Fi Adab Misr Fatimiyya
في أدب مصر الفاطمية
Genres
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع الإفرنجية
في أدب مصر الفاطمية
في أدب مصر الفاطمية
تأليف
محمد كامل حسين
مقدمة الطبعة الأولي
هذا الكتاب «في أدب مصر الفاطمية»، حلقة جديدة من سلسلة: «أدب مصر الإسلامية»، وكان من حقه أن يكون بين يدي الجمهور منذ خمسة عشر عاما، ولكننا لم نشأ أن نخرجه للناس قبل أن نعطيهم صورة صحيحة لتلك النزعة الدينية التي تمايز بها عصر الفاطميين عن غيره من عصور مصر؛ فقد خضعت مصر لهذا المذهب الديني، واتخذها أئمة هذا المذهب قاعدة ملكهم، فأصبح هذا المذهب هو المحور الذي تدور عليه الحياة المصرية من اجتماعية وسياسية وفكرية وأدبية، بحيث لا نستطيع أن نعرف حقيقة هذه الألوان المختلفة من الحياة المصرية في عصر الفاطميين إلا على ضوء عقائد هذه الفرقة من فرق المسلمين.
أدركنا هذه الحقيقة، وقرأنا الكتب التي تحدثت عن الفاطميين وعقائدهم، فرأينا هذه الكتب تعطينا صورا متناقضة أشد التناقض عن عقائد الفاطميين بحيث لا يستطيع أن يطمئن إليها باحث؛ ففي الوقت الذي نرى فيه هذه الكتب تذهب إلى أن الفاطميين أقاموا دولتهم على أساس ديني إسلامي، وأن الخلفاء الفاطميين اتخذوا سندهم من نسبتهم إلى الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم ، وأن الفاطميين احتفلوا بالأعياد الدينية الإسلامية احتفالا لم يعهد من قبل، وأنهم أسسوا المساجد لإقامة الصلوات، وكانوا يخرجون لإمامة الناس والخطبة في الأعياد، إلى غير ذلك من المظاهر التي تشعر بأن الفاطميين كانوا من أشد الناس حرصا على الإسلام وتقاليد المسلمين، في الوقت نفسه نرى هذه الكتب أيضا تذهب إلى أن الفاطميين كانوا يقولون بالإباحة وتحليل ما حرمه الله تعالى، ونبذوا الصلاة والصوم والحج، بل عملوا على طرح الأديان، ودانوا بالتناسخ والحلول والتلاشي، وادعوا معرفة الغيب ... إلى غير ذلك. قرأنا ذلك كله، وعجبنا أشد العجب لهذا التناقض الذي وقع فيه القدماء والمحدثون، فحرصنا على أن نرجع إلى كتب دعوة الفاطميين، وراعنا أن القاهرة التي أنشأها الفاطميون وكانت قاعدة ملكهم الواسع، لا تحتفظ بكتاب واحد من كتب الدعوة، فسعينا إلى البحث في غير مصر، وكان السعي شاقا عسيرا كلفنا من الجهد والمال الشيء الكثير، وما حيلتنا إذا كانت أكثر كتب الدعوة في حوزة طاهر سيف الدين الذي لقب نفسه بسلطان البهرة، وزعم أنه الداعي المطلق لإمام مستور من نسل الأئمة الفاطميين، وهو رجل شحيح بهذه الكتب على الباحثين بدعوى أنها كتب الدعوة السرية، ولكن حجته هذه أوهى من بيت العنكبوت؛ فإن الأئمة الفاطميين - الذين ورث دعوتهم - لم يستروا علومهم، بل عملوا على نشرها وإذاعتها: شجعوا العلم والعلماء، وأنشئوا دار العلم وخزائن الكتب ليطلع عليها من يشاء متى يشاء، وكانوا يطلبون من العلماء تأليف الكتب على النحو الذي سنراه في هذا الكتاب، فطاهر سيف الدين الآن يعمل عكس ما عمله الأئمة، ويأتي بآراء لم نعهدها في عصر الفاطميين، ولعله يريد أن يظل أتباعه في جهل مطبق حتى يستطيع أن يخدعهم بهذه الآراء الرجعية التي لا سند لها من تقاليد الأئمة ونظمهم، ومن يدري لعله يريد أن يستغل ما عليه أتباعه من جهل بحقيقة الدعوة الفاطمية كي يستولي على أموالهم باسم الدين، شأنه في ذلك شأن كل دجال مشعوذ، ومع ذلك كله ففي طائفة البهرة عدد من المثقفين المستنيرين الذين لا يعبئون بطاهر سيف الدين، ولا يقيمون وزنا لضلالاته، زودونا بالكتب التي حرصنا على تقديمها للجمهور قبل أن نقدم إليهم هذا الكتاب، حتى يدركوا حقيقة الدعوة الفاطمية من كتب الدعاة أنفسهم، فقد نشرنا ستة كتب فاطمية، وسيتبعها كتب أخرى إن شاء الله.
Unknown page