Faylasuf Carab Wa Mucallim Thani
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
Genres
والثالث: هو التمييز بالذهن.
والسعادة ليست تنال بالأفعال الجميلة متى كانت عن الإنسان باتفاق، أو بأن يحمل عليها من غير أن يفعلها طوعا؛ بل بأن تكون له وقد فعلها طوعا وباختياره، وأن يختار الجميل في كل ما يفعله وفي زمان حياته كله.
وهذه الشرائط يجب أن تكون في عوارض النفس الجميلة أيضا.
والسعادة ليست تنال بجودة التمييز ما لم يكن بقصد وصناعة، ومن حيث يشعر الإنسان بما يميز كيف يميز، وفي كل حين من زمان حياته.
وكل إنسان مفطور من أول وجوده على قوة بها تكون أفعاله وعوارض نفسه وتمييزه على ما ينبغي، وتكون على غير ما ينبغي: فالأمران ممكنان على حد سواء، ثم تحدث بعد ذلك للإنسان حال يكون بها أحدهما أشد إمكانا من الآخر.
أما القوة التي يفطر الإنسان عليها من أول وجوده، فليس إلى الإنسان اكتسابها، وأما الحال الأخرى فإنها إنما تحدث باكتساب من الإنسان لها.
وجودة التمييز هي التي بها تحصل لنا معارف جميع الأشياء التي للإنسان أن يعرفها، وهي صنفان: صنف شأنه أن يعلم، وليس شأنه أن يفعل، مثل علمنا أن العالم محدث وأن الله واحد. وصنف شأنه أن يعلم ويفعل، مثل علمنا أن بر الوالدين حسن، وأن الخيانة قبيحة، وأن العدل جميل، وأن علم الطب يكسب الصحة.
وكل واحد من هذين الصنفين له صنائع تجوزه.
فالصنائع أيضا صنفان: صنف لنا به علم ما يعلم فقط، وصنف لنا به علم ما يمكن أن نعمل، والقوة على عمله.
وهذا الصنف الأخير قسمان: قسم يتصرف به في البدن، مثل الطب والتجارة والفلاحة وسائر الصنائع، وقسم يتصرف به الإنسان في السير أيها أجود ويتميز به أعمال البر والأفعال الصالحة، وبه يستفيد القوة على فعلها.
Unknown page