وذات يوم وقعت الآية العظمى، فإن الأرض الموات الجامدة، قد أنشأت الحياة، وطوفت الخلية الحية الأولى فوق ماء المحيط.
ظلت الخلية الأولى تطوف والتيار يتلقفها بضعة ملايين من السنين، غير أنها كسبت في خلال تلك الأحقاب بضعة خصيات من شأنها أن تجعل عيشها أسهل وأيسر، في أرض لم يكمل بعد تهيؤها للحياة.
ولقد كانت بعض هذه الخلايا أسعد حالا من بعض؛ إذ عاشت في الأغوار المظلمة من البحيرات والبرك، فمدت جذورها في الرواسب المائعة اللزجة التي انحدرت من رءوس التلال؛ وبذلك نشأ النبات. في حين أن خلايا أخر، فضلت أن تظل طليقة متحركة، فخرج منها أرجل ذات مفاصل عجيبة، فكانت أشبه بالعقارب صورة، ومضت تزحف في القيعان البحرية، متنقلة بين النباتات حتى اتخذت صورة السمك الهلامي.
أما غير هذه وتلك، فكانت مخلوقات تكسوها الحراشف، فاعتمدت في حياتها على حركة السبح، للتنقل من مكان إلى مكان سعيا وراء القوت، وعلى مسار الزمن، عمرت المحيطات بالملايين المملينة من صنوف السمك.
ومضى النبات يزداد عددا، منتقلا إلى بيئات أخرى، ذلك بأن قاع البحر، كان قد أفعم به، فلم يبق محل للمزيد منه. ودفعته الضرورة أن يهجر الماء، فشغل حوافي المستنقعات والشواطئ الوحلية تحت قواعد الجبال. لقد كان البحر يغشاه بمده مرتين كل يوم فيغمره بأجاجه.
ومر الزمن.
فحاول النبات أن يتخلص من بيئته غير المواتية، وعمل على أن يعيش في الطبقة الهوائية التي تغلف هذا السيار. وبعد قرون عديدة من المرانة والتمرس عرف كيف يعيش سالما في الغلاف الجوي، كما عاش في الماء، وزاد حجمه، فصار عشبا ثم شجرا، ثم عرف كيف يخرج زهرا جميلا يجذب إليه النحل، ويلفت إليه الطير الذي حمل بزوره، فنشرها في كل مكان، حتى أصبح وجه الأرض مكسوا بالمراعي الخضر النضيرة.
إن بعضا من الأسماك أيضا أخذت تترك البحر، فقد تعلمت كيف تتنفس برئات وخياشيم معا، بدلا من الخياشيم وحدها. وضع لها العلماء اسم «البرمائيات»؛ أي التي تستطيع أن تعيش في البر وفي الماء. وحياة الضفدعة التي تقفز من تحت قدميك، قد تقص عليك كل ما يتعلق بتفاصيل الوجودين اللذين يتمتع بهما الحيوان البرمائي.
لما خرجت هذه الحيوانات من الماء أول الأمر، أخذت تعتاد الحياة في البر شيئا بعد شيء، وما لبث بعضها أن صار زاحفا كالعظايا، وأخلد إلى الحياة الهادئة في جوف الحراج يعايش الحشرات، أو ينام مسترخيا في ظل الأشجار العظيمة.
من أجل أن تتمكن من سرعة الحركة فوق الأرض اللينة، أخذت أرجلها تتطور وتتكيف بما يلائم ذلك، وزادت أحجامها، وامتلأت الأرض بصورها الضخام العظام، فبلغ بعضها ثلاثين أو أربعين قدما طولا. وكان بها قوة وعنفوان، فأخذت تداعب الفيلة، كما يداعب السنور الكبير جراءه الصغار.
Unknown page