وقال ابن المنير: [وقع لي في ذلك مأخذٌ] (^١) لطيف، وهو أنَّ الصوم والصلاة ونحوهما عبادة لا تَقبل التجزئة، فَقَطْعُها تَجْزئة، أَيْ إيقاع بَعْضِ عبادة، وذلك حرام؛ لأنه تَعَبُّد فاسد. قال: ونَظِيرُه عتق البعض يَسْري للباقي مع اليسار، ومع الإعْسار لا يَسْرِي؛ لإمكان التجزئة. قال: أما التَّنَفل على الراحلة - وإنْ كان فيه تَرْك بعض الأركان - فللضرورة.
قلتُ: فقدْ اضطربت المناسبة التي أَبْداها لوجود التجزئة مرة مع الصحة ومرة مع البطلان، فلا يلتفت إليها. وأيضًا فَفَرق بين أنْ يقصد تجزئة العبادة ابتداءً وبين أنْ تبطل وتُجْعَل كأنْ لم تَكُن.
ومما استشكل على أبي حنيفة في ذلك: تجويزه للمتنفل بعد أنْ [يشرع] (^٢) أنْ يصلي قاعدًا؛ فلذلك خالفه صاحباه، فمنعَا القعود؛ طَرْدًا للقياس. على أنَّ أبا نصر العراقي نقل عن أبي حنيفة في كتاب الصداق أنَّ له الخروج مِن صوم التطوع، إلَّا أنه يجب عليه القضاء. نَعَم، أبو نصر أَوَّلَه كما نقل ذلك أبو علي السنجي (مِن أصحابنا) في "شرح الفروع".
فإنْ قِيل: ما وَجْه الوجوب في إتمام حج التطوع لمن شرع فيه عندكم؟
قلتُ: ذكر الماوردي جوابين:
أحدهما: لأنَّ نَفْلَه في غالب الأحكام كَفَرْضه؛ فإنهما متساويان في النية، فيقول في كل منهما: لبيك بالحج، مِن غير أنْ يُعَيِّن فَرْضًا أو نَفْلًا، أو يُحْرِم مُطْلقًا ثُم يصرفه لِمَا شاء، سواء ذلك في الفرض أو في التطوع. ولو لَبَّى بلا نية، لَمْ ينعقد، بخلاف العكس. ومتساويان أيضًا في الكفارة بإفساد أحدهما بجماع، وفي لزوم الفدية في الإتلافات والاستمتاعات؛ فَوَجَبَ أنْ يتساويَا في لزوم الإتمام.
(^١) كذا في (ز، ق). لكن في (ص، ت): وقع لي ذلك بمأخذٍ. وفي (ش): وقع في ذلك مأخذ.
(^٢) كذا في (ص، ز، ش). لكن في (ق، ت): شرع.