يَكون النهي فيه لِذَات الشيء أو لِوَصفه اللازم كما سيأتي تقريره في باب الأوامر والنواهي. فالصلاة في الوقت المكروه لِمَعْنَى التشبُّه بمن يَسجد للشمس عند طلوعها أو غروبها أو ظهور سلطنتها بتمام ارتفاعها قَبل أنْ تنهبط، وهذا المعنى مُلازِم لنوع الصلاة التي لا سبب لها، فالفساد مِن هذه الجهة حصل، لا [في] (^١) المكروه مِن حيث هو. ولزوم الجواز في المكروه إنما هو [حيث] (^٢) لم يَقْترن به ما يُوجِب فساده حتى يكون محرمًا مِن هذه الحيثية فقط وإنْ كان جائزا في أَصْله؛ بدليل حكاية خِلَاف في المباحات المُخِلَّة بالمروءة الرادَّة للشهادة: هل تَحْرُم؟ أوْ لا؟
وأمَّا كراهة صوم يوم الجمعة فإنما هو للضعف عن كثرة العبادة والذِّكر فيه، وليس ذلك بوصف لازِم حتى يفسد؛ فافترقا، فتأمَّله.
ومنها ما قاله ابن السمعاني عقب كلامه السابق، حيث قال: (والخلاف تظهر فائدته في قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩]، فعندنا لا يتناول الطواف بغير طهارة ولا منكوسًا، وعندهم يتناوله، فإنهم - وإنِ اعتقدوا كراهته - قالوا فيه: يُجْزِئ؛ لدخوله تحت الأمر. وعندنا لا يدخل؛ لأنه لا يجوز أصلًا، فلا طواف بدون شرطه - وهو الطهارة - ووقوعه على الهيئة المخصوصة).
قال: (وحُجَّتنا أنَّ الأمر للوجوب حقيقةً، وللندب والإباحة مجازًا، وليس المكروه واحدًا مِن الثلاثة) (^٣). انتهى
ومنها ما قال إمام الحرمين: (إنَّ هذه المسألة مَثَّلها الأئمة بالترتيب في الوضوء، فَمَنْ لا
(^١) في (ت، ض): من.
(^٢) كذا في (ص، ت)، لكن في (ز، ش): من حيث.
(^٣) قواطع الأدلة (١/ ١٣٢ - ١٣٣).