Faylasuf Carab Wa Mucallim Thani
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
Genres
ثم دخلت عليه وهو معزول وإذا هو في بيت كتبه وحواليه الأسفاط والرفوف والقماطير والدفاتر والمساطر والمحابر، فما رأيته قط أفخم ولا أنبل ولا أهيب ولا أجزل منه في ذلك اليوم؛ لأنه جمع مع المهابة المحبة، ومع الفخامة الحلاوة، ومع السؤود الحكمة.»
كانت علوم الأحكام الدينية ووسائلها هي العلوم التي تروج يومئذ سوقها، وتكسب صاحبها كرامة عند الخلفاء المحتاجين إلى أهل هذه العلوم في إقامة ملكهم على سند من السياسة الشرعية، وكانت هذه العلوم أيضا تهب صاحبها جلالا في قلوب العامة الذين تهمهم من الدين شعائره وشرائعه.
وكانت فيما حوالي هذا الزمن نكبة البرامكة يتناقل الناس أخبارها الفاجعة، فيتمثلون ما في شرف الولايات والحكم من أخطار.
وقد شهدت أم الكندي عهد «شريك» القاضي العالم الديني، ورأت سلطانه يغالب سلطان ابن عم الخليفة في الكوفة ويذل ما لزوجها من حسب وجاه شامخ.
وكل سلطانه يقوم على علمه ودينه، وكانت الأحاديث عن عزة شريك وشدته في الحق على أهل الشرف والجاه سمر المجالس.
أمثال هذه الأسمار عن شريك وغير شريك كانت جديرة أن ترغب الناس في العلوم التي شأنها أن توصل إلى هذه المنزلة، وهي كما ذكرنا علوم الأحكام الدينية ووسائلها.
أما علوم الكلام، فلم تكن حين ذاك برغم تشجيع الخلفاء لها إلا فنونا من النظر العقلي مبتدعة، ينكرها أهل الزعامة الدينية وهي بعيدة الصلة بالحياة وحاجاتها ، فلا جاه لها من دين ولا من دنيا.
وأما الفلسفة وما إليها، فلم تكن إلا علوما دخيلة يشتغل بتعريبها أناس لا هم مسلمون ولا من العرب.
وكان من تحدثه نفسه بمعالجة بعض هذه العلوم من المسلمين لا يلقى من الثقة بعلمه ما يلقاه أهل هذا الشأن من غير المسلمين، قال الجاحظ في كتاب البخلاء
22
Unknown page