ـ[المهروانيات = الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب]ـ
المؤلف: أبو القاسم يوسف بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ محمد بن أحمد المهرواني، الهمذاني (المتوفى: ٤٦٨هـ)
تخريج: الشّيخ الإمام أبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغداديّ ﵀ (المتوفى: ٤٦٣هـ)
دراسة وتحقيق: د. سعود بن عيد بن عمير بن عامر الجربوعي
الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - عمادة البحث العلمي - رقم الإصدار (٤١)
الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
عدد المجلدات: ٣ (في ترقيم مسلسل واحد)
أصل الكتاب: رسالة ماجستير - كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - نوقشت في شعبان ١٤١٨ هـ
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
_________
الكتاب مرتبط بنسخة مصورة لنفس طبعته، وبنسخة مصورة أخرى ط دار الراية تحقيق خليل بن محمد العربي
1 / 1
المقدمة:
الحمد لله الخالق البارئ المُبْدئ المُعيد، ذي القوّة والعزّة والعرش المجيد، الظّاهر القادر الفعّال لما يريد، الّذي أوحى لرسله التّوراة والإنجيل والقرآن المجيد، وأنزل من السّماء ماء مباركا فأنبت به جنّات وحبّ الحصيد، والنّخل باسقات لها طلع نضيد، وأنزل الحديد فيه منافع للنّاس وبأس شديد، وبسط من رزقه وعلمه على العباد وجعل منهم الفائد والمستفيد، الّذي لا مانع لما أعطى وبسط ووهب، ولا معطي لما رفع وقبض وسلب، طاعته للعاملين أَعْظَمُ شَرف وأَفْضَلُ مُكْتَسب، سَهَّل لهم في جانب بِرِّه وعبادته كلَّ صعوبة ومشقة ونصب ...
وأشهد أن لا إله إلاّ الله الواحد الأحد الفرد الصّمد، وأشهد أنّ محمَّدًا عبده ورسوله اصطفاه الله على سائر خلقه وانتخب، صلّى الله عليه وعلى آله وأزواجه الطّاهرات ذوات الحجب، وعلى أصحابه والتّابعين لهم بإحسان عدد ما حدّث شيخ بالأحاديث الفوائد وانتخب ... أمَّا بَعد:
فالعلم الشرعيّ الموروث عن خاتم الأنبياء ورسول ربّ العالمين صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أشرف العلوم وأعلاها، وأعلى ما خصّ بمزيد العناية والاهتمام، وأولى ما صُرِفت إليه وفيه العناية ونفائس اللّيالي، والأيّام.
وَعِلم السّنّة النّبويّة من أشرف هذه العلوم وأجلّها قَدْرًا بعد الذِّكر الحكيم؛ إذ هي المُبَيّنة لكتاب الله ﷿ ففيها أَسْند الله إلى رسوله ﷺ بيان القرآن، قال جلّ وعلا:
1 / 8
﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (١)، فبيّن الرّسول ﷺ أكمل، وأتمّ بيان ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (٢)، ففسّر القرآن بأقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، وأبان عن مشكل آياته، وما يفصّل مجمله، ويخصّص عامّه، ويقيّد مُطلقِه.
ومن رحمة الله سبحانه، وتعالى بأمّة خاتم رسله ﷺ أَنْ تكفّل لها بحفظ كتابها، وسنّة رسولها ﷺ فَقَالَ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾ (٣)، فدلالتها على حفظ السّنّة إما اقتضاء؛ لأنّ لفظة الذّكر عنى بها الوحي، وإما لزومًا؛ لأنّ السّنّة هي المبيِّنة للكتاب الشّارحة له، فلا يتمّ حفظ المبيَّن المفسَّر إلاّ بحفظ المبيِّن المفسِّر، ومن فضله أنْ أقام لهذه السّنّة علماء جهابذة نُقّادا، صانوها وحفظوها، ورحلوا في طلبها وكتبوها، فدوّنوها أكمل تدوين، وذادوا عنها بألسنتهم وأقلامهم في كلّ زمان ومكان ونفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وبذلوا وسعهم في روايتها، وضبطها، وبيان كَتَبَتِها ورواتها، وأسانيدها ومتونها، وعللها، وتحمّلوا في ذلك مشقّة الدّأب والكَلاَل، وصعوبة الانتقال والتَّرْحَال، وبذل النّفوس والأموال ...
