعسر ان يعرض الامران معا، فان سقراطيس رجل مثل هذا. ومن اجل هذه العلة يشبه الاولاد الذكورة للآباء اكثر ذلك والاناث تشبه الامهات، لأن الانتقال يكون فى كليهما. والانثى ضد الذكر والام ضد الاب. وقد قلنا ان الانتقال يكون الى الضد. فان غلبت الحركة التى تكون من الذكر ولم تغلب الحركة التى من سقراطيس*** حينئذ يعرض ان تكون الذكورة شبيهة بالام والاناث شبيهة بالاب. فاما إن بطلت هذه الحركات وبقيت حركة الذكر وبطلت حركة سقراطيس وانتقلت الى حركة الاب سيكون الولد شبيها بالجد او بآخر من الآباء الاقدم بقدر الفن التى وصفنا. وإن بطلت حركة الجد او جد الجد سيكون المولود انثى شبيها بالام خاصة. فان بطلت هذه الحركة ايضا سيشبه تلك الانثى للجدة أو غيرها الاقدم***. وبمثل هذا النوع يعرض لشبه الاعضاء. وتكون بعضها شبيهة باعضاء الاب وذلك مرارا شتى وربما كانت تعرض الاعضاء شبيهة باعضاء الام وربما شبهت بعض الاعضاء لاعضاء الاجداد وقدماء الامهات، لأن بعض الاعضاء تكون بالفعال وبعضها بالقوة كما قلنا مرارا شتى. فينبغى لنا ان نأخذ هذه الحجج بنوع كلى، اما بالحجة الواحدة التى ذكرنا فقلنا ان بعض الحركات تكون بالقوة وبعضها بالفعال واذا بطلت هذه الحركات ينتقل المولود الى الضد واذا بطلت ينتقل اولا الى الحركة الاقرب والتى تتلو واذا كان ذلك البطلان اكثر انتقلت الحركة الى الابعد. وفى أخرة تبطل تلك الحركة تماما ويعرض من ذلك ان لا يكون المولود شبيها باحد من اهله وانسبائه بل يتنقل تنقلا تاما ويكون انسانا فقط. وعلة ذلك ان هذا يتبع لجميع الاشخاص التى لا تجزى وهو بقول كلى انسان وهذا الانسان ابن سقراطيس وامه فلانة. وعلة تحليل الحركات وبطلانها من قبل ان الذى يفعل يلقى ايضا من المفعول به، كقوله ان الذى يقطع يكون كالا من المقطوع والذى يسخن يبرد من المسخون، وبقول عام ان المحرك يتحرك من المتحرك*** ايضا بنوع من الانواع كقولى ان الدافع يدفع ايضا من المدفوع بنوع من الانواع والذى يعصر يلقى مثل ذلك من المعصور. وربما كان الفاعل لاقيا لأنه يلقى اكثر مما يفعل وربما برد الذى يسخن ولم يسخن الذى يبرد، فربما لم يفعل الفاعل شيئا وربما فعل فعل دون. وقد وصفنا ذلك كله فى الاقاويل التى وصفنا وميزنا من حال الفعل والقاء وبينا الاشياء التى يكون فيها الفعل واللقاء. والمفعول به ينتقل ولا يقهر من الفاعل لحال نقص وضعف القوة*** وربما كان ذلك من قبل برد الذى ينضج ويطبخ. فذلك يكون من قبل الفاعل اذا لم يقهر وربما كان من قبل المفعول به اذا لم يكن موافقا لذلك اللقاء والتغيير، ولحال هذه العلل يكون التقويم كثير الصور مختلف المناظر. وهذا العرض شبيه بالعرض الذى يعرض لاصحاب الصراع والبطش بالاعمال الشديدة لحال كثرة الاكل، فانه لحال كثرة الطعم لا يقوى الطباع على القهر بقدر ما يكون النشو بنوع ملايمة وتبقى الصورة على حالها، ولا صور الاعضاء ايضا بل تختلف وربما كان ذلك الاختلاف كثير بقدر ما لا يشبه الذى يكون منه لقديمه البتة. والمرض الذى يسمى ساطوريا قريب مما وصفنا ايضا فانه يكون من نازلة تنزل الى عضو الذكر مع ريح يتولد من الطعام الذى ليس ينضج***. فقد وصفنا العلل التى من اجلها تكون بعض الاولاد ذكورة وبعضها اناث والذكورة تشبه الآباء والاناث تشبه الامهات، وعلى خلاف ذلك الاناث تشبه الآباء والذكورة تشبه الامهات، ومن الاولاد ما تشبه قدماء الآباء والاجداد ومنها ما لا تشبههم البتة، اعنى بكلية الاجساد واعضائها. وقد زعم الذين يكلموا كلاما طباعيا وغيرهم ان علل هذه الاشياء أخر اعنى عل شبه الاولاد الذين ولدوهم. ونسبوا ذلك الى امرين. وزعم بعضهم ان الذى يخرج منه زرع اكثر يكون الولادة شبيهة به، اعنى بكلية الجسد والاعضاء ولا سما لأن الزرع يخرج من كل واحد من الاعضاء. وإن كان الزرع الذى يخرج من الانثى والذكر بالسوية فليس يكون الولد شبيها ولا بواحد منهما. وهذا القول كذب فانه إن كان الزرع لا يخرج من كل الجسد فهو بين ان الذى ذكروا لا يكون علة الشبه وغير الشبه. وايضا كيف يمكن ان تكون الانثى شبيهة بالاب والذكر شبيها بالام معا، ليس يمكن ان يميز ولايفصل هذا القول بحدود بينة. فاما الذين يقولون مثل قول انبدوقليس وديمقرويطوس فانهم ينسبون كينونة الذكر <وكينونة الانثى> الى علة أخرى وقولهم ايضا غير ممكن بنوع آخر. فاما الذين يقولون ان شبه الذكر للاب وشبه الانثى للام يكون قبل الزرع الاكثر فليس يقووا على الايضاح بأى فن تكون الانثى شبيهة بالاب والذكر شبيها بالام، لأنه لا يمكن ان يخرج زرع كثير من كلاهما معا. وايضا لأى علة يكون المولود شبيها بالاجداد او بالذين هم اقدم من اولئك. ولا يكون شبيها بالآباء الذين يبعدون عنه جدا فانه لم يخرج من اولئك زرع البتة. والقول الثانى، اعنى الذى يذكر سبب الشبه، اشبه وامثل من غيره، اعنى قول الذين يزعمون ان المنى واحد وهو مثل اجتماع زروع كثيرة فى مكان واحد. كما يعرض للذى يأخذ رطوبات كثيرة فيمزج منها مزاجا واحدا ثم يأخذ من ذلك المزاج، وهو قوى على ألا يأخذ شيئا مستويا من ذلك المزاج ابدا اعنى من اجزاء الرطوبات التى مزجت بالسوية بل يأخذ مرة من هذه الرطوبة اكثر ومرة أخرى من [غير] تلك الرطوبة، وذلك ممكن لأن <المنى> مزاج من اخلاط كثيرة. فاذا اخذ كثير من بعض تلك الاخلاط يكون شبه صورة المولود مثل الذى منه اخذ الخلط الاكثر. وليس هذا القول عندى بواضح وهو شبيه ان يكون مثل قول مصنوع، واصوب ما يقول اهل هذا الهوى ما يزعمون ان اصناف الشبه ليست هى فى الزرع بالفعال بل بالقوة وهو الذى يسمى جماعة زروع، فانه لا يمكن ان يكون ذلك بالفعال فاما بالقوة فهو يستطاع. واذا صار مؤدا العلة بنوع واحد يعسر مؤدا علل جميع اصناف الشبهة التى ذكرنا اعنى العلة التى من اجلها يكون الانثى مرارا شتى شبيهة بالاب، والذكر شبيه بالام، والعلة التى من اجلها يكون المولود شبيها بالاجداد والذين اقدم منهم، والعلة التى لحالها يكون المولود انسانا ولا يكون شبيها بالاب البتة، وايضا ربما لم يكن المولود كالانسان بل يظهر المولود كصنف من اصناف الحيوان اعنى الاصناف التى تسمى عجايب. فانه مما يتلو قولنا ذكر الاولاد العجيبة وتصنيف عللها. فانه اذا بطلت الحركات ولم تقهر الهيولى يبقى الكل خاصة، وهو الحيوان. فاما المولود فانه يكون له رأس كرأس كبش او رأس ثور او رأس من رؤوس ساير الحيوان، ومثل هذا العرض يعرض لساير اجناس الحيوان فانه ربما ولد عجل له رأس صبى وربما ولد خروف له رأس ثور. وجميع الاعراض تعرض لحال العلل التى ذكرنا وليس يمكن ان تكون هذه العجايب التى ذكروا بل تكون شبيهة ببعض اعضاء الحيوان وربما كان ذلك ايضا من الوالدين الذين ليس بمضرورى الابدان. والذين يقصون الناس ربما قالوا ان الذى ليس بجميل شبيه بعنز تنفح نارا واقاويل مثل هذه كثيرة ايضا. فاما بعض اصحاب العلم الطباعى فانه كان ينسب جميع اصناف هذا الشبه الى مناظر اثنين او ثلاثة من مناظر الحيوان وكان يقنع كثير من الناس بقوله. فاما نحن فانا نزعم انه لا يمكن ان يكون عجب مثل هذا، اعنى ولاد حيوان آخر شبيه بحيوان آخر. والدليل على ذلك اختلاف الحمل فان ازمان الحمل مختلفة اختلافا كثيرا اعنى زمان حمل الانسان والكلب والثور. وليس يمكن ان يكون يتولد كل واحد من اصناف الحيوان إلا بقدر الزمان الموقوف لولاده. فبعض اصناف الاولاد العجيبة تكون بمثل هذا النوع وبعضها تقال عجيب لحال كثرة الاعضاء واختلاف صورتها فانه ربما ولدت اولادا كثيرة الارجل واولادا أخر كثيرة الرؤس. واسباب عللها تقرب بعضها من بعض هى بنوع من الانواع متشابهة اعنى علل الاولاد العجيبة وعل الحيوان الذى يولد ناقصا مضرورا فان الولد العجيب مضرور ايضا. 4 - فاما ديمقريطوس فانه يزعم ان الاولاد العجيبة تكون من قبل النطفتين التى تقع فى الرحم، اذا وقعت فيه النطفة الاولى وثبتت ولم تخرج ثم وقعت عليها النطفة الثانية وبقيت فى الرحم ايضا والتامت مع النطفة الاولى وتبدلت خلقة الاعضاء لهذا السبب. فاما الطير فهو سريع السفاد ولذلك ينقل البيض من مكانه***. ويعرض للطير ان يتولد بيض كثير فى رحم الانثى من نطفة واحدة وربما كان ذلك من سفاد كثير، وهذا القول عندى اصوب من غيره وليس ينبغى ان نترك السبل القاصدة ونسلك السبيل الطويل المتعوج. فباضطرار يعرض هذا العرض خاصة لاجناس الطير اذا لم تنفصل النطف بل وقعت معا فى الرحم. فان كان ينبغى لنا ان ننسب العلة الى نطفة الذكر فهذا العرض يعرض بقدر هذا الفن. وبقول كلى هو امثل واشبه ان يظن ان العلة فى الهيولى وفى خلقة اصناف الحمل. ولذلك تكون الاولاد العجيبة فى الحيوان الذى لا يلد إلا ولدا واحدا قليلة جدا، فاما فى الحيوان الذى يضع جرى كثيرة فهذه العجايب اكثر وخاصة الطير، ومن الطير الدجاج، فانه يبيض بيضا كثيرا، وجنس الحمام ايضا***. ولهذه العلة يبيض كثير من الدجاج بيضا فيه محتان لحال التيام النطفتين التى تكونان من سفادين فان النطفتين تلتام لوقوع النطفة الواحدة قريبة من الأخرى، مثل ما يعرض لكثير من قشور الثمرات. واذا كانت النطفتان مفترقة بسفاق يحجب بينهما يتولد منهما فرخان متفرقان ليس فى خلقتهما فضل عضو، فاما اذا التامت النطفتان ولم يكن حجاب يحجب بينهما فحينئذ يكون فراخ عجيبة لها رأس واحد وجسد واحد واربعة ارجل واربعة اجنحة لأن الناحية العليا تخلق من البياض اولا، ويكون غذاها من الصفرة ثم فى أخرة تخلق الناحية السفلى والغذاء واحد ليس بمميز ولا مفصل. وقد ظهرت حية لها رأسان لحال العلة التى هى فهى، فان الحية تبيض بيضا وجنس الحيات كثير البيض. ولا تكون الخلقة العجيبة فيها إلا فى الفرط لحال شكل الرحم، فان بيض الحيات مصفوف فى الرحم لطوله. وليس يعرض مثل هذا العرض للنحل ولا للدبر، لأن كل فرخ من فراخها فى نقب على حدته. فاما الدجاج فالعرض الذى يعرض لها على خلاف ما ذكرنا، ولذلك ينبغى لنا ان نظن ان علة مثل هذه العجايب من قبل الهيولى. ولذلك نجده فى ساير الحيوان الذى يلد ولدا كثيرا. ولحال هذه العلة لا يكون الاولاد العجيبة فى النساء إلا فى الفرط، لأن النساء لا يلدن إلا ولدا واحدا اكثر ذلك وانما يلدن ولدا تاما، وفى بعض البلدان يلدن بعض النساء اولادا كثيرة وخاصة فى ناحية مصر وغيرها من البلدان التى تشبهها بالمزاج. والاولاد العجيبة تكون فى المعزى والغنم اكثر مما يكون فى غيرها لأنها تلد اولادا كثيرة. وهذا العرض يعرض للحيوان المشقوق الرجلين بشقوق كثيرة اكثر مما يعرض لغيره لحال كثرة الولد ولأنه لا يلد ولدا تاما مثل الكلبة، فانها تضع اكثر جرائها عمى. وسنذكر العلة التى بسببها تكثر الجراء فى أخرة. فلأن الكلبة تضع جرى ليست بتامة يكون ذلك النقص سبيلا آخذا الى خلقة العجايب التى تكون من خطأ عمل الطباع، فان الولد العجيب من الاشياء التى لا تشبه بعضها بعضا. ولذلك هذا العرض يبدل خلقة الطباع فى مثل هذه الاصناف. وفى الخنازير تكون مثل هذه الخلقة خاصة وتكون عجيبة، لأن النقص امر عجيب. وهو على غير الطباع وليس يكون ذلك فى كل حين بل يكون مرارا شتى، وربما لم يكن لأنه لا يمكن ان يكون شىء على غير الطباع