158

Fi Adab Hadith

في الأدب الحديث

Genres

أخلاقه:

شب معتدا بحسبه ونسبه، وفي عصر ساد فيه جنسه، وتبوأ أبناء جلدته من الجراكسة والأتراك أسمى مناصب الدولة، ثم تزود من فنون الجندية، ونشئ تنشئة عسكرية, فكان لهذه النشأة وهذا الحسب تأثير عميق في أخلاق البارودي، ولكن الزمن قد حور في هذه الأخلاق, ومن يدرس شعره دراسة فاحص مدقق يستطيع أن يتبين هذا التغيير أو التحوير في أخلاق البارودي, مجاراة لزمنه, وعادات الناس الذين يخالطهم إن طوعا وإن كرها, بيد أن كثيرا من صفات الشباب التي اعتد بها لازمته حتى مماته، ولم تتبدل ولم تتأثر بعوامل الزمن، ومحن الناس.

كان البارودي في صباه متوثب العزيمة، واسع الآمال, عزوفا عن الملاهي, يود أن يعتلي ذورة المجد قفزا:

لهج بالحروب لا يألف الخفض ... ولا يصحب الفتاة الرداحا

مسعر للوغى أخو غدوات ... تجعل الأرض مأتما وصياحا

لا يرى عاتبا على شيم الدهر ... ولا عابثا ولا مزاحا

يفعل الفعلة التي تبهر الناس ... وترنو لها العيون طموحا

وظلت نغمة المجد تتردد على أسلة لسانه أنشودة حلوة، وكان في نفسه شيء يود تحقيقه ويرجو نيله، ويسعى سعيا حثيثا، ولكنه لم يصرح به.

وبي ظلمأ لم يبلغ الماء ريه ... وفي النفس أمر ليس يدركه الجهد

أود، وما ود أمرئ نافعا له ... وإن كان ذا عقل إذا لم يكن جد

وما بي من فقر لدنيا وإنما ... طلاب العلا مجد، وإن كان لي مجد

وما أن عضته الحوادث عضة دامية، ونكأه الزمان نكأة قاسية، حتى تطامن في ملطبه وقال:

وكن وسطا، لا مشرئبا إلى السها ... ولا قناعا يبغي التزلف بالصغر # وقال:

Page 178