يقول ابن حبّان ﵀ (ت: ٣٥٤هـ) في مدحه لأهل الحديث، ووصفه لهم: ".. ثمّ اختار الله طائفة لصفوته، وهداهم لزوم
_________
(١) سورة النّحل، الآية: (٤٤) .
(٢) سورة النّجم، الآية: (٣، ٤) .
(٣) سورة الحجر، الآية: (٩) .
1 / 9
طاعته، من اتّباع سبل الأبرار، في لزوم السّنن والآثار، فزيّن قلوبهم بالإيمان، وأنطق ألسنتهم بالبيان من كشف أعلام دينه، واتّباع سنن نبيّه بالدؤوب في الرِّحَلِ والأسفار، وفراق الأهل والأوطار، في جمع السّنن، ورفض الأهواء، والتّفقّه فيها بترك الآراء، فتجرّد القوم للحديث وطلبوه، ورحلوا فيه وكتبوه ... حتى حفظ الله بهم الدّين على المسلمين، وصانه من ثلب القادحين، وجعلهم عند التنازع أئمّة الهدى، وفي النّوازل مصابيح الدّجى، فهم ورثة الأنبياء، ومأنس الأصفياء" اهـ (١) .
وما هذه الصِّيانة، والحفظ، والسَّهر على تدوين الأحاديث، والآثار، وتحمّل المشاقّ إلاّ لما استقرّ في نفوسهم، وتشرّبته قلوبهم، وأفئدتهم من إيمان بالله، وطمع في رحمته، وجنّته، وحبّ لرسوله ﷺ ومصداقٍ لوعد الله بحفظ كتابه المُقْتَفى وسنّة نَبِيِّهِ ﷺ المُصْطفى، اللّذان عليهما مدار العلوم الشّرعية.
وقد أنتجت جهود أولئك العلماء في خدمة السّنّة، والعناية بها أمورًا من أهمّها: الدّواوين الكثيرة الّتي جمعوا فيها أحاديث رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وكتبوها وحرّروا ألفاظها وضبطوها.. . كالصّحف، والنّسخ الحديثيّة، والمصنّفات المبوّبة المرتّبة على الكتب، أو المسانيد، أو الموضوعات، وككتب الفوائدالحديثيّة، والأجزاء، والمشيخات، والأمالي، ونحوها ...
وظهرت كتب الفوائد الحديثيّة منها نتيجة اتّجاه أهل العلم وطلاّبه
_________
(١) انظر مقدّمة صحيحه (الإحسان ١/١٠٠ ١٠١) .
وانظر: المجروحين (١/٢٧)، وَشرف أصحاب الحديث للخطيب البغداديّ (ص / ٨ ٩) .
1 / 10
إلى الانتخاب والتّخريج من مرويّاتهم وسماعاتهم وإجازاتهم؛ أو من أصول وسماعات وإجازات شيوخهم، أو أقرانهم، أو تلاميذهم؛ ما حصّلوه من ثمرة طلبهم، وتحصيلهم، ورحلتهم، وسماعهم من القدماء، ومن نزل عليهم من العلماء الغرباء ما يرون أنّ فيه فائدة لا توجد عند غيرهم من الشّيوخ ...
قال الخطيب ﵀ في: (الجامع) (١): "كان بعض مشايخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسِر قلم النّسخ، وليأخذ قلم التّخريج" (٢) .
وتتوقّف أهميّة الأحاديث المنتخبة وقيمتها على منزلة صاحب أحاديثها، ومنتخبها عليه، وقدرهما ...