ابدا باضطرار، ولأن هذا العرض يعرض لبعض الحيوان مرارا شتى*** لا نظن انه عجيب جدا مثل غيره، لأن الذى يكون على غير الطباع مرارا شتى شبيه بالذى يكون على الطباع، وذلك يعرض اذا لم يكن الطباع غالبا على الصورة والهيولى. ولذلك لا يسمى كثير من الناس هذا الصنف باسم الولد العجيب لأن كينونته قد جرت فى العادة كما جرت فى الثمرات. وفى اجناس الكرم جنس يسمى الدخانى، واذا حمل عناقيد سود لا يرى الناس ان ذلك الحمل من العجايب لأنها تحمل مثل ذلك مرارا شتى. فقد جرى ذلك فى العادة. وجنس هذه الكرمة فيما بين الكرمة البيضاء من قبل الطباع <وبين الكرمة السوداء> فليس التغيير على غير الطباع لأنه لم ينتقل الى طباع كرمة أخرى. وهذا العرض يعرض للحيوان الذى يلد ولدا كثيرا فان كثرة الولد مما يمنع تمام الخلقة***. وخليق ان يسأل احد مسألة عويص ويطلب علة كثرة الولد*** وكثرة الاعضاء وقلة الولد*** ونقص الاعضاء فانه ربما ولد ولدا له اصابع كثيرة وربما كانت له اصبع واحدة فقط وساير الاعضاء كمثل، فانها ربما كانت زايدة على خلقتها وربما كانت ناقصة. وربما ولد ولدا له ذكر وله عضو النساء، وهذا العرض يعرض للناس ويعرض ايضا للمعزى التى تسمى باليونانية طراغاناس لأن لها عضو الذكر وعضو الانثى. وقد ظهرت عنز فى ساقها قرن فى الزمان الذى سلف، ويكون هذا التغيير والنقص والزيادة فى اعضاء الجوف ايضا لأنه ربما كانت خلقة بعضها ناقصة وربما كانت زايدة وربما كانت فى غير اماكنها وربما لم يكن عضو واحد البتة. ولم يكن قط حيوان ليس له قلب، وقد ولد حيوان ليس له طحال وربما كانت له كلوة واحدة، ولم يولد حيوان ليس له كبد. وهذه الاشياء توجد فى الحيوان الحى التام الخلقة. وربما لم توجد مرة فى الحيوان الذى فى طباعه مرة وربما وجدت فى الحيوان مرة اكثر من واحدة***. وربما وجدت بعض الاعضاء منتقلة من اماكنها اعنى الطحال فى الناحية اليمنى والكبد فى الناحية اليسرى. وذلك كله ظهر فى الحيوان التام الحى كما قلنا فيما سلف. وفى الاولاد التى تولد اختلاف كثير واختلاط على اصناف شتى، فما كان من الاولاد خارج من الطباع خروجا يسيرا فهو يعيش زمان، وما كان مجاوزا للطباع مجاوزة كثيرة لا يعيش ولا يبقى ولا سيما اذا كان تغير الطباع فى الاعضاء المسودة التى فيها قوة الحياة. ولذلك نطلب ان نعلم إن كان ينبغى لنا ان نظن ان علة الحيوان الذى يلد ولدا واحدا والتغيير الذى فى كل واحد من الاعضاء وعلة كثرة الاعضاء ونقص الاعضاء وعلة كثرة الولاد واحدة هى فهى ام لا. فينبغى <لنا> ان نطلب اولا لماذا بعض الحيوان كثير الولد وبعضه لا يلد إلا ولدا واحد. وبحق نتعجب من هذا العرض، فان الحيوان العظيم الجثة لا يلد إلا ولدا واحدا مثل الفيل والجمل والفرس وكل حيوان له حوافر، *** وفى عظم هذا الحيوان اختلاف كثير. فاما الكلب والذيب وجميع الحيوان المشقوق الرجلين بشقوق كثيرة فهو يضع جرى كثيرة وما صغر من الحيوان كذلك مثل جنس الفأر. والحيوان الذى له ظلفان قليل الولد، ما خلا الخنريرة فانها من الصنف الكثير الولد. وقد كان من الحق الواجب ان يكون الحيوان الكبير الجثة قويا على ولاد اولاد كثيرة لحال كثرة الزرع الذى يخرج منه. والامر الذى منه نتعجب هو علة عدم العجب، لأنا نقول ان الحيوان العظيم الجثة لا يلد اولادا كثيرة لعظم جثته، فان الغذاء يفنا ويذهب فى نشو اجسادها ولا يبقى منه إلا اليسير. فاما فى الحيوان الصغير فان الطباع نقص من غذى الجسد وزاد على فضلة الزرع. وايضا ينبغى ان يكون زرع الحيوان العظيم الجثة الذى يولد منه حيوان كثير اكثر، فاما زرع الحيوان الصغير الجثة <ف>يكون قليلا، وذلك يعرض باضطرار. فهو يمكن ان يكون حيوان صغير كثير معا فى موضع واحد ويعسر ان يكون حيوان كبير كثير معا***. فاما ما كان من الحيوان وسط الجثة فهو فيما بين الحيوان العظيم الجثة والحيوان الصغير الجثة. وقد ودينا علة ذلك فيما سلف.*** وايضا الحيوان الذى له حوافر لا يلد إلا ولدا واحدا اكثر ذلك، فاما الحيوان الذى له ظلفان فهو قليل الولد والحيوان المشقوق الرجلين بشقوق كثيرة كثير الولد. وعلة ذلك من قبل اختلاف عظمها وتمييز جثثها.*** فعظم الاجساد وصغرها علة <كثرة و> قلة الولد، وليس الحوافر ولا الاظلاف ولا تشقيق الرجلين علة ما ذكرنا. والعلامة الدليلة على ذلك ما نذكر حيننا هذا، فان الفيل عظيم جدا اكثر من جميع الحيوان ورجليه مشقوقين بشقوق كثيرة، فاما الجمل فله ظلفان وهو اعظم من ساير الحيوان. وليس يعرض هذا العرض فى الحيوان المشاء فقط بل فى الحيوان المائى والطير ايضا، اعنى انه ما كان من هذه الاجناس عظيم الجثة فهو قليل الولد وما كان منها صغير الجثة فهو كثير الولد لحال العلة التى هى فهى، وما كان من الشجر عظيم الجثة لا يحمل ثمرة كثيرة. فقد بينا العلة التى من اجلها يكون بعض الحيوان يلد ولدا واحدا وبعضه يلد اولادا كثيرة وبعضه فيما بين الطرفين، وذلك كله من الطباع. وبحق يعجب المتعجب من العرض الذى يعرض للحيوان الذى يكثر الولد وكيف تحمل الاناث مرارا شتى من سفاد واحد. فاما زرع الذكر إما كان موافقا لخلط الهيولى فقط ولخلط زرع الانثى فى اوان الحمل وإما لم يكن موافقا لخلط ما ذكرنا بقدر هذا الفن بل يجمع ويخلق اليولى التى فى الانثى وفضلة الزرع، كما تفعل المسوة برطوبة اللبن. ولأى علة لا يخلق ذلك الزرع حيوان واحد له عظم مثل ما تفعل المسوة باللبن *** بل يتولد من تلك الهيولى والفضلة اولاد شتى. وقول الذين يزعمون ان علة ذلك اماكن الرحم لأنها تجذب الزرع الى ذاتها فلحال كثرة تلك الاماكن وافواه العروق التى تنتهى الى الرحم تكون اولاد كثيرة <فهو خطأ>، والدليل على ما ذكرنا من قبل انه ممكن ان يكون ولدين معا فى مكان واحد من اماكن الرحم. وقد ظهر ذلك مرارا شتى فى الحيوان الكثير الولد اذا امتلا الرحم من خلقة الاولاد. وذلك ايضا بين واضح من شق الاجساد ومعاينة ما وصفنا. ولكن كما يعرض لحيوان الذى تتم وتكمل خلقته اعنى ان كل واحد من اجناس الحيوان ينتهى الى عظم معروف ولا يجاوز حده ولا غاية عظمه وصغره اذا كان عظيما او صغير ولا الاعتدال الذى فيما بين العظم والصغر والفضلة والنقص، ولا يكون رجل يجاوز حد الناس فى العظم والصغر والنقص كذلك يعرض لساير الحيوان ايضا، فان الهيولى التى منها تخلق الحيوان ليست بغير محدود ولا ذاهبة الى الاكثر والاقل بل لها حد وغاية معروفة. فجميع الحيوان الذى يلد اولادا كثيرة انما يعرض له ذلك لأنه يفضى زرعا اكثر مما يصلح لخلقة حيوان <واحد> فتخلق من تلك الفضلة اولاد تكون كثرتها بقدر كمية الزرع والهيولى وموافقتها للاولاد التى تخلق منها. وزرع الذكر ايضا والقوة التى فى الزرع لا تقوم شىء اكثر ولا اقل من الخلق الطباعى. فان افضا الذكر نطفة كثيرة لا تفعل القوة*** شيئا اعظم ولا اكثر من الامر المعروف المحدود بل يعرض خلاف ذلك ايضا اعنى انه يجفف ويفسد، كما تفعل النار اذا جاوزت حدها والماء ايضا اذا سخن لسخونته حد معروف، فاذا انتهى الى ذلك الحد <و> ازداد على النار التى سخنته لم يزداد الماء حرارة، بل يتحلل ويصير منه بخار وفى أخرة يفنى ويذهب ويكون يابسا. وينبغى ان يكون <فى> الزرع الذى يفضى الذكر وفى فضلة الانثى اعتدال. فاذا كانت نطفة ذكورة الحيوان الذى يلد ولدا كثيرا وفضلة الاناث <معتدلة> من ساعتها تكون قوة الذكر على ان يقوم ويخلق تلك الفضلة التى تجزأ باجزاء شتى وتكون فضلة الاناث ممكنة لخلقة وتقويم اولاد كثيرة. فاما المثال الذى ذكر من اللبن فليس هو على مثل هذه الحال، لأن الزرع لا يقوم كمية فقط بل يصير فى الفضلة كيفية ايضا، فاما المسوة فهى تقوم كمية اللبن ولا تغير كيفيته. فهذه العلة التى من اجلها تخلق اولاد كثيرة فى ارحام الحيوان الذى يكثر الولاد ولا يخلق ولد واحد متصل لحال الحد الذى ذكرنا، وإن كان الزرع قليلا لا يكون منه شىء وإن كان كثيرا جدا فالقوة محدودة اعنى قوة المفعول به وقوة الحرارة التى تفعل. وكذلك يعرض للحيوان العظيم الجثة الذى يلد ولدا واحدا فانه لا يمكن ان يكون يخلق اولادا كثيرة من فضلة كثيرة، فان فى ذلك الحيوان ايضا حدا معروفا لقوة الفاعل وقوة المفعول به. فليس يفضى الذكر اكثر مما يحتاج اليه ولا فضلة الانثى تكون اكثر من الحاجة المحدودة من الطباع لحال العلة التى وصفنا، ومن تلك الفضلة يخلق ولد واحد فقط. وإن افضا الذكر زرعا اكثر فى وقت من الاوقات وكانت فضلة الانثى ايضا كثيرة خلق منها ولدين. ولذلك يظن ان الاولاد التى تكون على مثل هذه الحال منسوبة الى العجايب لأنها لا تكون إلا فى الفرط. فاما الانسان فهو فيما بين هذين الجنسين اعنى جنس الحيوان الذى يلد ولدا واحدا ويقل الولد وجنس الحيوان الذى يكثر الولد، فان الانسان من الحيوان الذى يلد ولدا واحدا من قبل الطباع، ولحال رطوبة وحرارة الجسد ربما اكثر الولد، فان طباع الزرع رطب حار. وايضا لحال عظم الجثه لا يلد إلا ولدا واحدا، وربما ولد اكثر من ذلك للعلة التى وصفنا. ولهذا السبب ازمان حمل الانسان مختلفة من بين ساير الحيوان، اعنى ان ازمان حمل ساير الحيوان واحد محدود معروف، فاما ازمان حمل الانسان فكثيرة مختلفة ، لأن المرة تلد فى الشهر السابع وفى الثامن وفى الازمان التى بينهما، فانه ربما ولد الولد فى الشهر الثامن وعاش واكثر ما يولد فى ذلك الشهر لايعيش. وعلة ذلك تعرف من الاضطرار التى وصفنا آنفا وقد ذكرنا علل هذه الاشياء فى كتاب المسايل. ونحن نكتفى بما جربنا وفصلنا بقدر هذا النوع فى اصناف الطلب الذى طلبنا. وعلة ولاد التؤمين وعلة الاعضاء الزايدة على غير الطباع واحدة هى فهى، لأن الاعراض التى تعرض على مثل هذه الحال انما تعرض فى اول الحمل اذا تقومت الهيولى كثيرة فى طباع العضو، فانه يعرض ان يكون ذلك العضو اكثر من غيره مثل الاصبع او اليد او الرجل او شىء آخر من الاطراف او ساير الاعضاء، وربما افترقت النطفة وكانت منها خلقة اثنين كما يعرض لاصول الشجر التى تصيبها رياح الانهار. فانها تفترق باثنين ويكون منها تقويم شجرتين من اصل واحد وقوة واحدة، مثل هذا العرض الذى يعرض لخلقة الاولاد ايضا. وبعضها يكون قريبا من بعض*** لحال الحركة التى فى الجسد، وخاصة لحال زيادة الهيولى اذا كثرت وكانت قوية على ان [لا] يكون منها اكثر من صورة ولد واحد. فاما الاعراض التى تعرض لبعض الاولاد ويكون للولد الواحد عضو ذكر وعضو انثى معا فهى تكون ابدا من فضلة زرع تميل الى تلك الناحية، ويكون العضو الواحد مسودا والآخر غير مسود ومن الغذا يتمحق لأنه على غير الطباع. وانما شكله فى المكان الذى يكون فيه مثل اصناف الخراج، فانها تقبل غذاء فان كان خروجها بعد الولاد وعلى غير الطباع. واذا غلب الذى يجبل يكون الاثنان شبيهين به، واذا كان مقهورا يكون الاثنان شبيهين بالانثى، واذا كان غالبا بنوع ومقهورا بنوع يكون احد الولدين انثى والآخر ذكر. وهذا القول موافق للكل وللاعضاء ليس فيه اختلاف. وقد وصفنا فيما سلف علة ولاد الذكر والانثى وايضا العلة التى من اجلها يكون نقص طرف من الاطراف او ساير الاعضاء واحدة لأنها شبيهة بالعلة التى يكون منها السقط. واصناف