320

Fī al-adab al-ḥadīth

في الأدب الحديث

Genres

ثم شاء الله أن يعده لشيء آخر، حين أراد "سعيد" أن ينهض بالجيش، وأن يجند أبناء العمد والمشايخ وأعيان الفلاحين, وكان يميل إلى المصريين, ويعدهم أساس مصر, ولا سبيل إلى نهضتها إلا بهم، فجند أحمد عرابي، وسرعان ما ظهر تفوقه، وترقى بسرعة خاطفة حتى وصل إلى رتبة "قائمقام" وهي رتبة لم # يصل إليها فلاح قبله, وذلك بفضل ذكائه وطموحه، ويقول عن نفسه في تلك الأيام: "وكنت أطمع إلى منصب عال يماثل منصب مديريتنا"1.

بيد أنه مكث في هذه الرتبة تسعة عشر عاما, أي: طوال حكم إسماعيل كله، وذلك لأن إسماعيل كان على النقيض من سعيد, يؤثر الجراكسة بالترقية، ويزدري المصريين، وأحس عرابي بالظلم, وابتدأ يطالب بحقه2 فاضطهد، وكان رئيسه خسرو كما يقول عرابي "رجلا جاهلا، متعصبا لجنسه الجركسي تعصبا زائدا على حد المعقول، متفانيا في الحقد على إقصائي من مركزي3" وفصل عرابي من الجيش ظلما وتعسفا، ولكنه لم يستكن للضيم، وظل يطالب بحقه, فعين في وظيفة مدنية قام بشئونها في همة وأمانة, وجوزي عليها بالتقاعد من غير معاش "فيالله من أمر, وأصعب تلك المكافآت المقلوبة على النفوس الحساسة الشريفة، وما أكثر العجائب في الحكومات المطلقة المستبدة الظالمة"4.

وثار عرابي، ولم يهدأ حتى أعيد للجيش، وشعر بمرارة الظلم وقسوته، زاده شعورا باضطهاد المصريين اشتراكه وزملائه في حملة الحبشة، حيث لمسوا من قوادهم ضعفا وخيانة, ولم يجد هو وزملاؤه عطفا من أولي الأمر, بل اضطهادا لهم, ومحاباة للأجانب الذين اصطفاهم الخديو بالرتب والنياشين والجواري الحسان، والأراضي الواسعة الخصبة, والبيوت الرحبة، وحباهم بالأمور الكثيرة, والحلى الثمينة من دم المصريين المساكين وعرق جبينهم"5.

Page 341