لا سيّما إذا خُدمت هذه الأحاديث بالكلام على أسانيدها، ومتونها، والإبانة عن صحيحها وسقيمها، وطرقها وشواهدها، والكشف عن عللها، وأوهام رواتها من قِبَل أحد أئمّة هذا الشّأن وأربابه، وحفظته ونقّاده ... كالطّبرانيّ، والدّارقطنيّ، وخلف الواسطيّ الحافظ، وأبي بكر الخطيب البغداديّ، وأبي طاهر السّلفيّ، ومحمد عبد الواحد المقدسيّ، وأبي موسى المدينيّ، وأضرابهم من نَقَلَة الآثار، ونقّاد الأخبار.
والإمام، الحافظ، النّاقد، العَلم: أبو بكر الخطيب البغداديّ
_________
(١) (٢/٤٢٨) .
(٢) أي: قلم الانتقاء، والانتخاب ... ذلك أنّ من أراد الانتخاب على عالم أخذ القلم، ورسم على ما ينتخبه من أصول هذا العالم، سواء أكان هذا الرّسم حرفا أم حرفين، أم خطا بالسّواد، أو الحمرة، في المتن أو الحاشية.
انظر: الجامع (٢/٢٢٤ - ٢٢٥) .
1 / 11
معروف بجودة الانتخاب، وبراعة التصنيف، عارف بصحيح الحديث وغريبه، ومنتخباته، ومصنّفاته جديرة بأن تثنى عليها الخناصر، ويعضّ عليها بالنّواجذ.
وقد انتخب يرحمه الله أحاديث فوائد على جماعة من الشّيوخ الحفّاظ الثّقات الّذين كانوا في عصره ممّن يُعَدّ في طبقته، أو طبقة تلاميذه ... فانتخب على الشيخ الثّقة، الدّين أبي القاسم المهْروانيّ (٣٨٠ - ٤٦٨هـ) عددًا من الأحاديث الصّحاح، والغرائب، والآثار، والأشعار (١) .
وعلى الشّيخ، الثّبت أبي محمَّد السّرّاج (٤١٧ - ٥٠٠هـ) عددًا من الأحاديث الصّحاح العوالي، والآثار، والأشعار (٢) .
وعلى الشيخ، الثّقة أبي القاسم النّسيب (٤٢٤ - ٥٠٨هـ) عددًا من الأحاديث الصّحاح، والغرائب، والآثار، والأشعار كذلك (٣) .
وتكلّم على أحاديثها بكلام نفيس، تضمّن ذكرًا لمخرّجيها، وبيانا لعللها، وطرقها، والتّرجيح بينها، وكلامًا على رجالها توثيقا، وتضعيفا، وضبطًا لأسمائهم، وأنسابهم إلى غير ذلك من الفوائد العزيزة والنّكات البديعة المفيدة.
وما انتقاه ﵀ على أبي القاسم يوسف بن محمَّد المهروانيّ أسانيده عالية جدًّا، وَصَلَ إلينا تامّا، وعنه أربع نسخ خطّيّة جيّدة، وقيّمة، وهذا كلّه لا يوجد في بقيّة ما انتخبه على من تقدّم ذكرهم من
_________
(١) وهو هذا الكتاب الّذي أنا بصدد دراسته، وتحقيقه.
(٢) انظر: ص/١٦٨ رقم / ٢.
(٣) انظر: ص/١٧٤ رقم/١١.
1 / 12
المشايخ، وغيرهم.
وقد طالعت هذا المنتخب المعنون له بالفوائد المنتخبة الصّحاح والغرائب، المشهور في أوساط أهل العلم بالمِهْرَوانِيَّات، فألفيته كتابا نافعا، قيّما، نفيسا، كثير الفوائد، غزير النّكات، والتّحقيقات، والفرائد، فيه منية للقاصد، وبغية للمطّلع، وللباحث، فاستخرت الله في القيام بخدمته خدمة لسنّة رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ومشاركة في حفظها، رجاء نيل المثوبة، وعظيم الأجر والخير، ثمّ استشرت عددًا من أهل العلم فشجّعوني، وحفّزوني، وشحذوا همّتي، فانشرح صدري له، واستعنت الله على العمل فيه، ووفّقت في تسجيله رسالة لنيل الشهادة العالمية (الماجستير) من قسم فقه السّنّة ومصادرها، في كليّة الحديث الشريف والدّارسات الإسلاميّة، بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة ...