سقط الاولاد تكون على اصناف كثيرة. وقد يكون تغيير*** الاعضاء الصغيرة الحقيرة وتغيير الاعضاء العظيمة المسودة، وربما كان لبعض الحيوان المولود طحالان وكلى كثيرة. ويكون انتقال بعض الاعضاء من قبل تغيير الحركات، وتنتقل الهيولى. ويكون الحيوان واحدا عجيبا او يكون اثنين ملتامين*** ويكون لهما قلب واحد وساير الاعضاء كثيرة على غير الطباع. وربما كان لهما قلبان فى الاثنين الملتامين، فذلك يعرض لها لحال التيام الجسدين. ويعرض للحيوان المضرور من قبل الولاد ان يوجد بعض سبل الجسد ملتامة عند التمام والكمال وربما كانت السبل زايلة عن اماكنها. وربما كانت افواه ارحام بعض النساء ملتامة من الولاد الى وقت الحمل. فاذا بلغ اوان الطمث عرضت لهن اوجاع شديدة وانفتحت افواه الارحام من ذاتها وانصبت الدماء، وشقت افواه بعضها من الاطباء. ومنهن من هلك من هذه العلة، وانشق فم الرحم لشدة إصابته من خارج***. وربما ولد من الذكورة من له سبيل الذكورة وخروج الفضلة من المثانة زايل عن فم الذكر، وذلك السبيل يكون فى اسفل الذكر. ولهذه العلة يبولون جلوسا. وربما كانت الخصا مجذوبة الى فوق، والذى يعاين مكانها من بعد يراها تشبه بعضو المرأة موافق للجماع. وربما ولد بعض الحيوان وسبيل مخرج الفضلة اليابسة من الطعام ملتامة، وقد ظهر ذلك فى الغنم وساير الحيوان، وقد ولدت فى البلدة التى تسمى باليونانية بيريموس بقرة كانت فضلة الطعام تصفيتها تخرج من ناحية المثانة، فلما نظروا الى ذلك <و> فتحوا سبيل فضلة الطعام التام ايضا عاجلا، وفعلوا ذلك غير مرة فلم ينتفعوا بفتحهم تلك السبيل. فقد ذكرنا حال كثرة الولاد وقلته ونبات الاعضاء الزايدة، وايضا حال الحيوان العجيب. - وينبغى ان نعلم ايضا ان ما عظم من الحيوان لا يحمل بعد حمله ومنه ما يحمل بعد حمله، ومن ذلك الصنف ما يقوى على تربية الحمل ومنه ما لا يقوى على غذاه وتربيته***. فعلة الحيوان الذى لا يحمل بعد حمله من قبل انه لا يلد إلا ولدا واحدا. فان الحيوان الذى له حوافر لا يحمل بعد حمله والحيوان الذى هو اعظم منه جثة كمثل، لأن الفضلة تفنى فى تربية الحمل الاول لحال عظمه. ولجميع هذا الصنف عظم جسد، واذا كان الحيوان عظيم الجثة بحق يكون ولده ايضا عظيم الجثة، وولد الفيلة مثل عجل. فاما الحيوان الكثير الولد فهويحمل بعد حمله لصغر جثة الولد***. وما كان من هذا الصنف ايضا له عظم، مثل الانسان، إن سفد السفاد الثانى قريبا من السفاد الاول فالحمل الذى يكون بعد المحمول الاول تربا وتتم خلقته. وقد ظهر هذا العرض فى الزمان الذى سلف. وعلة ذلك الامر الذى ذكرنا لأنه من سفاد واحد يفضى زرعا كثيرا، فاذا تجزأ ذلك الزرع كانت منه ولاد كثيرة ***. فاذا نشأ ما يكون من الحمل الاول وعرض للانثى سفاد حملت ايضا، وانما يكون ذلك فى الفرط مرة لأن الرحم يغلق فمه بعد الحمل الى تمام الثمانية الاشهر وذلك فى النساء. فان عرض لهم حمل بعد الحمل الاول لا يقوى على تمام خلقته بل يكون المحمول اخيرا مثل الذى يسمى اسقاطا. وكمثل ما يعرض للحيوان الذى يلد ولدا واحدا لحال عظم الجثة اعنى لأن كل الغذاء يميل الى تربية الجسد، كذلك يعرض هنا ايضا، وذلك يكون من ساعته فى ولد الحيوان العظيم الجثة، فاما هنا فهو يكون اذا نشا وعظم الجنين، فانه فى ذلك الوقت يكون مثل ولد الحيوان العظيم الجثة. وايضا هذا العرض يعرض للنساء من قبل ان لهن موافقة لكثرة الولاد لحال عظم الرحم وكثرة الفضلة، ولكن ليس فى تلك الفضلة كفاية لتربية الحمل الثانى. وانما تقبل السفاد الثانى بعد السفاد الاول المرأة والرمكة من بين الحيوان لحال العلة التى ذكرنا اعنى لحال سعة رحم المرأة والرمكة لحال صلابة طباعها ولحال عظم الرحم، ولكن لا يتم الحمل الثانى لقلة الغذاء. وهاذين الصنفين تحب الجماع والسفاد لأنه يعرض لهما مثل العرض الذى يعرض للاجناس الصلبة الاجساد وتلك على مثل هذه الحال من قبل انها لا تنزف دما ولا سيما بعد السفاد***. واناث الخيل تخرج فضلة يسيرة فى اوان الطمث. وفى جميع الحيوان الاناث الصلبة الاجساد محبة لكثرة السفاد لأن طباعهما قريبة من طباع الذكورة ولاسيما اذا كان الزرع مجتمعا لم تخرج فضلة دم الاناث، فان خروج الطمث شبيه بخروج الزرع، لأن دم الطمث زرع ليس بنضيج كما قلنا فيما سلف. ولهذا السبب النساء الاتى يشتقن الى الجماع جدا ولا يضبطن انفسهن اذا ولدت اولاد كثيرة يعفن من الحمل من اجل انه اذا خرجت فضلة الزرع لا يكون لهن شوق الى الجماع. واما اناث الطير فليس تشتاق الى السفاد مثل شوق الذكورة لأن ارحامها تحت الحجاب، فاما الذكورة فعلى خلاف ذلك لأن الخصوين مجذوبة فى داخل اجسادها فالذكورة تحتاج الى كثرة السفاد لأنها كثيرة الزرع من قبل الطباع*** فقد بينا العلة التى لسببها يحمل بعض الحيوان بعد حمله ومنه ما يربى الحمل الثانى بعد الحمل الاول ومنه ما لا يربيه، وبعض الحيوان لا يحمل بعد الحمل الاول البتة. واوضحنا العلة التى من اجلها بعض الحيوان كثير السفاد وبعضه لا يكثر السفاد. ومن الحيوان ما يحمل بعد الحمل الاول ويكون فيما بين السفادين زمان كثير ويقوى على تربية ذلك الحمل وانما يكون ما وصفنا فى الحيوان الذى ليس له عظم جسد وجنسه من قبل الطباع كثير الزرع وكثير الولد، ولانه يلد اولادا كثيرة تكون ارحام الاناث واسعة، ولأن طباع الذكورة موافق لكثرة الزرع يفضى زرع كثير. وفضلة الاناث التى تخرج بالطمث كثيرة ايضا، ولأنه ليس لاجسادها عظم والتنقية التى تكون بالطمث اكثر من غذاء المحمول تقوى على تقويم حيوان آخر ايضا، <و>يحمل بعد الحمل الاول ويغذا ويربا ذلك الحيوان. وايضا ارحام اصناف الحيوان التى مثل ما ذكرنا لا تكون مغلقة الافواه لحال كثرة تنقية الطمث الذى يخرج منها. وربما عرض هذا العرض للنساء ايضا فانه يعرض طمث لبعض النساء الحوامل من اول الحمل الى تمامه. ولكن هذا العرض يعرض من نساء على غير الطباع، ولذلك يكون المحمول مضرورا. فاما العرض الذى يعرض للحيوان المضرور فهو طباعى، فهذا تقويم الجسد من اول خلقته مثل الحيوان الازب الشعر فى ناحية الرجلين، فان هذا الحيوان يحمل بعد حمله، لأنه ليس من الحيوان العظيم الجثة وهو كثير الولد. ورجلاه كثيرتا الشقوق وكل حيوان مشقوق الرجلين بشقوق كثيرة يكون كثير الولد وكثير الزرع. والدليل على ذلك كثرة الشعر الذى يجاوز الاعتدال ولاسيما مما يلى الناحية السفلى من الرجلين وناحية الفخذين،*** وكثرة الشعر دليل على كثرة الفضلة، وهذه العلة الرجال الكثيرى الشعر يكثرون الجماع ويكثر زرعهم للفضلة التى فى اجسادهم فجماع اولئك اكثر من جماع الملس الابدان [اعنى اصحاب قلة الشعر]. فاما الحيوان الازب الرجلين فربما كان حاملا ومع الحمل يلد اولادا تامة والحمل بعد باق على حاله. 6- فاما الحيوان الذى يلد حيوانا فمنه ما يلد ولدا غير تام ومنه ما يلد حيوانا تاما، فجميع الحيوان الذى له حوافر يلد حيوانا تاما وكل حيوان له ظلفان كمثل، فاما اكثر الحيوان المشقوق الرجلين بشقوق كثيرة فهو يلد حيوانا غير تام. وعلة ذلك من قبل ان الحيوان الذى له حوافر يلد ولدا واحدا، فاما الحيوان الذى له ظلفان إما يلد واحدا وإما يلد اثنين اكثر ذلك، وكل حيوان يلد ولدا قليلا يربيه تربية ليست بعسرة. فاما الحيوان المشقوق الرجلين <الذى> يلد ولدا غير تام فهو يكثر الولد، ولهذا السبب يقوى على تربية اولاده اذا كان حديث السن، فاما اذا نشا وعظم جسده فانه لا يقوى على تربيه بل يلد اولاده مثل الحيوان الذى يلد دودا. وربما ولد اولادا غير مفصلة مضرورة مثل الثعلب والدب والاسد وبعض هذه الاولاد تكون عميا. وكذلك يلد الكلب والذيب والحيوان الذى يسمى باليونانية ثوس. فاما الخنزيرة فهى تلد اولادا كثيرة واولادها تامة وطباعها فيما بين الصنفين التى ذكرنا، لأنها تلد اولادا كثيرة مثل الاصناف المشقوقة الرجلين بشقوق كثيرة ولها ظلفان وربما كانت للخنازير حوافر. وذلك موجود فى بعض البلدان. فهى تلد اولادا كثيرة لأن الغذاء الذى يذهب الى عظم الجثة يميل ويصير فى فضلة الزرع، فليس لهذا الحيوان عظم مثل عظم الحيوان الذى له حوافر ويكون له ايضا اظلاف كأنه مخلوق على خلاف طباع الحيوان الذى له حوافر. فلهذه العلة ربما ولد واحدا*** وربما ولد اولادا كثيرة. والخنزيرة تربى ما تحمل الى ان تتم خلقته لخصب وحسن حال جسدها وكثرة غذائها. وهى مثل شجرة مغروسة فى ارض سمينة لها غذاء كثير. وبعض الطير يفرخ فراخا غير تام وهو الطير الذى يفرخ فراخا كثيرة وليس له عظم جسد مثل الغداف والطير الذى يسمى باليونانية كسا والعصفور والخطاف، ومن الطير الذى يفرخ فراخا قليلة ما لا يلد مع فراخه غذاء فيه كفاية لتربيتها مثل الاطرغلة والفاختة والحمامة. ولهذا السبب إن اخرج احد عينى فراخ الخطاف بحديدة او غير ذلك وهو حدث بعد يعود عينيها الى حال الصحة الاولى***، لأنها تنبت وتنشو ايضا كما كانت فى الامر الاول. فمن الحيوان ما يلد ولدا غير تام لحال ضعفه عن الغذاء***. وذلك بين ايضا فى الاولاد التى يلدن النساء فى الشهر السابع. فلان تلك الاولاد غير تامة مرارا شتى تكون بعضها غير مفصلة فى السبل اعنى سبل الاذنين والمنخرين ، فاذا نشت تلك الاولاد تفصلت وتفتحت السبل. وكثير من هذا الاولاد يعيش ويبقى. وبعض الذكورة التى تولد من النساء تكون مضرورة اكثر من الاناث، فاما فى ساير الحيوان فلا. وعلة ذلك من قبل ان بين الذكر والانثى فى الناس اختلاف كثير بحرارة الطباع، ولذلك تكون الذكورة المحمولة اكثر حركة من الاناث، فلكثرة حركتها يصيبها كسر ورض وغير ذلك من اصناف الضرورة، لأن الجنين طرى ضعيف يسرع اليه الفساد لحال ضعفه. ولهذه العلة يكون خلاف فى تمام خلقة الذكورة والانات فى ارحام النساء، فان خلقتها تكون بنوع مختلف، فاما فى ساير الحيوان فليس يظهر اختلاف فى تمام خلقة الاناث والذكورة لأنه ليس فى الاناث منقصة من الذكورة والذكورة تنفصل فى ارحام النساء فى زمان اقل من الزمان الذى تنفصل فيه الاناث، فاما بعد الولاد فان الاناث اسرع شبيبة واسرع كبرا وانهدام لأنها تطمث وتشب وتعجز عاجلا اكثر من الذكورة لأن الاناث اضعف من الذكورة من قبل ان طباعها ابرد، وينبغى لنا ان نظن ان التأنيث مثل ضرورة طباعية. فاذا كانت الانثى داخلا فى الرحم تنفصل تفصيلا بطيئا لحال البرد لأن التفصيل صنف من اصناف النضوج، والحرارة تنضج وما كان اكثر حرارة فهو اجود نضوجا. فاما اذا خرجت الانثى خارجا فهى تشب وتدرك عاجلا وتشيب لحال ضعف الطباع. وجميع الاشياء الاصغر والاضعف تخرج وتنتهى الى التمام عاجلا كما يعرض لاعمال المهنة والاعمال التى تقوم من الطباع لحال العلة التى ذكرنا. واذ حملن النساء تؤمين وكان احدهما ذكرا والآخر انثى فسلامتهما دون سلامة غيرهما، فاما فى ساير الحيوان فليس سلامتهما دون سلامة غيرهما لأن استواء المجرى فى ساير الحيوان على غير الطباع فاما فى النساء فليس يكون تفصيل الذكر والانثى فى ازمان متساوية بل باضطرار يكون تفصيل الذكر قبل تفصيل الانثى، وليس ذلك فى ساير الحيوان على مثل هذه الحال. وقد يعرض لحمل النساء وساير اناث الحيوان فساد، وما