Fi Adab Misr Fatimiyya

Muhammad Kamil Husayn d. 1380 AH
93

Fi Adab Misr Fatimiyya

في أدب مصر الفاطمية

Genres

ويقول القفطي: إن ابن يونس كان يقصد تحرير زيج جامع كبير يدل على أن صاحبه كان أعلم الناس بالحساب.

11

وهذا الزيج هو الذي سار عليه منجمو مصر بعده، ويذهب المقريزي إلى أنه عمل للأفضل بن بدر الجمالي مائة تقويم لاستقبال سنة خمسمائة من الهجرة، وكان منجمو الحضرة يومئذ: ابن الحلبي، وابن الهيثمي، وسهلون وغيرهم، يطلق لهم الجاري في كل شهر، والرسوم والكسوة على عمل التقويم في كل سنة، فإذا كان في غرة السنة حمل كل منهم تقويمه، فيقابل بينها وبين التقويمات المحضرة من الشام، فيوجد بينها اختلاف كثير، فأنكر ذلك، فلما كان غرة ثلاث عشرة وخمسمائة عند إحضار التقاويم على العادة، جمع المنجمين والحساب وأهل العلم، وسألهم عن السبب في الاختلاف بين التقاويم، فقالوا: الشامي يحسب ويعمل على رأي الزيج المهجور المأموني، ونحن نعمل على رأي الزيج الحاكمي لقرب عهده، وبين المتقدم والمتأخر تفاوت وخلف. ثم أشاروا عليه بعمل رصد مستجد، وأشار عليه أبو الحسن بن أبي أسامة أن يتولى ذلك القاضي ابن أبي العيش الطرابلسي المهندس العالم، ولكن الأفضل غضب على ابن أبي العيش، وولى بدله أبا سعيد بن قرفة الطبيب، فنشط في إقامة المرصد، وساعده جميع المهندسين وعلماء الحساب والتنجيم إلى أن قتل الأفضل سنة 515ه، وولي الوزارة المأمون البطائحي، فأحب أن يتم هذا الرصد على أن يعرف بالرصد المأموني المصحح، واستمر العمل إلى أن قتل الوزير البطائحي سنة 518ه، فوقف العمل به.

وكان من المهندسين الذين اشتركوا في إقامة هذا الرصد: أبو جعفر بن حسنداي، والقاضي ابن أبي العيش، وأبو الحسن علي بن سليمان بن أيوب، وأبو النجا بن سند الساعاتي الإسكندراني المهندس، وأبو محمد عبد الكريم الصقلي وغيرهم. ومن الحساب والمنجمين: ابن الحلبي، وابن الهيثمي، وأبو النصر تلميذ سهلون، وابن دياب، والقلعي وغيرهم.

12

وكان الخليفة الحافظ مغرما بعلم النجوم، وله عدة من المنجمين،

13

ومما يدل على شدة عناية الفاطميين بحركات الكواكب ما يرويه ابن السنيدي، وكان من أهل الخبرة بعمل الأصطرلاب والحركات: أن الوزير الجرجرائي تقدم سنة 435 فأمر بعمل فهرست لخزانة الكتب، وبرم ما أخلق من جلودها، وأنفذ القاضي القضاعي وابن خلف الوراق ليتوليا ذلك، وحضر ابن السنيدي ليشاهد ما يتعلق بصناعته، قال: «فرأيت من كتب النجوم والهندسة والفلسفة خاصة ستة آلاف وخمسمائة جزء، وكرة نحاس من عمل بطليموس، وكرة أخرى من عمل أبي الحسين الصوفي للملك عضد الدولة، وزنها ثلاثة آلاف درهم، قد اشتريت بثلاثة آلاف دينار.»

14

من هذا كله نستطيع أن ندرك مدى عناية الفاطميين بهذا اللون من العلم، ولكن الفاطميين لم يكونوا بدعا في ذلك كله، فهم ليسوا بأول من رصدوا النجوم، وجعلوا رابطة بين الكواكب العلوية والعالم السفلي وتأثير حركات الكواكب في الأرض، فهذا كله قديم معروف قبل ظهور الإسلام وبعد الإسلام؛ ففي أوائل قيام الدولة العباسية عني أبو جعفر المنصور بالتنجيم والنجوم، وترجم له السندهند، وجاء خلفاء العباسيين واقتدوا به حتى أصبح للتنجيم شأن كبير عندهم، وجعلوا للمنجمين رواتب، واستشارهم الخلفاء في أحوالهم الإدارية والسياسية، وليس ببعيد عن أذهاننا قصة فتح عمورية، وقصيدة أبي تمام التي مطلعها:

Unknown page