وبالله أستعين لما قصدّت، وأسأله التّوفيق والإعانة والسّداد فيما رغبت وأردتّ، فهو حسبي ونعم الوكيل، والله يقول الحق، وهو يهدي السّبيل.
1 / 13
أَسبَابُ الاخْتِيار
من جملة الأسباب، والدّوافع الّتي دعتني، ورغّبتني في خدمة هذا الكتاب دراسةً، وتحقيقًا:
أوّلًا: قيمتة العلميّة، وَالتّأريخيّة، وشهرته الذّائعة عند أهل العلم المتقدّمين منهم، والمتأخّرين (١) .
ثانيًا: أهميّته من حيث: احتواؤه على أحاديث مسندة، عالية أسانيدها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ من الصّحاح، والغرائب، وغيرها ... وأيضًا: آثار، وأشعار مرويّة عن عدد من الصّحابة، والتّابعين، ومن بعدهم من أئمّة السّلف في جوانب مختلفة، ونواح متعدّدة.
ثالثًا: ومن حيث: المكانة السّامية، والمنزلة الرّفيعة لصاحب أحاديثه، والمُخرِّج لها بين أهل العلم كافّة، والمشتغلين بحديث رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خاصّة.
رابعًا: ومن حيث: ما أفاده المُخَرِّج يرحمه الله في كلامه على الأحاديث، وما سطّره من فوائد عزيزة، ونكات جليلة، في فنون مختلفة، وعلوم متفرّقة من علوم الحديث الشّريف.
خامسًا: خدمةً متواضعة منّي لسنة النّبيّ ﵌ ودراسة لِمَا أُسند إليه أسأل الله غُنْمَها وأجرها، وأعوذ به من غُرْمِها وزللها.
_________
(١) انظر: ص/ ٣٩٧.
1 / 14
سادسًا: وفاءً لسلفنا الصّالح الّذين شرّفهم الله جلّ وعلا بحفظ دينه وشريعته، وتدوينه لمن بعدهم على أحسن وأبدع طريقة، وأتمّ وأكمل وجه، وإبرازًا لجهودهم، ونشرًا لمصنفاتهم، ومؤلّفاتهم القيّمة.
سابعًا: ما انشرح له صدري، وقوي له عزمي بعد استشارتي عددًا من أهل العلم، ثمّ استخارتي الله ﵎ من دراسته، وتحقيقه، والقيام بخدمته ... والحمد لله على فضله، وإحسانه، وحسن هدايته، وتوفيقه.
1 / 15
الصّعوبات الّتي واجهتني أثناء إعداد الكتاب
لم يكن إعدادي لهذا الكتاب قريب المتناول، سهل المرام، ولم أُنجز أمرها عفوًا صفوًا، لا تجشّمت فيه مشقّة، ولا خضتّ فيه غَمْرَة، بل اعترض بعض مراحل إعدادها، وإنجاز عدد من فصولها أمور منيعة المطلب، صعبة المرام، وقد تجاوزتها بفضل من الله، وتوفيق، بعد بذل الأسباب المعينة على ذلك ... ومن أهمّ هذه الصّعوبات، وأبرزها:
أولًا: عدم وجود ترجمة وافية لأبي القاسم المهروانيّ ﵀ عند من ترجم له من أصحاب الكتب والمصنّفات، فنظرت في كتب التّواريخ عموما والتراجم والوفيّات خصوصا وكتب الفهارس، والمشيخات، وبعض مادّة كتابه هذا (المهروانيّات) كالأسانيد، وطباق السّماعات حتّى أخرج بترجمة وافية، مستقصية، تُوْفِيه حقّه، وتُبْرِز نجمه يرحمه الله.
ثانيا: كثرة المؤلّفات، والمصنّفات في الفوائد الحديثيّة، وتَفرّق مخطوطاتها في بقاع مختلفة، وبلدان متباينة، ومن أجل استيعاب الموجود منها حَسْب القدرة والوقوف عليها ودراستها قمت بزيارة العديد من المكتبات الخاصّة، والعامّة داخل هذه البلاد حرسها الله وخارجها ...