يعرض للنساء من ذلك اكثر مما يعرض لغيرها، لأن كثيرا من اناث ساير الحيوان تلبث مخصبا حسن الحال زمانا كثيرا، فاما اكثر النساء فحالهن تكون سيئة ردية فى زمان الحمل،*** وذلك من قبل الثبات والجلوس. ولذلك تكون الفضلة التى تجتمع فى الجسد كثيرة. فاما فى النساء الاتى يعملن ويتعبن فليس يستبين الحمل مثل ما يستبين فى غيرهن، وربما ولدن بغتة لأن العمل والتعب يفنى الفضول. فاما اجساد النساء اللاتى يكثرن الجلوس ولا يتعبن فهى كثيرة الفضول***. والتعب مما يخرج النفس بقدر ما تقوى المرأة على حبس نفسها فى اوان الولاد، فانها اذا فعلت ذلك كان الولاد اهون وايسر عليها، واذا لم تفعل كان على خلاف ذلك. فهذه الاشياء موافقة للآفة التى تصيب ساير الحيوان من فساد الاولاد وخاصة للنساء من قبل ان بعض الحيوان لا يطمث إلا طمثا يسيرا وبعضه لا يطمث البتة طمثا بينا، فاما النساء فطمثهن كثير بين. فاذا لم يكن الطمث لحال الحمل كان سبب قلق وتغير وفساد اجساد بعض النساء. واذا لم تكن النساء حوامل وانقطع عنهن الطمث تعرض لهن امراض. واول ما يحملن النساء يقلقن قلقا شديدا لحال حبس الطمث، فان المحمول يقوى على منع الطمث ولحال صغره لا يفنى كثرة الفضلة <وفى أخرة تفنى تلك الفضلة> فى غذائه، ويصلح حال الحامل ويخف جسدها. فاما فى ساير الحيوان فالفضلة قليلة معتدلة بقدر حاجة نشو المحمول، فاذا فنيت الفضول التى تمنع الغذاء اخصبت اجساد الاناث الحوامل اكثر من خصبها الذى كان قبل الحمل. ومثل هذا العرض يعرض للحيوان المائى ولاجناس الطير ايضا. وربما لم يكن اجساد الاناث الحوامل بخصبة لحال نشو وكثرة الاولاد المحمولة وعلة ذلك من قبل ان المحمول يحتاج فى ذلك الزمان الى غذاء فضلة كثيرة. واجساد بعض النساء الحوامل تكون احسن حالا مما كانت قبل ذلك، لأن الفضول التى كانت فى اجسادهن يسيرة ولذلك يفنى فى غذاء الجنين. 7 - فاما الذى يعرض لبعض النساء ويسمى باليونانية مولى*** فانه يعرض بعد الحمل. وقد جامعت مرة زوجها وظنت انها قد حملت فارتفع اولا بطنها وصارت ساير العلامات كما تكون فى الحوامل، فلما بلغ زمان الولاد لم تلد ولم يصغر عظم البطن بل بقيت على تلك الحال ثلاثة او اربعة سنين، فعرض لها اختلاف بطن من قروح المصارين ولقيت منه شدة، وكادت تهلك حتى ولدت بضعة لحم يسمى مولى. وربما ازمن هذا الداء حتى تكبر الامرأة وتشيب وربما بقى الى الموت. وما يخرج خارجا من هذه البضاع فهو يكون جاسيا جدا لا يقطعه الحديد إلا بعسرة. وقد ذكرنا علة هذا الداء فى كتاب المسايل، فان المحمول يلقى فى الرحم مثل ما يلقى اللحم المطبوخ الذى يفسد لسوء الطبخ، وليس لحال الحرارة كما زعم بعض الناس بل لضعف الحرارة، فانه يشبه ان يضعف الطباع ولا يقوى على تمام وكمال خلقة المحمول. ولذلك يلبث زمانا كثيرا ويبقى حتى تشيب المرأة. فليس هو مثل شىء تام ولا هو غريب من الطباع البتة، وانما علة جساوة ذلك اللحم رداءة النضوج، فان فساد النضوج صنف من اصناف فساد الطبخ. وينبغى لنا ان نطلب ونعلم لماذا لا يكون هذا الداء فى ساير الحيوان و<إن> لم يكن ذلك قد خفى عنا البتة. فعلة ذلك فيما نظن من قبل ان رحم المرأة متصل من بين ساير الحيوان والدم الذى يجتمع فيه من الطمث كثير ولا يقوى على نضوج ذلك الدم. فاذا كان تقويم المحمول من بخار وندا ردى النضوج حينئذ تكون البضعة التى تسمى مولى فى ارحام النساء، وبحق يعرض لهن فقط هذا العرض. 8- فاما اللبن فهو يكون فى اناث الحيوان الذى يلد فى جوفه حيوانا وهو جيد نافع اوان الولاد، لأن الطباع خلق اللبن فى الحيوان لحال غذاء المولود الذى به يغذا خارجا، فليس ينبغى ان يكون اللبن قبل وقت الولاد ولا بعده بزيادة، فانه ربما يعرض ذلك على غير الطباع. فلأن وقت ولاد ساير الحيوان فى زمان واحد غير مختلف يكون نضوج وبلوغ اللبن فى ذلك الزمان. فاما اوقات ولاد النساء فمختلفة. ولذلك باضطرار ينبغى ان يكون اللبن الجيد فى وقت السبعة الاشهر، فانه فى ذلك الزمان يطيب ويجود. وبحق يعرض ذلك لحال العلة اللازمة باضطرار ولأنه يكون جيد الطبخ فى آخر الزمان، فانه فى اول الزمان يفنى خروج هذه الفضلة فى ولاد الجنين. واما غذاء جميع الحيوان الحلو النضيج جدا فاذا فرغت منه هذه القوة باضطرار يكون الباقى منه مالحا رديا المزاج. واذا تمت خلقة الجنين تكون الفضلة اكثر لأن الذى يفنى منه اقل مما كان يفنى قبل ذلك، ولهذا السبب يكون اللبن احلا، لأنه لا يفرغ منه الجزء الجيد النضوج من قبل انه لا يحتاج اليه فى جبل وخلقة الجنين، بل يفنى القليل منه لحال النشو لما سلف من تمام الجنين، فان للحمل ايضا تمام. وذلك يكون عند خروجه من الرحم فليس يأخذ فى ذلك الزمان ما كان يأخذ من اللبن قبلا ففى ذلك الزمان يجود اللبن. ويجتمع اللبن فى الاماكن الاعلا وفى الثديين لحال ترتيب التقويم الاول، فان فى الموضع الذى يعلو الحجاب يكون العضو المسود الذى فيه حياة وانما المكان الاسفل خاص للغذاء والفضلة، وذلك يكون لكى ينتقل الحيوان السيار المشاء من مكان الى مكان اذا كانت فيه كفاية الغذاء. ومن هذه الاماكن تخرج فضلة الزرع لحال العلة التى ذكرنا. وانما فضلة الذكورة وطمث الاناث من الطباع الدمى. وابتداء هذا الطباع والعروق القلب ووعاء الدم فى العروق. ولذلك باضطرار ينبغى ان يكون هناك اولا تغيير الدم الذى ذكرنا، ومن اجل هذه العلة تتغير اصوات الذكورة والاناث عند ابتداء خروج الزرع، لأن ابتداء الصوت يكون من هناك. وانما يتغير الصوت من قبل تغيير المحرك. وما يلى ناحية الثديين من الذكورة والاناث يرتفع وذلك فى الاناث ابين منه فى الذكورة. فلأن خروج الفضلة يكون كثيرا من الناحية السفلى باضطرار يكون مكان الثديين فارغا رخوا مجوفا. وكذلك يعرض للحيوان الذى ثدييه فى الناحية السفلى من الجسد. فتغيير الصوت يكون بينا ومما يلى ناحية الثديين فى ساير الحيوان وذلك معروف لاهل التجربة فى كل واحد من اجناس الحيوان، وذلك فى الناس مختلف اختلافا كثيرا. وعلة ذلك من قبل كثرة فضول الاناث وكثرة فضلة الذكورة فان هذه الفضلة اكثر مما يحتاج اليه عظم الجسد***. فاذا لم يكن يأخذ الجنين كثرة هذه الفضلة وهو يمنعها من الخروج الى خارج باضطرار يجتمع فى الاماكن الخالية اذا كانت فى اماكن السبيل المتفقة. وانما مكان الثديين فى الحيوان الذى وصفنا لعلتين، اعنى العلة التى هى اجود والتى هى امثل وباضطرار، <و>يكون تقويم اللبن فى هذا الموضع ويكون منه غذاء نضيج موافق للحيوان ويمكن ان يكون علة جودة الطبخ التى ذكرنا آنفا ويمكن ان يكون علة على خلاف ذلك لأنه بحق يغذا الجنين غذاء اكثر اذا عظمت جثته فالذى يبقى من الفضلة فى مثل هذا الزمان قليل والقليل سريع النضوج. وقد قلنا فيما سلف ان للبن طباع مثل هذا ومنه يكون غذاء كل مولود من الحيوان لأن الهيولى التى منها تقويم الطباع الولاد والهيولى التى تغذى واحد هى فهى. وانما هى الرطوبة الدمية فى الحيوان الدمى لأن اللبن دم مطبوخ نضيج وليس بفاسد. فاما انبدوقليس فقوله فى اللبن خطأ لأنه إما ان يكون ظن غير الصواب او يكون قد اساء فى معنى قوله حيث زعم ان اللبن يكون فى الشهر الثامن وفى الشهر العاشر يكون قيح. وانما القيح فساد نضوج ولذلك يكون من طبخ ليس بمحكم، والبن من الاشياء الجيدة الطبخ. وليس يطمثن النساء اللواتى يرضعن ولا النساء الحوامل. <و>اذا حملن انطفا وانقطع اللبن لأن طباع اللبن ودم الطمث واحد هو فهو. ولا يقوى الطباع على ان يمد الجسد مادة كثيرة بقدر ما يكفى الامرين اعنى رضاع وخروج الطمث بل اذا مالت هذه الفضلة الى ناحية واحدة انقطعت من الناحية الأخرى. إن لم يحدث حدث يضطر الطباع الى غير فعله والامر الذى يكون اكثر ذلك. فاذا حدث هذا الحدث فهو على غير الطباع. واذا كان الامر بقدر النوع الذى يستطاع ويمكن ولم يكن على خلاف ذلك فهو على الطباع لأنه يكون مثل ما جرى فى العادة وما يكون اكثر ذلك . ونعم ما صارت ازمان الحيوان محدودة مميزة، فانه اذا لم يمكن ان يكون غذاء المحمول بسرة لحال عظم جسده حينئذ يتهيأ اللبن ويجود لحال الغذاء الذى يكون منه، فاذا لم يكن مجاز الغذاء بالسرة وقعت وانضمت الى ذاتها العروق التى تكون عليها السفاق الذى يسمى صرة، ولحال هذه العلة يخرج الجنين الى خارج. 9- وولاد جميع الحيوان الطباعى يكون على الرأس لأن الناحية التى فوق السرة اعظم من الناحية التى تحت السرة، كما يعرض لكفتى الميزان حيث يميل الثقيل الى الارض***. 10- فاما ازمان حمل اجناس الحيوان فهى محدودة بقدر حياتها. وينبغى ان يكون حمل الحيوان الطويل العمر ازمن من غيره. وليس هذا علته بل هذا عرض يعرض اكثر ذلك. والحيوان الدمى العظيم الجثة الذى هو اتم من غيره يعيش زمانا كثيرا، وليس جميع الحيوان الذى هو عظيم الجثة اكثر من غيره اطول عمرا من غيره،، فان الانسان يعيش زمانا كثيرا اكثر من بقاء ساير الحيوان ما خلا الفيل ويعلم ذلك من التجربة المقنعة. وجثة الانسان اصغر من جثث اجناس الحيوان والذى اذنابها كثيرة الشعر واصغر من اصناف أخر من الحيوان ايضا. وعلة طول بقاء الانسان من قبل مزاجه، فانه شبيه بمزاج الجو الحيط بنا ولعلل أخر طباعية سنذكرها فى أخرة. فاما علة ازمان الحمل فمن قبل عظم الحيوان المحمول لأنه لا يمكن ان تتم خلقة التقويم العظيم فى زمان يسير ولا يمكن ذلك فى ساير الاشياء ايضا. ولحال هذه العلة الخيل والحيوان الذى يناسبه يعيش زمانا اقل من زمان معاش غيره وحمله يكون فى زمان كثير. فان حمل بعض الاصناف التى ذكرنا سنة كاملة وحمل بعضها عشرة اشهر. ولحال هذه العلة ايضا يكون حمل الفيلة يزمن فان الفيل الانثى تحمل سنتين لحال افراط عظم المحمول. وبحق تكون ازمان حمل واعمار جميع اجناس الحيوان معدودة موقتة محدودة من قبل الطباع، وعددها معروفة من قبل الادوار، وانما اعنى بقولى دورا يوما وليلة وشهرا وسنة، والازمان المعدودة بها. وللقمر ايضا ادوار مثل المولد والامتلاء والسوابيع. فهذه الاعراض تعرض له من قبل قربه وبعده من الشمس. فاما الشهر فهو دور مشترك لكلاهما اعنى الشمس والقمر. وانما القمر ابتداء لحال شركته بالشمس وأخذ الضوء منها، فانها تكون مثل شمس أخرى اذا تم ضوءها واذا كانت فى العظم اصغر منها كثيرا. ولذلك للقمر موافقة فى جميع اصناف الولاد والتمام والكمال. فان الحرارات والبرودات المعتدلة توافق اصناف الولاد وبعد ذلك توافق اصناف البلاء والفساد. وفى حركات هذه النجوم غاية الابتداء والتمام. ونحن نعاين البحر وجميع طباع المائية تقف وتهيج وتتغير بقدر حركة وسكون الرياح وانما تتحرك الرياح والهواء بقدر دور الشمس والقمر، وكذلك جميع الاشياء التى تنبت منها فباضطرار تتبع الحركات وادوار الشمس والقمر وبحق تتبع حركات الاشياء التى ليست بمسودة لحركة الاشياء المسودة التى هى اكرم واعظم شأنا من غيرها. وللرياح ايضا بقاء وحركة وسكون. وخليق ان تكون اوايل أخر علل ادوار وحركات هذه النجوم. فمن قبل الطباع تكون عدة اوقات الولاد وتمامها من قبل ادوار النجوم التى ذكرنا، ولأن الهيولى ليست بمحدودة الاوايل ولأن الاوايل واصناف الولاد الطباعى وانواع