Solon »، قوة تعليمية واجتماعية تتيح للإنسان أن يحفظ التوازن بين الرياضة البدنية والآداب. وكان ديمقريطس يؤمن، مع الفيثاغوريين، بأن الفنان يحتل موقعا وسطا بين الآلهة والإنسان، وأن الرسالة الإلهية للفنان الملهم تحتم عليه أن يساعد الإنسان على بعث التوافق بين نفسه وبين النفس الكلية عن طريق إيقاع الموسيقى ورشاقتها.
11
ولننتقل إلى سقراط (469-399ق.م.) الذي كان في الأصل نحاتا وابن نحات، ثم تحول إلى الفلسفة حتى يكرس حياته لتعليم شباب أثينا. ولقد صوره أفلاطون في «الجمهورية» على أنه متفق تماما مع دامون في آرائه الخاصة بالقيمة الأخلاقية والسياسية والتعليمية للموسيقى. وكان سقراط يرى أن الفلسفة التي تجعل الحياة العادية ذات معنى وهدف هي أرفع الفلسفات جميعا. وللموسيقى القدرة على تشكيل نفوس الصغار، وإعدادهم لحياة كهذه. وكما أن من الممكن تشكيل المجتمع تبعا ل «أنموذج في السماء»؛ فقد كان يعتقد بأن الموسيقى تستطيع ضبط النفس، بحيث تنسجم مع نفس الأنموذج المتغلغل في سلوك الأجرام السماوية وفاعليتها.
وعلى الرغم من أن سقراط كان معارضا لبلاغة السفسطائيين، فإنه اتفق مع بروتاجوراس على أن الميتافيزيقا لا يمكن أن تؤدي بالمرء إلا إلى الشك، وأن الرياضة ما هي إلا تأملات عميقة. ومن هنا فقد كرس بقية حياته لدراسة الأخلاق والتربية. وكان سقراط يؤمن بأن خلاص البشر إنما يكون في إقامة حياة ثقافية مستنيرة تحرر الإنسان من الأوهام، ومن الاستدلال الفاسد والتحامل. غير أن مثل هذه الإباحة، ومثل هذه الحرية الفكرية لم تكن معروفة حتى لأثينا الحرة الديمقراطية. وسرعان ما انقلبت عليه العناصر الأثينية المحافظة، ونظر إليه أرستوفان الذي كرس جزءا كبيرا من حياته لحماية التراث التقليدي، على أنه رمز آخر لما كان يراه حضارة منحلة بدأت تضرب أطنابها في أثينا. وكما سخر أرستوفان من التجديدات الموسيقية في شعره، فكذلك سخر من فلسفة سقراط في مسرحيته الساخرة «السحب»، ونظرا إلى أن سقراط كان يتشكك في قدرة الآلهة، ويجادل في فضائل الديمقراطية الأثينية، فقد اتهم بإفساد شباب أثينا، وحكم عليه بالموت.
وقد روى سقراط في الساعات الأخيرة من حياته حلما طاف به وهو نائم في زنزانة سجنه، وسجل تلميذه أفلاطون هذا الحلم في محاورة «فيدون»:
12 «طالما أتاني الوحي في الأحلام خلال حياتي بأن أؤلف موسيقى، وكان نفس الحلم يأتيني تارة بصورة وتارة بصورة أخرى، ولكنه كان دائما يقول لي نفس الكلمات أو ما يماثلها: ارع الموسيقى وألفها. وكنت أتصور حتى الآن أن كل ما هو مقصود بهذا هو حثي وتشجيعي على دراسة الفلسفة، التي كانت هدف حياتي، والتي هي أسمى أنواع الموسيقى وأفضلها.» وهنا يعرب سقراط عن شكه في اعتقاد أصبح يتخذ مبدأ تعليميا بين أتباع دامون، وهو أن دراسة الموسيقى لا ينبغي أن ينتفع منها إلا بوصفها مبحثا رياضيا يعد المرء لدراسة أرفع هي الفلسفة. كذلك قال فريدرش نيتشه في كتابه «ميلاد المأساة من روح الموسيقى اليونانية». إن هذا الحلم ينطوي ضمنا على اعتراف هو أن سقراط قد أيقن، وهو يواجه شبح الموت، بأن للديالكتيك والمنطق والعقل، حدودها التي لا تتعداها في اكتساب المعرفة، والسعي إلى تحقيق الحياة الطيبة؛ فللموسيقى قدرة تفوق قدرة العلم على تقريبنا من الحقيقة النهائية؛ إذ إن الموسيقى تتيح لنا الوصول إلى وحدة متوافقة مع الطبيعة.
القسم الثاني: أفلاطون
هناك أوجه شبه بين كتابات الفلاسفة اليونانيين في الموسيقى وبين الآراء الموسيقية للمصريين القدماء والصينيين والعبرانيين. ومعنى ذلك أن الفلسفات الموسيقية التي قد تكون راجعة إلى حضارات أسبق من ميلاد المسيح بحوالي 1500 سنة قد وجدت طريقها إلى الفكر اليوناني.
ولقد كان أفلاطون (427-347ق.م.) أشهر فيلسوف غربي يرى أن الموسيقى بمعناها الكلاسيكي والحديث، ينبغي أن تستخدم من أجل تحقيق الأخلاق الصالحة، ولم تكن آراء أفلاطون عن مكانة الموسيقى في المجتمع المنظم أصيلة تماما، كما أنه لم يكن أول من بحث في التأثيرات الأخلاقية للموسيقى على الشخصية والسلوك الإنساني. ومع كل ذلك، فسيظل أفلاطون شخصية تاريخية فذة ينبغي أن نتخذها نقطة بداية في كل بحث للفلسفة الجمالية للموسيقى في الحضارة الغربية. ولم تكن كتاباته تتضمن مركبا جامعا بين النظريات الشرقية والغربية القديمة فضلا عن نظريات عصره فحسب، بل إن هذه الكتابات كانت تضم في داخلها التقاليد الموسيقية المتبعة لدى الجيل الأثيني السابق لجيله هو.
13
Unknown page