فمكثت أكثر من أربعة أشهر متوالية أتردّد على مركز المخطوطات التّابع للجامعة الإسلاميّة أكثر أيّام الأسبوع، وقمت بعد ذلك بمطالعة مخطوطات مكتبة المسجد النّبوي الشّريف، فالمكتبات المضمومة إلى مكتبة الملك عبد العزيز يرحمه الله كالمكتبة المحموديّة، ومكتبة عارف حكمت يرحمه الله وغيرهما.
ثمّ ارتحلت بعد ذلك إلى مكّة المكرّمة شرّفها الله أربع مرّات
1 / 16
اطّلعت خلالها على المخطوطات المحفوظة بمكتبة الحرم المكّيّ، وما ضُمّ إليها من مكتبات خاصّة، ومكتبة جامعة أمّ القرى، ومكتبة جامعة الملك عبد العزيز بجُدّة.
ثمّ يممّت وجهي شطر مدينة الرّياض، واطّلعت على ما في مكتبة جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميّة وما ضُمّ إليها من مكتبات خاصّة ومكتبة جامعة الملك سعود، ومكتبه الملك فهد الوطنيّة، ومكتبة مركز الملك فيصل يرحمه الله للبحوث والدراسات الإسلاميّة من مخطوطات تتعلّق بموضوع الرّسالة.
ثمّ ارتحلت إلى مدينة دمشق، واطّلعت على فهارس ومخطوطات مكتبة الأسد الّتي ضُمّ إليها في حدّ علمي جميع مكتبات المخطوطات بسوريه كدار الكتب الظّاهريّة، والمكتبة العُمَريّة، والمكتبات الوقفيّة بحلب، وغيرها.
ومنها إلى القاهرة حيث اطّلعت على فهارس، ومخطوطات مكتبة الهيئة العامّة المصريّة للكتاب (المعروفة بدار الكتب المصريّة)، والمكتبة الأزهريّة، ومعهد المخطوطات العربيّة التّابع لجامعة الدّول العربية.
ثالثا: يوجد بمكتبات العالم من كتب الفوائد أكثر من مئتي كتاب مخطوط، لم يطبع منها إلاّ ما لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، بذلت جَهْدي واستغرقت وِسْعي في مطالعة أسانيدها، ومتونها، وأوائل وخواتم سماعاتها ولم يَفُتْني منها إلاّ القليل ممّا لم يتيسّر لي الوقوف عليه حتى أخرج بدراسة وافية حَسْب الإمكان، والقدرة تفي بالهدف المنشود، والغرض المطلوب.
رابعا: كثرة كتب الفوائد الّتي لم تصل إلينا فيما أعلم ...
1 / 17
ففتّشت عنها في كتب الحديث، والتّأريخ، والتّراجم، والمشيخات، والفهارس، ونحوها ... فأخذ ذلك منّي وقتا طويلًا، وجهدًا جهيدًا حتى أعددت المبحث الخاصّ بها على الصّورة الّتي سوف تُرَى في الكتاب إن شاء الله تعالى.
خامسا: الأحاديث الغرائب الّتي انتقاها الخطيب، وما ذكره في كلامه عليها من اختلاف رواتها، وتباين طرقها على أوجه عدّة، وروايات مختلفة دون أن يَذْكُر أسانيدها ... ويعلم المشتغلون بتخريج الأحاديث مدى الصّعوبة في الوقوف على مثل هذه الطّرق والأسانيد، ومدى المشقّة في التّنقيب عنها في بطون المخطوطات بعد استنفاد الجهد في استقراء المطبوعات، ولعلّي أتيت على مطالعة جُلِّ المجاميع الحديثيّة المحفوظة بمركز مخطوطات الجامعة الإسلاميّة حتّى أتمكّن من الوقوف على طرق هذه الأحاديث الغرائب، وشواهدها.
1 / 18
خِطّة الكتاب
قسمت الكتاب إلى قسمين:
أوّلهما: قِسْم الدّراسة.
وثانيهما: قِسْم التّحقيق.