الفساد تمنع لا تكون الاوقات محفوظة على كل حال بل ربما زادت وربما نقصت العلل التى ذكرنا <و>تكون اسباب الاشياء التى تعرض على غير الطباع. فقد ذكرنا حال غذاء الجنين الذى يكون فى داخل الرحم والغذاء الذى به يغذا الحيوان خارج. وقلنا فى ذلك قولا عاما جامعا لكل الحيوان، وقلنا ايضا قولا خاصا دليلا على طباع كل واحد منها. وذكرنا الفصول التى بها تخلق اعضاء الحيوان، وبينا ما يعرض خاصة للناس، وذكرنا جميع الاعضاء التى فى كل حيوان وما يكون منها خارجا وما يكون باطنا وينبغى لنا ان ننظر ايضا فى الآفات التى بها تختلف اعضاء الحيوان. تم تفسير القول الثامن عشر وينبغي لنا ان ننظر ايضا فى الآفات التى بها تختلف اعضاء الحيوان. وانما اعنى بقولى آفات مثل سواد وزرقة وشهولة العينين وحدة الصوت وتغيير اللون والشعر واختلاف الريش، فان بعض هذه الآفات تكون فى جميع [بعض] الاجناس وبعضها تكون كما جاء بالبخت مثل العرض الذى يعرض للناس خاصة، وايضا تكون انواع تغير بقدر القرون، وربما كانت تلك الانواع فى جميع الحيوان على حال واحدة وربما كانت على خلاف ذلك، مثل التغيير الذى يصيب الاصوات والشعر والالوان. فان من الحيوان ما لا يشيب شيبا بينا عند الكبر [والصغر] فى السن. فاما الانسان فهو يلقى هذه الآفة خاصة من بين الحيوان. وبعض هذه الآفات تتبع الحيوان من زمان الولاد، وبعضها تكون فى اوان الشباب وبعضها تعرض فى زمان الكبر. وليس ينبغى لنا ان نظن ان علة هذه الاشياء وما يشبهها تكون بفن واحد فى جميع اجناس الحيوان، فان الاعمال التى لا تنسب الى الطباع ولا الى جنس عام لا يقال انها تكون لحال شىء، فان العين تكون لحال شىء وليس يكون الاشهل لحال شىء ان لم يكن ذلك، اعنى الشهولة آفة خاصة للجنس. وليس هذا مما يوافق جوهر بعض الحيوان بل هو مما يكون فى الهيولى والاول المحرك باضطرار، ولذلك تنسب علته اليها. وكما قلنا فى الاقاويل الاولى ليس لأنه يكون كل واحد على مثل هذه الكيفية كذلك هو على مثل تلك الكيفية ولا سيما فى اعمال الطباع المرتبة المحدودة بل تكون مثل هذه لأن كينونتها تكون على مثل هذه الحال، لأن الولاد يتبع الجوهر ويكون لحال الجوهر وليس الجوهر لحال الولاد. فاما قدماء اصحاب العلم الطباعى فقد ظنوا خلاف ما ذكرنا. وعلة ذلك من قبل انهم لم يفكروا فى كثرة العلل ولم يعلموها. وانما نظروا فى علة الهيولى وعلة الحركة، وقالوا فى هاتين العلتين قول ليس بمحدود ولا مفصل. وقد تركوا طلب علة الكلمة والتمام. وكل واحد من الاشياء لحال شىء وانما يكون لحال هذه العلة وساير العلل، اعنى العلة التى فى كلمة كل واحد من الاشياء وهى التى تقال من اجل شىء، والذى من اجله. فينبغى ان نطلب هذه العلل فى جميع الاشياء المنسوبة الى الولاد فانها تطلب وتعرف فى الولاد والحركة***. واما العين فخلقتها باضطرار*** وليس شكلها وكينونتها على مثل هذه الحال لازم باضطرار بل لأن الطباع يفعل او يلقى مثل هذا الفعل واللقاء. فاذ قد فصلنا وميزنا هذه الاشياء فينبغى لنا ان نأخذ فى ذكر الاعراض التى تتلو وتتبع ما وصفنا. وينبغى ان نعلم ان جميع اولاد اجناس الحيوان وخاصة الاولاد التى تولد وهى غير تامة اذا ولدت تكون تامة مستوية لحال النوم الذى عودت فى الارحام ولا سيما فى اول قبولها للحس. وفى هذا الطلب مسألة عويص اعنى ان كان السهر لازما للولد فى اول خلقته او النوم. فانا نقول ان النوم لازم لكل محمول فى اول خلقته وليس السهر لازما له ونوجب ذلك من قبل ان المولود يسهر عند شبيبته. وايضا نوجب ذلك من قبل ان التنقل الذى يكون من لا كينونة الى كينونة انما يكون بالاوسط، والنوم يظن ان يكون مثل متوسط للحياة ولا حياة فى طباع هذه الاشياء ولا يقال ان النايم ليس هو حيا البتة ولا يقال ايضا انه مثل الحى الساهر، فان الحياة تكون فى السهر خاصة لحال الحس. فان كان لازما باضطرار ان يكون للحيوان حس *** اذا له حس. وينبغى <ان نظن> ان ابتداء تلك الحال ليس هو نوما بل هو شىء آخر شبيه بالنوم مثل حال جنس الحيوان الذى بين الحيوان المتحرك والشجر. فان الجنين فى اول خلقته يحيا حياة شبيهة بحياة الشجر. وليس مما يمكن ان يكون فى الشجر نوم لأنه يعرض بعد النوم سهر، فاما الآفة التى فى الشجر اعنى الامر الذى يشبه النوم فليس له يقظة ولا بعده سهر. فباضطرار ينام الحيوان زمانا كثيرا لحال النشو ولحال الثقل الذى فى الاماكن التى فى اعلا الجسد. وقد ذكرنا علة هذا النوم فى غير هذا الكتاب. ويظهر الجنين ساهرا متحركا فى رحم الام، وذلك يستبين ايضا من الشق ومن الحيوان الذى يبيض بيضا، ثم من بعد سهره ينام ايضا ويثقل من ساعته. ولذلك ينام الصبى بعد خروجه من الرحم زمانا كثيرا. واذا كان الصبى ساهرا لا يضحك واذا نام ضحك وبكا. ويعرض لاجناس الحيوان فى نومها احلام وليس احلام فقط بل شىء آخر ايضا غير الاحلام، مثل الاعراض التى تعرض للذين يستيقظون من النوم فانهم يفعلون اشياء كثيرة بغير نظر الاحلام. ومن الناس من هو نايم يقوم ويمشى وهو يبصر مثل ما يفعل الساهر. ويكون له حس الاشياء التى تعرض***. فاما الصبيان فلم يعاودوا السهر بل عاودوا النوم ولهم حس وفيهم حياة عند نومهم. فاذا مضى بهم زمان وتنقل النشو الى الناحية السفلى اكثروا القيام والسهر فهذه حالهم زمان كثير. فاما ساير الحيوان فالنوم اغلب عليها فى اول الولاد، لأنه يلد ولدا ليس بتام والنشو يكون فى الناحية العليا من الجسد. وعيون جميع الصبيان من ساعة ولادهم شهل زرق ثم تتغير وتتنقل الى الطباع الغالب عليهم بعد ذلك. فاما فى ساير الحيوان فهذا العرض <لا> يعرض بنوع واضح بين، وعلة ذلك من قبل انه ليس لعيون ساير الحيوان إلا لون واحد مثل عيون البقر فان لونها اسود، فاما لون عيون الغنم فهو مائى اكثر من عيون ساير الحيوان. ولون عيون بعض اجناس الحيوان ايضا اشهل او ازرق او مثل لون عيون المعزى. فاما عيون الناس فالوانها كثيرة لأنها ربما كانت زرقا وربما كانت شهلا وربما كانت سودا وربما كانت الوانها مثل الوان عيون المعزى. فاما ساير عيون الحيوان فليس بينها وبين غيرها اختلاف كما ليس فيها اختلاف. فاذا قيست بعضها الى بعض من قبل انه ليست لها الوان كثيرة مختلفة من قبل الطباع. وخاصة من بين ساير الحيوان عينى الخيل مختلفة الالوان، فانه ربما كانت العين الواحدة شهلاء ولون العين الاخرى على خلاف ذلك. وليس يعرض هذا العرض لشىء آخر من الحيوان بنوع بين، فاما الناس فربما كانت العين الواحدة من عينى الرجل شهلاء ولون العين الاخرى على خلاف ذلك. فليس هذا العرض بينا فى ساير الحيوان فى حداثة اسنانها وكبرها، وهو بين فى الصبيان عند صغرهم وشبيبتهم. وعلة ذلك فيما تذكر عقولنا من قبل ان الوان عيون ساير الحيوان ليست بمختلفة. فاما الوان عيون الصبيان فمختلفة وعلة شهولة اعينهم من قبل ان هذه الاعضاء فيهم اضعف من غيرها اعنى عيون الاحداث، وانما شهولة العيون صنف من اصناف الضعف. فينبغى لنا ان ننظر نظرا عاما فى اختلاف الوان العيون ونطلب لأى علة صار بعضها شهل وبعضها زرق وبعضها سود الون <وبعضها> مثل لون عيون المعزى، فاما قول انبدوقليس الذى يزعم ان الشهولة تكون من كثرة طباع النار والسود يكون من كثرة طباع الماء ولذلك لا يكون بصر السود حادا فى الليل لنقص الماء فاما بصر الشهل فهو حاد لحال النار، فليس بصواب لأنه لا ينبغى ان نظن ان البصر يكون من النار بل من الماء فى جميع الحيوان. وايضا يمكن ان نؤدى علة الالوان بنوع آخر، وخليق ان تكون هذه العلة كما قلنا اولا فى الاقاويل التى وصفنا فى النفس، وميزنا وبينا ان خلقة العيون من ماء وقلنا العلة التى من اجلها صارت خلقة العيون من ماء ولم يصير من هواء ولا من نار. فهو امثل ان نظن ان هذه علة الاختلاف التى ذكرنا من قبل انه فى بعض العيون رطوبة اكثر وفى بعضها رطوبة اقل مما تحتاج اليه الحركة المعتدلة وفى بعضها رطوبة معتدلة، فاذا كانت الرطوبة التى فى العين كثيرة كان لونها اسود لأن السواد يكون من كثرة الماء، واذا كانت الرطوبة قليلة كان لون العين اشهل. وذلك بين فى اشياء كثيرة وفى منظر البحر، فانه اذا كان ماؤه قليلا صار لونه اشهل واذا كان الماء كثيرا صار لونه اسود شبيها بلون اللازورد. وما كان من العيون فيما بين الالوان التى ذكرنا فهى تختلف بالاكثر والاقل. وينبغى ان نظن ان هذه العلة التى من اجلها لا تكون العيون الشهل حادة البصر فى النهار ولا تكون العيون السود حادة البصر فى الليل، لأن الشهل لقلة الرطوبة تتحرك حركة اكثر من الضوء والاشياء التى تبصر لأن قلة الرطوبة تكون صافية اللون من قبل الضوء. وحركة هذا العضو اعنى العين من قبل الصفاوة وليس من قبل الرطوبة. فاما العيون السود فحركتها دون لكثرة الرطوبة، فان الضوء الليلى اضعف. وايضا الرطوبة بقول كلى تكون فى الليل عسيرة الحركة. وينبغى ان لا تكون الحركة اكثر ولا الصفاوة كثيرة لأن الحركة الاقوى تحلل الاضعف. ولذلك الذين يتنقلون من الالوان الاقوى فالابيض لا يبصرون ولا الذين يتنقلون من ضوء الشمس الى الظلمة، فانه اذا كانت الحركة التى من داخل قوية منعت الحركة التى من خارج، وبقول عام اذا كان فى البصر ضعف لا يقوى على بصر الاشياء المضيئة لأنه يلقى منها شىء وتتحرك الرطوبة حركة اكثر. وذلك بين من قبل امراض البصر ايضا. فان الداء الذى يسمى شهولة يعرض لشهل العيون اكثر، فاما الداء الذى يعرض للذين لا يبصروا بالليل فهو يعرض لسود العيون. وانما الداء الذى يسمى شهولة يبس غالب على العيون، وذلك يعرض للشيوخ لأن اليبس غالب على اعينهم مثل ما يغلب على ساير اجسادهم. وآلة البصر عند الكبر يابسة. فاما الداء الذى يمنع من البصر فى الليل فهو يكون من كثرة الرطوبة، ولذلك يعرض للشباب اكثر مما يعرض لغيرهم، لأن ادمغتهم ارطب من غيرها. فاما البصر الحاد الجيد فهو يكون من الرطوبة المعتدلة التى بين الكثرة والقلة، لأنها لا تمنع حركة الالوان لقلتها ولا تكون علة عسرة حركة لكثرتها. وليس الاشياء التى وصفنا علل حدة وضعف البصر فقط بل طباع الجلد الذى على الحدقة ايضا، فانه ينبغى ان يكون ذلك الجلد صافيا، ومثل هذا يكون باضطرار فى الجلد الدقيق الابيض الاملس. وينبغى ان يكون دقيقا دقيقا لكى تكون حركة البصر سهلة، وينبغى ان يكون املس مستويا لكى لا يكون فيه تشنج ويصير مثل ظل على العين. ولهذه العلة لا يكون بصر الشيوخ حادا، فان جلد عينيهم يتشنج ويكون اغلظ مثل ما يتشنج ويغلظ ساير جلودهم عند الكبر وينبغى ان يكون لونه ابيض لأنه لا يمكن ان يكون اسود صافيا البتة وانما السواد ليس بصافى. ولهذه العلل لا تصير العيون التى تكون خلقتها مثل هذا الجلد. فلهذه العلل لا يكون البصر حادا فى الامراض وفى كبر السن، فاما عيون الصبيان فهى تظهر اولا شهلاء لحال قلة الرطوبة. وربما كانت العين الواحدة من عيون الناس وعيون الخيل شهلاء والاخرى على خلاف ذلك للعلة التى هى فهى، اعنى العلة التى من اجلها يشيب الانسان فقط، والفرس ايضا من بين ساير الحيوان يكون ابيض الشعر اذا طعن فى السن. فان الشيب صنف من اصناف ضعف الرطوبة التى فى الدماغ وقلة النضوج