12
وقد أشار موريس جارسون في كتابه عن المحاكمات الشهيرة في العصر الحديث إلى ما أصاب الشاعر بوديلير من أجل ديوانه «أزهار الشر» الذي لم يمنع قرار الحكومة الفرنسية بمصادرته استمرار ظهوره لأن الناشرين لم ينقطعوا عن طبعه بالرغم من أن القانون لا يبيح ذلك، مما دعا الحكومة إلى التفكير في إلغاء هذا القرار، فالفن لا يقاوم ولا يصادر سواء أجاء متساميا أم متدليا.
وعندنا أنه بدل العنف في مصادرة الفن القوي يحسن بمن لا يرضون عنه أن يكتفوا بالتنبيه إلى نواحي الجمال فيه من حيث هو فن، ثم إلى أضراره من حيث ملابساته الأخرى. وأما المقاومة العنيفة للأذواق الفنية التي قد ترضينا من ناحية خلقية مثلا فتحكم وتعسف لا يجديان شيئا في محاربة الفن نفسه، فإن روحه القوية - كيفما كانت مظاهره - قبس خالد لا يمكن إطفاؤه. •••
وبالرغم مما يتخلل هذا التصدير من روح التبرم فإنه مفعم بالتفاؤل للمستقبل لأننا نلمح في الجيل الآتي روح البداية حيثما انتهينا، والقدرة على الاستيعاب الكلي لأساليبنا ودقائق فننا ثم التقدم بجراءة. وهذا هو التطور الصالح الذي نفرح به ونحييه في غير تحفظ ما دام صادق المبادئ لا يتذبذب. وبعد أن كنا نقول: «إن الحياة أشعة وظلال» فنسخط من نسخط من الجيل السابق لهذا التقرير الغريب، صار الجيل الجديد لا يرضى بهذا الإجمال ويأبى له ولنا إلا أن نتوسع في هذه الأحاسيس الجديدة والتحاليل الحديثة. ومن ثمة وجدنا من يصغي إلى تحليلنا للأطياف والأضواء إلى عواطف ومعان كما يحللها المنشور إلى ألوانها. ومن ثمة وجدنا لاشتراك المشاعر في التعبيرات الشعرية فاهمين مقدرين، بعد أن كان الجيل الماضي يضحك منها ولا يفهم أن يكون للنور شعر خاص، ولكن صفوة الخاصة من جيلنا الحاضر والشباب المثقف تفهمنا حينما نقول من الشاعر:
ليس إلاه يفهم النور والظل
ومعناهما بماضي العهود
وابتسام الأشجان في نظرة الفج
ر وإن كان في شعور الوليد
وأنين الغروب في الشفق الدا
مي وإن لاح رائعا من بعيد
Unknown page