فأمّا قسم الدّراسة فَيَشْمَلُ بعد المقدّمة، وذكر بعض أسباب اختيار الموضوع، وبعض الصّعوبات الّتي واجهتني أثناء إعداد الرّسالة، وبيان خِطّتها أربعة فصول:
الفصل الأوّل: ترجمة أبي القاسم المهروانيّ.
وتحته أحد عشر مبحثا:
الأوّل: دراسة موجزة عن عصره.
الثّاني: اسمه، ونسبه، ونسبته، وكنيته.
الثّالث: مولده.
الرّابع: نشأته، وطلبه للعلم.
الخامس: رحلاته.
السّادس: شيوخه.
السّابع: تلاميذه، ومن انتقى عليه.
الثّامن: منزلته.
التّاسع: زهده، وعبادته.
العاشر: آثاره.
1 / 19
الحادي عشر: وفاته.
والفصل الثّاني: ترجمة موجزة لأبي بكر الخطيب البغداديّ.
وتحته تمهيد، وأحد عشر مبحثا:
الأوّل: اسمه، ونسبه، ونسبته، وكنيته.
الثّاني: مولده.
الثّالث: نشأته، وطلبه للعلم.
الرّابع: رحلاته.
الخامس: شيوخه.
السّادس: تلاميذه.
السّابع: مكانته العلميّة، وثناء العلماء عليه.
الثّامن: عقيدته.
التّاسع: صفاته.
العاشر: مؤلّفاته.
الحادي عشر: وفاته.
والفصل الثّالث: دراسة كتب الفوائد الحديثيّة.
وتحته ستّة مباحث:
الأوّل: تعريف الفوائد لغة، واصطلاحا.
الثّاني: نبذة عن نشأة تأليف الفوائد الحديثيّة، وتصنيفها.
الثّالث: من أهميّة كتب الفوائد.
1 / 20
الرّابع: من مناهج المحدّثين في تصنيف كتب الفوائد.
الخامس: تقسيم كتب الفوائد.
السّادس: كتب الفوائد الّتي وقفت على أسمائها، وأسماء مؤلّفيها، ولم أقف على مخطوطاتها ... وتحته مطلبان:
أوّلهما: ما وصل إلينا تاما، أو بعضٌ منه، ولم يتيسّر لي الوقوف عليه.
والثّاني: ما لم يصل إلينا فيما أعلم.
والفصل الرابع: دراسة الكتاب المحقّق
وتحته ستّة مباحث:
الأوّل: توثيق نسبة الكتاب.
الثّاني: اسم الكتاب، والتّحقيق فيه.
الثّالث: التّعريف بمحتوى الكتاب، وغرض الخطيب من انتقاء أحاديثه، ومنهجه فيه.
الرّابع: من أهميّة الكتاب، وشهرته عند العلماء المتقدّمين، والمتأخّرين.
الخامس: وصف النّسخ الخطّيّة للكتاب، وتراجم رواتها.
السّادس: المنهج الّذي سلكته في التّحقيق، فشرح الرّموز والمصطلحات المستخدمة في التّحقيق، ويتبعه ملحق بالسّماعات المُثْبتة على النّسخ الخطّيّة، فنماذج مصوّرة عنها.
1 / 21
وأمّا القسم الثّاني فهو خاص بتحقيق الكتاب.
ففهارس يتمكّن الباحث، والقارئ من خلالها من الوصول إلى ما يبتغيه من قسمي الكتاب بسهولة، ويسر.
وهي على النّحو التّالي:
أ - فِهْرس الآيات.
ب - فهرس الأحاديث النّبويّة.
ج - فهرس الآثار.
د - فهرس الأشعار.
هـ - فهرس الألفاظ الغريبة المفسّرة.
وفهرس الأَعْلام.
ز - فهرس الأماكن، والبلدان.
ح - فهرس كتب الفوائد الحديثيّة.
ط - فهرس المصادر، والمراجع.
ي - فهرس الموضوعات.
1 / 22
شكرٌ وتقدير
وفي الختام أحمد الله تعالى وأُثني عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وأشكره أن يَسّر، وأعان على إتمام هذا الكتاب المتواضع.