والشهلة كمثل، من قبل ان للابيض جدا والثخين جدا قوة واحدة هى فهى، اما احدهما فللقلة واما الآخر فلكثرة الرطوبة. فاذا لم يقوى الطباع الذى طبخ على تمام الرطوبة التى فى كلاهما او ضعف عن الطبخ وطبخ بعضا ولم يطبخ بعضا يعرض من ذلك ان تكون العين الواحدة شهلاء والاخرى على خلاف ما ذكرنا. فاما بعض الحيوان فهو حاد البصر وبعضه ليس بحاد. ولذلك علة تكون بنوعين، لأن الحاد يقال بنوعين وكذلك يقال السمع والمشمة ايضا. فانه يقال ان البصر حاد اذا قوى على ان يبصر ما بعد عنه ويقال <ان> البصر ايضا حاد اذا احس بفصول الاشياء المنظور اليها، وليس يكون بنوعين حدة البصر معا لأن الذى يبصر الاشياء من بعد لا يحس بفصول واختلاف الاجساد المنظور اليها بصرا لطيفا. ومن الناس من يعاين <من> الابار والحفر نجوما. فاذا كانت لعيون الحيوان سترة وكانت الرطوبة التى فى الحدقة نقية معتدلة وحركتها ايضا معتدلة والجلد الذى على الحدقة دقيق فاصحاب هذه الصفة يبصرون من بعد كثير ولا يفصلون ما بين الوان وفصول الاجساد تفصيلا بليغا، فبصرهم اجود من بصر الذين رطوبة اعينهم نقية وليس لأعينهم غطاء ولا سترة البتة. فان حدة البصر وحسه بفصول والوان الاجساد يكون من قبل العلة التى فى العين، كما يستبين الوسخ القليل اليسير فى الثوب النقى وكذلك تكون الحركات اليسيرة بينة فى العين النقية ويجود الحس. فاما علة حدة البصر ونظره ما بعد عنه من قبل وضع العينين، فان العين الباينة لا تبصر ما بعد عنها بصرا جيدا لأن حركتها تفترق. والعين الغايرة تبصر ما بعد عنها لأن حركتها لا تفترق ولا تتبدد ولا تذهب الى ما لا غاية له بل تخرج منها القوة الباصرة وتستقيم الى الاشياء المنظور اليها. وليس بين قول القايل ان العين تبصر وبين قول القايل ان البصر يخرج الى المنظور اليه اختلاف، واذا لم تكن خارج من العين سترة باضطرار يضعف البصر ولا يبصر ما بعد عنه إلا بصرا ضعيفا***. فهذه علل اختلاف خلقة العيون وحدة وضعف بصرها. 2- ومثل هذه العلل تكون علل السمع والمشمة والنوع الواحد الذى به تكون حدة السمع والمشمة اذا كان السامع يسمع ما يقرب منه ويعرف فصول الكلام والاصوات معرفة بليغة، واذا كان الذى يشم عارفا بفصول واختلاف رايحة الاجساد التى تقرب منه. فاما النوع الآخر فاذا كان السامع يسمع من بعد والذى يشم يحس برايحة الاجساد التى لها رايحة من بعد ايضا. فاذا كانت آلة هاذين الحسين جيدة الخلقة تكون تقضى على فصول الكلام الذى يسمع والاجساد التى تشم بقضاء شافى كما ذكرنا حال آلة البصر، وقلنا انه يبصر بصرا بليغا اذا كانت خلقة العين دقيقة نقية، فاذا كانت خلقة الاذن ايضا بينة والسفاق المحدق بها دقيقا حاد السمع والمشمة كمثل. لأنه قد قلنا فى الاقاويل التى وضعنا على الحس ان سبل جميع آلة الحواس تمتد الى القلب او الى العضو الذى يلايم القلب. وآلة حس السمع مملوة هواء طباعيا، فان الهواء الطباعى يصير فى العروق حركة المحسة ويصير فى آلة النفس خروجه ودخوله، وكذلك يصير فى الاذن قوة السمع. ولذلك يكون حس السمع تعليم الاشياء التى تقال بقدر مرد كلام السامع، فانه بقدر ما يدخل الكلام من آلة السمع كذلك تخرج من اللسان حركة الصوت. فهو بين ان الانسان يقول ما سمع. واذا تثاوب انسان او أخر النفس باطن جسده يكون سمعه اضعف مما يكون اذا يتنفس لأن اول آلة هذا الحس موضوع على العضو الذى فيه الريح، وهو يتحرك معه اذا تحركت الريح من الآلة التى هى فيها، فان هذه الآلة انا تحركت حركت غيرها ايضا. وهذه الآفة تعرض فى الازمان الرطبة المزاج، وتمتلى الاذنان فيما نظن ريح لحال اول الآلة التى فيها الريح. فعلة جودة السمع ونقصانها اختلاف الكلام والاصوات، وجودة المشمة والحس باصناف رايحة الاجساد التى لها رايحة تكون من قبل نقاوة هذه الآلة والسفاقات المحدقة بها، فان جميع الحركات تكون بينة كما يستبين للبصر من جودة خلقة العين وصفاوتها، وحس السمع ايضا بما بعد من الكلام والاصوات، وحس الانف برايحة ما بعد عنه من الاجساد التى لها رايحة يكون من قبل العلة التى وصفنا عن البصر. فانه اذا كانت آلة السمع والمشمة بسترة خارجة منها يجود حسها بكل ما يسمع وما يشم من بعد كثير، لأن هاذين الحسين يخرجان من آلتهما مثل ما يخرج الماء من مجاريه والسوافى التى تعمل. فاذا كانت خلقتها على مثل هذه الحال شمت من بعد. ولذلك تكون الكلاب السلوقية الطويلة المناخير جيدة المشمة، لأنها تستر آلة هذا الحس وتخرج منها حركة المشمة بنوع مستقيم ولا تفترق حتى تنتهى الى الاشياء المشمومة. وهذا العرض شبيه بالعرض الذى يعرض للعينين. ولذلك يكون سمع الذين لهم اذنان جيدتا الخلقة والالتواء ذكيا، فان حركة الحس تجود اذا كانت مثل ما وصفنا. وحس الانسان بما يبعد عنه من الكلام والاصوات والاجساد التى لها رايحة اذا بعدت عنه دون حس ساير الحيوان بقدر قياس جثته الى جثث ساير الحيوان، وحسه بفصول هذه الاشياء وكثرة اختلافها خاصة اجود من جميع الحيوان. وعلة ذلك ان آلة هذه الحواس من قبل الانسان نقية ليس فيها من الجزء الارضى الجسدانى إلا القليل، والانسان من قبل الطباع دقيق الجلد اكثر من جميع الحيوان بقدر عظمه. وبحق عمل الطباع عمله فى الحيوان التى تسمى باليونانية فوقى، فانه ذو اربعة ارجل ويلد حيوانا وليس له اذنان بل له سبل الاذنين فقط. وعلة ذلك من قبل ان تدبير معاش هذا الحيوان ومأواه فى الماء. وانما عضو الاذنين موضوع على السبل لتسلم الحركة التى من بعد الهواء. فليس يحتاج فى هذا الحيوان الى عضو الاذنين، ولو كان موضوعا على السبل لعرض منه خلاف الحاجة لأنه كان يقبل كثرة رطوبة ويكون ذلك مانعا لحركته وسباحته فى الماء. فقد قلنا ما يكتفى به فى البصر والسمع والمشمة. 3- فاما شعر الناس فهو مختلف بقدر القرون مع خلافه لساير الحيوان الذى له شعر. وانما يكون الشعر فى جميع الحيوان الذى يلد حيوانا اكثر ذلك. فاما الحيوان الذى فى جلده شوك فذلك الشوك صنف من اصناف الشعر مثل شوك اناث القنافذ وكلما كان مثله من الحيوان الذى يلد حيوانا. وفى الشعر اصناف وفصول كثيرة من قبل الجساوة واللين والطول والقصر والسبوطة والجعودة والكثرة والقلة، وايضا من قبل الالوان اعنى البياض والسواد وما بينهما. وفى الشعر ايضا اختلاف من قبل القرون اعنى تشعر ما كان من الحيوان شابا وما كان منه مسنا، وذلك خاصة بين فى الناس فان شعر الناس يكثر عند الكبر ويكونوا صلعا فى ناحية مقدم الراس. فاما اذا كانوا احداثا فليس يكونون صلعا. ولا يعرض هذا الداء للنساء ايضا. واذا طعن الناس فى السن تشيب وتبياض رؤسهم. وليس يعرض هذا العرض لشىء آخر من ساير الحيوان عرضا بينا. فالصلعة تعرض للناس فى مقدم الراس، فاما الشيب فهو يبدا من ناحية الصدغين وليس تغلب الصلعة على الصدغين ولا على مؤخر الراس. فاما الحيوان الذى ليس له شعر بل عضو آخر ملايم الشعر، مثل الريش الذى للطير والقشور الذى للسمك، فهو بين انه يعرض لبعضه مثل هذا العرض. وقد قلنا فى ذكر علل اعضاء الحيوان العلة التى من اجلها صنع الطباع الشعر فى الحيوان وبينا ذلك فيما سلف. فاما حيننا هذا فانه نريد ذكر العلة التى من اجلها تعرض اصناف وفصول الشعر. فان الجلد خاصة علة غلظ ودقة الشعر، فان الجلد يكون فى بعض الحيوان دقيقا وفى بعضه غليظا، ويكون ايضا فى بعض الحيوان سخيفا وفى بعض سفيقا. وايضا علة اختلاف الشعر تكون من قبل اختلاف الرطوبة، لأنه ربما كانت الرطوبة مائية وربما كانت دسمة. وبقول عام طباع الجلد موضوع ارضى. والرطوبة تكون فى ظاهر الجسد فاذا تحللت تلك الرطوبة وانفشت فى البخار يكون الباقى منها صلبا سفاقيا، وليس يكون الشعر وما يلايمه من الجسد بل من الجلد اذا انفشت الرطوبة التى فيه وصارت بخارا. ولذلك يكون الشعر غليظا من الجلد الغليظ والدقيق من الجلد الدقيق. فاذا كان الجلد ثخينا سخيفا يكون الشعر ايضا غليظا لحال كثرة الجزء الارضى وعظم السبل. واذا كان الجلد سفيقا يكون الشعر دقيقا لدقة ولطف السبل. وايضا ان كان الندى الذى فى الجلد مائيا سريع اليبس لا يكون للشعر عظم ولا طول. وان كان ذلك الندى دسما فهو على خلاف ما ذكرنا، لأن الدسم لا ييبس عاجلا. ولهذه العلة يكون الحيوان الغليظ الجلد غليظ الشعر ايضا*** مثل شعر الخنازير فانه اغلظ من شعر البقر ومن شعر الفيلة لغلظ الجلد. واختلاف شعر ساير الحيوان يكون من قبل هذا السبب. وطول شعر راس الانسان لهذه العلة، اعنى لأن جلد الراس غليظ جدا وفيه رطوبة كثيرة وسبل الراس سخيفة جدا. ولذلك يطول ويقصر شعر الراس، فانه يطول اذا لم تكن الرطوبة التى فى الجلد سريعة اليبس. ولا يسرع اليها اليبس لحال علتين، اعنى لحال الكمية ولحال الكيفية، فانه اذا كانت الرطوبة كثيرة لا تيبس عاجلا واذا كانت الرطوبة دسمة لا يسرع اليبس فيها. ولهذه العلة يطول شعر رؤس الناس جدا، لأن الدماع رطب بارد فهو يمد الشعر رطوبة كثيرة. فاما شعر الجعد والسبط فهو يكون من قبل البخار الذى فيه، لانه ان كان البخار دخانيا حارا يابسا يكون الشعر جعدا. فانه يلتوى لأنه يذهب مذهبين من اجل ان الجزء الارضى يذهب الى الناحية السفلى والحرارة تذهب الى الناحية العليا. فالشعر يلتوى ويكون جعدا لضعفه. وهو يمكن ان توجد العلة من مثل هذا النوع، ويمكن ان نقول ايضا ان ذلك يكون من قبل قلة الرطوبة التى فى الشعر وكثرة الجزء الارضى الذى فيه، فذلك الجزء الارضى ييبس من الجو المحيط بنا وينقبض ويكون جعدا. فان السبط يلقى ذلك اذا تنفشت الرطوبة التى فيه مثل العرض الذى يعرض للشعر من النار، فانه ينقبض ويلتوى، ولأن الشعر قليل الحرارة يلتوى وينقبض من حرارة الجو المحيط بنا ويكون جعدا. والعلامة الدليلة على ذلك من قبل ان الشعر الجعد يكون اكثر جساوة من السبط لأن اليابس جاسى. وانما يكون الشعر السبط فى الحيوان من كثرة الرطوبة، لأن الرطوبة تسيل سيلا حتى تصير الى الشعر ولا تتقطر. ولهذه العلة يكون شعر الذين يسكنوا فى البلدة التى تسمى باليونانية بنطوس فالبلدة التى تسمى اتراكية سبط لأن مزاجهم رطب والهواء المحيط بهم ايضا رطب. فاما الحبشة والذين يسكنوا فى البلدان الحارة فشعورهم جعد لحال يبس ادمغتهم ويبس الهواء المحيط بهم. ويكون بعض الحيوان الغليظ الجلد دقيق الشعر لحال العلة التى ذكرنا فيما سلف، فانه بقدر دقة السبل تكون دقة الشعر باضطرار. ولذلك يكون شعر الغنم على مثل هذه الحال، فان الصوف كثرة شعر. وبعض الحيوان لين الشعر ليس بدقيق جدا مثل شعر الارنب، والاختلاف الذى بينه وبين شعر الغنم بين، فان شعر هذا الحيوان فى ظاهر الجلد. ولذلك ليس له طول ويعرض له مثل العرض الذى يعرض لما يركب من الكتان، فانه لين وليس له طول ولا يضفر. فاما الغنم الذى يأوى فى الاماكن الباردة فهو يعرض له خلاف العرض الذى يعرض للناس ولهذه العلة يكون شعر الترك لينا، فاما الغنم الذى يأوى فى البلدة التى تسمى باليونانية صورماطا فهو جاسى الشعر اعنى الصوف. وعلة ذلك الذى ذكرنا من العرض الذى يعرض لجميع الحيوان البرى لأن البرودة تجسى لأنها تجمد وتيبس، واذا انعصرت الحرارة تنفش بها الرطوبة ويكون الجلد والشعر ارضيا يابسا***. والعلامة الدليلة على ما ذكرنا من قبل العرض الذى يعرض للقنافذ التى تكون فى بنطوس وهى القنافذ التى تستعمل فى تقطير البول. وعلة ذلك من قبل ان مأواها فى بحر بارد لكثرة عمقه، فانها تكون فى عمق قدر ستين باعا او اكثر من ذلك، وهذه القنافذ صغار الجثث ولها شوك كبير جاسى. فاما كبرتها فلحال ميل نشو الجسد اليها لقلة حرارتها ولأنها لا تنضج الغذاء ففى اجسادها فضلة كثيرة، وانما يتولد الشعر وكلما يشبهه من فضلة. فاما جساوة شوكها وكينونتها مثل الحجارة فمن قبل البرودة الزمهريرية. وبمثل هذا النوع يعرض ان تكون ساير الاشياء النابتة اجسا وتكون ارضية شبيهه بحجارة، ولا سيما فى ناحية الشمال فانها تكون على مثل هذه الصفة اكثر مما تكون فى ناحية الجنوب، وما يكون فى ناحية كثرة الرياح اكثر مما تكون فى الوطأ والاعماق، لأن جميع هذه الاشياء التى تكون فى مثل هذه الاماكن تبرد بردا اكثر وتخرج منها الرطوبة وتصير بخارا. فباضطرار تكون جاسية فتذهب عنها الحرارة وتبقى البرودة غالبة.*** ومع الحرارة تنفش الرطوبة لأنه لا يمكن ان تكون رطوبة من الرطوبات بغير حرارة. والبرودة لا تجسى فقط بل يصير الجسد سفيقا ايضا فاما الحرارة فهى تصير الجسد سخيفا. ولهذه العلة اذا طعن فى سن الحيوان الذى له شعر يكون شعره اجسا مما كان اولا ويكون ريش الحيوان الذى له ريش اجسا ايضا ويكون قشور الحيوان الذى له قشور اجسا ايضا، لأن الجلود تكون اغلظ واجسا ايضا. ويكون عند كبر الحيوان لحال اليبس*** ولكبره نقص الحرارة وذهاب الرطوبة مع الحرارة. والرجال خاصة يكونوا صلعا من بين ساير الحيوان. وهذه الآفة عامة كلية. فان بعض الشجر لا يلقى ورقه وبعضه يلقى الورق، والطير الذى يعشش يلقى ريشه. والصلعة آفة مثل هذه الآفات وهى تعرض للرجال لأن وقوع الشعر قليلا قليلا شبيه بوقوع ورق الشجر رويدا رويدا، والريش ايضا يقع وينبت غيره، فاما اذا كثر وقوع الشعر ولم ينبت غيره فحينئذ يسمى صلعة*** وانما علة هذه الآفة نقص الرطوبة الحارة والرطوبة الدسمة تكون مثل هذه خاصة. ولذلك لا يلقى ورقه الشجر الذى فيه الرطوبة دسمة. وسنذكر علة ذلك فى غير هذا المكان ، لأنه مع العلة التى ذكرنا تكون علل أخر لهذه الآفة. فاما الشجر فهذا العرض يعرض له فى الشتاء لأن تغيير هذا الزمان اقوى واغلب من تغير القرون، ومثل هذا العرض يعرض للحيوان الذى يعشش، فان طباعه اقل رطوبة وحرارة من طباع الرجال. فاما الناس فتنقل قرونهم يشبه الازمان التى تغير اعنى الصيف والشتاء. ولذلك لا تكون الاحداث صلعا قبل، فاذا جامعوا عرضت لهم الصلعة ولا سيما اذا كان طباعهم ابرد من طباع غيرهم. والدماغ بارد جدا اكثر من جميع الجسد، والجماع يبرد، لأنه يخرج الحرارة النقية الطباعية. فبحق يحس بالبرد الدماغ اولا. والتغيير يستبين فى العضو الاضعف قبل غيره. فان فكر احد فى قلة حرارة الدماغ علم انه باضطرار يكون الجلد المحيط به مثله، وطباع الشعر النابت من الجلد ايضا، فبحق تعرض آفة الصلعة عند خروج الزرع. ولحال هذه العلة تكون الصلعة فى مقدم الراس فقط. وانما يكون الرجال صلعا فقط من بين ساير الحيوان، ومقدم الراس يصلع من قبل كينونة الدماغ هناك، فان الدماغ فى ذلك الموضع كثير جدا ودماغ الانسان خاصة كثير رطب. ولهذه العلة لا يكن النساء صلعا، لأن طباعهن شبيه بطباع الصبيان من قبل انه ليس للنساء والصبيان علة زرعية. ولا يكون الخصى ايضا اصلعا لحال تغيير مزاج جسده الى مزاج الانثى. واذا كان واحد خصى إما لا ينبت له الشعر الذى ينبت فى أخرة وإما يلقيه إن خصى بعد نباته ما خلا شعر العانة، فان للنساء ايضا شعر فى العانة. وانما تصيب هذه الآفة الخصيان من قبل تغير اجسادهم من طباع الذكورة الى طباع الاناث. والعلة التى من اجلها ينبت الشجر ورقا بعد القايه الورق الاول، والحيوان الذى يعشش ينبت ريشا وشعرا بعد القايه الشعر والريش الاول، فاما الانسان فليس ينبت له شعر بعد وقوع الشعر الاول، من قبل ان هذه الآفة تعرض للشجر وساير الحيوان من تغيير الازمان، فانها تلقى وتنبت بقدر تغيير الصيف والشتاء يعنى ان الشجر يلقى ورقه وينبت غيره والحيوان يبدل شعره. فاما الانسان فهو يلقى ذلك بقدر تغيير القرون فان تغير قرون الانسان يشبه تغير الشتاء والربيع والصيف والخريف فلأن هذه القرون لا تتغير لا يمكن ان تتغير الآفات التى تعرض فى إبانها ايضا، وان كانت علة جميع ما ذكرنا واحدة. فقد اكتفينا بما ذكرنا فى حال الشعر. 4 - فاما علة الالوان فى ساير الحيوان اعنى علة اللون الواحد واللون المختلف فمن قبل طباع الجلد. فاما لون الشعر فليس يختلف فى الناس ما خلا البياض الذى يعرض له ليس من قبل الكبر بل من قبل مرض حادث، مثل بياض الشعر الذى يعرض من الداء الذى يسمى وضح، فان الشعر يبياض مع الجلد. فاما اذا ابياض الشعر لحال الكبر فليس يبياض الجلد مع بياضه. وعلة ذلك من قبل ان هذا الداء يكون فى الجلد فاذا ابياض الجلد باضطرار يبياض الشعر ايضا***. فاما بياض الشعر اعنى الشيب فهو يكون لضعف الحرارة التى تخرج من الجسد وعلة البرد. فان الكبر يصير الجسد باردا يابسا. فينبغى لنا ان نفهم ونعلم ان فى كل عضو غذى ينتهى اليه وانما ينضج ذلك الغذى من الحرارة الطباعية التى فى كل واحد من الاعضاء، فاذا ضعفت تلك الحرارة فسد الغذى ويعرض للعضو إما ضرورة وإما مرض. وسنذكر هذه العلة ذكرا ألطف فى الاقاويل التى فى الغذاء والنشو فى أخرة. فاذا كان طباع الشعر قليل الحرارة فى بعض الناس والرطوبة التى تدخل من خارج اكثر من الحرارة التى فى الجسد يعفن من حرارة الهواء المحيط بنا لضعفها عن الطبخ والنضوج. وكل عفونة تكون من حرارة وليس من الحرارة الطباعية كما قلنا فى اماكن أخر بل من حرارة عرضية. والعفونة تعرض للماء وللارض ولجميع الاجساد التى مثل هذه، ومن البخار الارضى تكون ايضا عفونة تتكرش منها الاجساد وتفسد. فالغذى الارضى الذى فى الشعر اذا لم ينضج حسنا يعفن ويكون من ذلك الشيب. وانما يكون الشعر ابيض لأن البياض يشبه بتكرش الاجساد. وعلة ذلك من قبل ان فيه هواء كثير من اجل ان فى كل بخار ارضى قوة هواء غليظ والتكرش الذى يعرض للاجساد مثل ضد للجليد، فانه ان جمد البخار الذى يصعد يكون منه جليد وان عفن يكون منه تكرش. ولذلك يكون هاذان العرضان فى ظاهر الاجساد، لأن البخار يكون فى ظاهر. وقد اصابت الشعراء حيث سموا الكبر والعجز تكرشا وجليدا، لأن احدهما بالجنس والآخر بالصورة هو فهو، لأن الجليد من البخار والتكرش ايضا منه، وكلاهما بالصورة عفونة. والعلامة الدليلة على ذلك من قبل ان كثيرا من الناس مرضوا امراضا شديدة فابيض شعر اجسادهم. فلما بروا ونقهوا اسود ذلك الشعر ايضا. وعلة ذلك من قبل نقص الحرارة الطباعية التى تعرض للاجساد فى تلك الامراض، فان ضعف تلك الحرارة يعرض لما صغر جدا من الاعضاء كما يعرض لما كبر منها. *** ولذلك يكون الشيب فى الامراض لحال الغذاء الذى فى اللحم اذا ضعفت الحرارة عن طبخه. فاذا جاء البرو وعادت القوة اسود ذلك الشعر ايضا، والذى يعرض له هذا العرض شبيه بشيخ تغير وصار شابا لحال تغير الجسد. وهو من القول المستقيم ان يسمى المرض كبرا عرضيا ويسمى الكبر والعجز مرضا طباعيا. فبعض الامراض تفعل مثل فعال الكبر. فاما شعر الصدغين فهو يبياض ويشيب اولا من قبل ان مؤخر الراس خال من الرطوبة لأنه ليس فيه دماغ، فاما ناحية اليافوخ ففيه رطوبة كثيرة واذا كثرت الرطوبة لا تسرع فيها العفونة. فاما الصدغان فليس فيهما رطوبة قليلة بقدر ما ينضج ولا فيهما رطوبة كثيرة بقدر ما لا يعفن. والصدغان فيما بين هاتين الآفتين ولذلك يبياض شعر الصدغين قبل غيره. فقد ذكرنا علة شيب الناس. 5- والعلة التى ذكرنا اعنى علة الصلع تكون علة عدم الشيب فى ساير الحيوان لحال تغير هذا الفن فان التغيير لا يكون بينا فى ساير الحيوان من قبل السن. وذلك لأن الدماغ الذى يكون فى رؤس ساير الحيوان قليل رطب ولذلك لا تضعف الحرارة عن طبخه. والشيب يظهر فى الخيل خاصة من بين ساير الحيوان لدقة عظام رؤسها بقدر قياسها الى عظم اجسادها، وانما اعنى دقة العظام المحيطة بالدماغ. والدليل على ذلك من قبل ان الضربة التى تصيب تلك العظام مميتة وخاصة الضربة التى تصيب الصدغين. وقد اصاب اميروس الشاعر حيث ذكر الصدغين فى شعره وقال حيث اول شعر الخيل النابت فى الصدغين وهى الاماكن المميتة جدا اذا اصابها جرح. فان الرطوبة التى فى الصدغين تسيل عاجلا لحال دقة العظم، فاذا نفدت الحرارة لحال السن يبياض شعر الصدغين. والشعر الاشقر يبياض اسرع من الشعر الاسود لأن الشقرة والحمرة مثل امراض تصيب الشعر. وجميع ما يضعف من الحيوان يشيب عاجلا. ويزعم بعض الناس ان الغرانيق اذا كبرت تكون الوانها سود. وعلة هذه الآفة من قبل ان طباع ريش الغرانيق ابيض، فاذا كبرت كثرت الرطوبة فى ريشها ولا تسرع اليها العفونة. والدليل على ان الشيب يكون بنوع من انواع العفونة وليس هو يبسا كما ظن بعض الناس من قبل ان الشعر الذى يغطى يشيب عاجلا، لأن الغطاء مما يمنع الرياح والرياح تدفع العفونة ومن الغطاء يكون عدم التنفس. والدهن بالماء والزيت المخلوط مما يدفع الداء الذى ذكرنا، لأن الماء*** ييبس عاجلا. فليس الشيب بيبس، ولا يبياض الشعر مثل ما يبياض كثير من الاجساد اذا يبس. وربما خرج الشعر وهو ابيض من اصله. *** وربما ابياضت اطراف الشعر، لأن الحرارة التى فى الاطراف قليلة. فاما ساير الحيوان الذى يكون فى جسده شعر ابيض فهو يكون من الطباع ليس من مرض. فاما علة الوان الشعر فمن قبل الجلد فى ساير الحيوان، لأنه اذا كان الجلد ابيض كان الشعر ابيض، واذا كان الجلد اسود كان الشعر اسود ايضا، واذا اختلفت الوان الجلد اختلفت الوان الشعر ايضا. فاما فى الناس فليس لون الجلد علة لون الشعر. فمن الناس من جلده ابيض جدا وشعره شديد السواد. وعلة ذلك من قبل ان جلد الانسان دقيق جدا اكثر من جلد ساير الحيوان بقدر عظمه، ولذلك لا يقوى جلد الانسان على تغيير الشعر بل يتغير لون الجلد ايضا لضعفه، ويتبدل لونه [ويكون ] من الشمس ومن الرياح الى السواد <اكثر> ما هو. فاما الشعر فلا يتغير مع تغير الجلد. فاما فى ساير الحيوان فلجلد قوة مثل قوة الارض لحال غلظه، ولذلك يتغير الشعر بتغيير الجلد ولا يتغير الجلد من الرياح والشمس. 6- ولبعض الحيوان لون واحد. وذلك اذا كان لكل جنس لون واحد مثل لون الاسد، فان لون جميع الاسد احمر، ولذلك يعرض هذا العرض للطير والسمك وحيوان أخر بمثل هذا النوع. ومن الحيوان ما يكون كثير الالوان، وربما كان لون كل جسده واحدا مثل البقر، فانه ربما كان كل جسد البقرة ابيض اللون، وربما كان اسود اللون وربما كان مختلف اللون. واختلاف الالوان يكون بنوعين، اعنى انه ربما كان من قبل الجنس مثل الفهد والطاوس وبعض السمك مثل الجنس الذى يسمى باليونانية تراطا. وربما لم يكن من قبل كلية الجنس بل يكون بعضه مختلف الالوان مثل ما يعرض للبقرة والمعزى وبعض الطير مثل الحمام واجناس أخر من اجناس الطير. والحيوان المنسوب الى كثرة الالوان يقبل تغير الالوان اكثر من الحيوان الذى ينسب الى اللون الواحد،*** فهو ينتقل من اللون الابيض الى اللون الاسود ومن الاسود الى الابيض لأن اللون مخلوط من كليهما، وذلك فى كلية الجنس اعنى ان فى الطباع ان يكون قابلا ليس للون واحد بل لالوان شتى، والطباع سريع الحركة التى تنقل بعض الالوان فى بعض. فاما جنس الحيوان الذى له لون واحد فعلى خلاف ما ذكرنا، لأنه لا يغير لونه الا لحال آفة او مرض وذلك فى الفرط. فقد ظهرت قبجة بيضاء وغراب، وعصفور ودب. وانما تعرض هذه الاعراض اذا انتقلت هذه الاصناف من وقت الولاد. والصغير سريع الحركة سريع الفساد والذى يكون انما يكون مثل هذا. والمبدأ يكون فى صغار الاشياء. وخاصة تغير الوان اجناس الحيوان التى تكون من قبل الطباع كثيرة الالوان ويكون تغيير الوانها لحال اختلاف المياه فان المياه الحارة تصير الشعر ابيض والمياه الباردة تصير الشعر اسود، كما يعرض لاصناف الشجر ايضا. وعلة ذلك من قبل ان فى المياه الحارة ريح اكثر من الماء. فاذا صفا الهواء صار منه بياض كما يعرض للزبد. فمثل اختلاف الوان الجلد التى تكون من الطباع والتى تكون من مرض يكون اختلاف الوان الشعر ايضا فان الوانه تختلف لحال مرض ولحال القرون ولحال الطباع. والبياض يعرض للشعر من جميع هذه العلل فربما كان البياض من الحرارة الطباعية وربما كان من الحرارة الغريبة، وانما يكون البياض من هواء بخارى محتبس فى جميع الاعضاء. ولهذه العلة تكون الوان ما تحت بطون الحيوان الذى لا ينسب الى لون واحد اشد بياضا من غيره. لأنه اكثر دفأ ولحمه اطيب والذ من غيره لحال العلة التى هى فهى، فان النضوج يصير اللحم طيبا وانما يكون النضوج من الحرارة. وهذه علة الحيوان المنسوب الى لون واحد ايضا اعنى الحيوان الاسود او الابيض اللون، فان الحرارة والبرودة علل طباع الجلد والشعر، لأن فى كل واحد من الاعضاء حرارة خاصة له. وايضا تختلف الالسن فى اجناس الحيوان المبسوطة والمختلفة الالوان اعنى بقولى المبسوطة الاجناس البيض الالوان والاجناس السود الالوان. وعلة ذلك ايضا العلة التى وصفنا فيما سلف اعنى ان جلود الحيوان الكثير الالوان مختلفة الالوان ايضا، واذا كان الجلد اسود اللون كان الشعر ايضا اسود اللون، واذا كان الجلد ابيض اللون كان الشعر ايضا ابيض اللون وينبغى ان نظن ان اللسان مثل عضو واحد من الاعضاء التى فى ظاهر البدن ولا ينظر ذلك لأن الفم يستره فهو مثل يد او رجل او شىء آخر من هذه الاعضاء. فاذا كان الجلد مختلف اللون يكون جلد اللسان مختلف اللون ايضا. وبعض اجناس الطير والحيوان البرى الذى له اربعة ارجل تغير الوانها بقدر تغيير الازمان. وعلة ذلك من قبل انه كما يصيب الناس التغيير من قبل القرون كذلك يصيب هذه الاصناف من تغيير الازمان. فان اختلاف الازمان اقوى من اختلاف القرون. والحيوان الذى يأكل اصنافا كثيرة من الطعام مختلفة الالوان اكثر ذلك، وهذا العرض يعرض بحق ولذلك صار لون النحل واحدا. فاما لون الدبر الاحمر والاصفر فمختلف. واصناف الطعام تكون عل تغير الالوان وبحق تكون حركات مختلفة وفضول غذى مختلفة من الطعام المختلف، ومن تلك الفضول يكون الجلد والشعر والقشور والريش. فقد ميزنا وبينا حال اللون والشعر بقدر هذا الفن. 7- فاما اختلاف الصوت، اعنى ان بعض الحيوان يكون ثقيل الصوت وبعضه حاد الصوت وبعضه قوى معتدل فيما بين الحدة والثقل وبعضه عظيم الصوت، وبعضه صغير الصوت وربما كان الصوت حسنا وربما كان على خلاف ذلك، فينبغى لنا ان ننظر ايضا علل كل واحد من الاختلاف الذى وصفنا. وينبغى ان نظن ان علة حدة وثقل الصوت من قبل التغيير الذى ذكرنا اعنى تغيير القرون. فان صوت ما حدث من الحيوان يكون احد من صوت المسن. وجميع اصناف الحيوان حادة الصوت فى حداثة سنها، فاما عجول البقر فعلى خلاف ذلك لأن اصواتها اثقل من اصوات ما كان من البقر مسنا. ومثل هذا العرض يعرض للذكورة والاناث، فان فى ساير الاجناس تكون اصوات الاناث احد من اصوات الذكورة. وذلك خاصة بين فى الناس، لأن الطباع وهب لهم هذه القوة لأن الناس فقط يستعملوا الكلام من بين ساير الحيوان، وانما هيولى الكلام الصوت. فاما فى البقر فهذا العرض يعرض على خلاف ما ذكرنا اعنى ان اناث البقر تصوت اصواتا اثقل من اصوات الذكورة. وقد ذكرنا فى الاقاويل التى وضعنا على الحس والاقاويل التى وضعنا فى النفس العلل التى من اجلها للحيوان صوت وماذا صوت وماذا دوى. فاما الصوت الثقيل فهو يكون من الحركة الثقيلة، والصوت الحاد يكون من الحركة السريعة. فلأن المحرك علة الحركة الثقيلة والسريعة مثل المحرل يهيج، ها هنا مسألة عويص. فان بعض الناس يزعم ان الكثير يتحرك حركة ثقيلة والقليل يتحرك حركة سريعة، وهذه العلة التى من اجلها يقال بعض الحيوان ثقيل الصوت وبعض الحيوان حاد الصوت. وفى قولهم صواب بنوع وخطأ بنوع. فقولهم ان الثقيل يكون من عظم المتحرك صواب، ولذلك يكون التصويت بصوت صغير ثقيل عسر جدا والتصويت بصوت كبير حاد ايضا غير ممكن. ونظن ان ثقل الصوت منسوب الى طباع الاقوى، وفى الالحان اللحن الثقيل اجود من غيره لأن التام يكون فى الزيادة وانما الثقل صنف من اصناف الزيادة. ولكن اذ قد علمنا ان الثقيل والحاد مختلفان ويكونان فى صوت الكبير وصوت الصغير، فانه يمكن ان تكون حدة صوت عظم صوت وصغر صوت ثقل صوت، وكذلك ايضا صوت الاوسط. <ف>ينبغى ان نبين هذه الاصناف تمييزا آخر اعنى عظم اصوات وصغر اصوات ولا نميز بكثرة وقلة المتحرك. فان كان الحاد والثقيل بقدر التميز الذى يقال له سيعرض ان يكون صغر الصوت*** وثقل الصوت شيئا واحدا هو فهو. وهذا كذب. وعلة ذلك من قبل ان الصغير والكبير <والكثير> والقليل تقال بانواع شتى لأنها تقال بنوع مبسوط وتقال بقياس بعضها الى بعض. فالصوت الكبير يكون اذا كان المتحرك كبيرا بقول مبسوط وصغر الصوت يكون اذا كان المتحرك قليلا بنوع مبسوط. فاما حدة الصوت وثقل الصوت <ف>يكونان من قياس بعضها ببعض، ولذلك تكون فيه هذه الفصول. فانه ان كانت قوة المتحرك زايدة على قوة المحرك باضطرار تكون حركة المتحرك ثقيلة، فاما إن كانت قوة المحرك غالبة على قوة المتحرك تكون الحركة سريعة. فاما القوى فلحال قوته ربما حرك حركة بطيئة وربما حرك حركة سريعة لحال غلبته. وبقدر هذا الفن تكون المحركة للمتحركة الضعيفة، فانها اذا حركت اكثر من القوة تكون الحركة بطيئة واذا حركت اقل من القوة تكون الحركة سريعة. فهذه علل هذه المضادات اعنى العلل التى من اجلها لا تكون جميع احداث الحيوان حادة الاصوات ولا ثقيلة الاصوات ولا ما طعن منها فى السن ولا الذكورة ولا الاناث. وربما كانت اصوات المرضى حادة واصوات الاصحاء كمثل، وربما كان الشيوخ احد صوتا من غيرهم وقرن يخالف لقرن الشباب. فكثير من الاناث وشباب الحيوان يصوت اصواتا حادة لأنها لحال الضعف تحرك هواء قليلا. والقليل يتحرك حركة سريعة والسريع فى الصوت حاد. فاما العجول واناث البقر فهى تصوت مثل الاصوات التى وصفنا العجول لحال القرن والاناث لحال طباعها، اعنى انه لضعفها ليس لها العضو الذى به تحرك قوى فاذا حركت كثيرا صارت اصواتها ثقيلة، لأن الذى يصوت صوتا بطيئا ثقيلا والهواء الكثير يتحرك حركة بطيئة. وهذه تحرك هواء كثيرا، فاما الاخرى فهى تحرك هواء قليلا لحال هذه الآلة وتكون حركة الروح سريعة، واذا كان البعد كبيرا باضطرار تكون حركة الهواء كثيرة***. فاما اذا جاز قرن الشباب فهذا العضو المحرك يكون قويا فى كل واحد مما وصفنا ولذلك تتغير الاصوات، والتى كانت حادة الصوت تصير ثقيلة الصوت والتى كانت ثقيلة الصوت تصير حادة الصوت، واذا قيست الى ذاتها. ولهذه العلة تكون الثيران احد اصواتا من العجول واناث البقر. وانما قوة جميع الحيوان فى العصب ولذلك يكون شباب الحيوان اقوى من الاحداث، لأن مفاصل الاحداث ليست بقوية ولا عصبهم ولم يقو عصب الاحداث القوة التى تنبغى وقوة عصب ما طعن فى السن ضعيف ليس بموافق للحركة. والثيران خاصة قوية العصب والقلب. ولذلك يكون العضو المحرك للهواء فى الثيران قويا مثل وتر من عصب ممتد. والدليل على ان طباع قلوب البقر على مثل هذه الحال انه ربما وجد فى قلوب بعضها عظام والعظام،*** العصب. وجميع الحيوان الذى يخصى يتغير وينتقل الى طباع الاناث فلحال ضعف واسترخاء العصب تكون اصوات الحيوان الذى يخصى شبيهة باصوات الاناث*** - فاما نبات الاسنان فهو يكون للحاجة الى قطع وطحن الطعام. وقد قال بعض الناس ان الرضاع يكون علة نبات الاسنان وذلك خطأ لأنه ليس الرضاع الذى يضطر نبات الاسنان بل حرارة اللبن وذلك بين واضح. وانما تنبت الاسنان الحادة قبل العريضة اعنى الاضراس وذلك لأنه يحتاج الى الاسنان الحادة لقطع الطعام اولا وقطع الطعام قبل الطحن وايضا نبات الاصغر يكون من الحرارة قبل نبات الاعظم. والاسنان الحادة اصغر من الاضراس كثيرا وعظم الفك فى ناحية الاضراس اعرض، فاما فى ناحية الفم فهو اضيق. وباضطرار يسيل غذى اكثر من الاعظم ومن الاصغر غذاء قليل. فاما الرضاع فليس يوافق نبات الاسنان بل حرارة اللبن تنبت الاسنان عاجلا. والعلامة الدليلة على ذلك من قبل الصبيان الذين يرضعون لبنا اسخن تنبت اسنانهم اسرع من نبات غيرهم، لأن الحار منشى مربى. والاسنان تقع بعد نباتها لحال الذى هو امثل واجود، فان الحاد تكل عاجلا. فينبغى ان تقع الاسنان التى تنبت اولا ثم تنبت غيرها لحال عملها الذى تحتاج اليه. فاما الاسنان العراض فليس تكل بل تسحق من طول الزمان فقط. والاسنان تقع باضطرار ولا سيما الحادة منها لأن الاضراس فى ناحية الفك العريضة القوية فاصولها نابتة فى عظم قوى. فاما مقاديم الاسنان فاصولها نابتة فى عظم دقيق ضعيف ولذلك تكون سريعة الحركة والوقوع وهى تنبت ايضا فى زمانها.***وربما تنبت الاضراس بعد زمان كثير، فاما اواخر الاضراس فهى تنبت لتام عشرين عاما. وربما تنبت عند الكبر والشيب لحال كثرة الغذاء الذى فى سعة العظم. فاما المقدم فهو يتم عاجلا لحال دقته وليس تكون فيه فضلة بل تفنى الفضلة فى غذائه. فاما ديموقريطوس فترك العلة التى من اجلها تكون الاسنان ونسبها الى الاضطرار ونحن نعلم ان نباتها من قبل الطباع وانما يكون نباتها من اجل شىء ولحال الذى هو امثل. وجميع ما ذكرنا يكون لحال التام وليس شىء يمنع نبات الاسنان ووقوعها ونباتها ثانية لأنها مثل محركة ومثل آلة ومثل هيولى تامة.*** وكذلك يستعمل كثير من آلة المهن فى اشياء كثيرة مثل ما تستعمل مهنة النحاس [و]المرزبة. وكذلك تعمل الروح فى الاشياء المقومة من الطباع. وقول القايل ان العلل باضطرار شبيه بقول القايل ان الماء الذى يخرج من اصحاب الحبن انما يخرج لحال الحديدة التى تبط وليس لحال الصحة.*** فقد ذكرنا علة نبات الاسنان ولماذا تقع بعضها وتنبت ايضا بعد وقوعه وبعضها لا تقع، وبقول كلى لأى علة تكون الاسنان، وقد ذكرنا علل ساير الآفات التى تصير كل واحد من الاعضاء اعنى الآفات التى تعرض ليس من الاضطرار بل لحال شىء ولحال العلة المحركة. تم تفسير القول التاسع عشر من كتاب ارسطاطليس الفيلسوف فى طبايع الحيوان بعون الله وتوفيقه وتم الكتاب والحمد لله دايما وصلى الله على محمد وآله وسلم كثيرا
Unknown page