ثمّ أشكر من قرن الله في الأمر بشكره الأمر بشكرهما ... والديَّ الكريمين حفظهما الله، وأمدهما بوافر الصِّحَّة، وتمام العافية على ما قاما به من تنشئتي، وتربيتي في الصِّغر، ومن رعايتي، والاهتمام بي في الكبر ... فأسأل الله أن يُمد في عمرهما، ويصلح عملهما، ويبارك لهما في ذرّيتهما، وأن يجزيهما عنّي وعن أولادهما خير الجزاء، وأكمله إنه وليّ ذلك والقادرعليه.
كما أتقدّم بشكري إلى القائمين على هذه الجامعة الإسلاميّة السّلفيّة، وأدعو الله ﷿ أن يبارك جهودهم في نُصْرة الإسلام، وخدمة المسلمين، ونشر مذهب السّلف الصّالح في زمن كثرت فيه الفتن، والأحداث، والإحن، وكَثُر الدّعاة إلى الأحزاب، والجماعات المنحرفة في فهم الدّين الإسلاميّ علما وعقيدة ومنهجا وسلوكا عن فهم الصّحابة، والتّابعين، ومن تبعهم بإحسان من أئمّة الدّين، والهدى.
وأتقدّم بشكري أيضا إلى كلّ من أسدى إليّ معونة، أو نصحًا، أو مناقشة، أو تقويمًَا للكتاب، وفي مقدّمتهم فضيلة الشّيخ الدّكتور:
عبد العزيز بن راجي الصّاعديّ الأستاذ المشارك في كليّة الحديث الشّريف والدّراسات الإسلامية، وَوكيل الجامعة الإسلاميّة سابقًا، المشرف على إعداد الكتاب، الّذي كان له الأثر الطّيّب في ظهوره، وإخراجه بهذه الصّورة ... فأسأل الله أن يجزيه عنّي خير الجزاء وأتمّه، وأن يحسن إليه غاية الإحسان وأسبغه، وأن يبارك له في أولاده، وأحفاده،
1 / 23
وأن يغفر له، ولأسلافه.
ثمّ إنّه لا يتعجّب الواقف على ما في هذا الكتاب من سَهْوي، وخطئي، فإنّ ذلك لا يسلم منه أحد، ولا يستنكفه بشر ...
قال الله ﵎: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفا كَثِيرًا﴾ (١) .
وقال الفقيه أبو إبراهيم المزنيّ ﵀:
قرأت كتاب الرّسالة على الشّافعيّ ثمانين مرّة، فما من مرّة إلاّ وكان يقف على خطأ، فقال الشّافعيّ: "هِيْه، أبى الله أن يكون كتابا صحيحا غير كتابه" اهـ (٢) .
وحسبي أنّي بذلت جَهْدي، واستغرقت قُدرتي وَوُسْعي، ولا تعمدّت خطأً، ولا أردتّ هوى، وحرصت على إعداد هذا الكتاب إعدادًا جيّدًا، مع قلّة في الوقت، ونَزْرة في العلم ... فإن وُفِّقْت فمن الله وحده، وله الشّكر والفضل والمِنّة، وإن زلّ قلمي، أو قصّرت عن التّعبير عمّا في نفسي، أو نبا فهمي فأستغفر الله منه، وأسأله الصفح، والتجاوز عنه.
وإلى الله إلحاحي في الرّجاء أن يرزقني الإخلاص في العمل كلّه، والرّغبة في جُوْده وإحسانه دون غيره، وأن ينفعني بهذه الرّسالة، ومن أشرف على إعدادها، وكلَّ من قرأها، أو نظرها وتأمّلها، أو استفاد منها، فإنّ الله على كلّ شيء قدير، وبالإجابة جدير ...
_________
(١) سورة: النّساء، من الآية: (٨٢) .
(٢) انظر: كشف الأسرار عن أصول البزدويّ (١/٤) .
1 / 24
وصلى الله على نبيّنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلّم تسليما كثيرًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
وكتب
سعود بن عيد بن عمير الجربوعي
في ليلة يسفر فجرها عن نهار يوم الأحد
السابع عشر من شهر رمضان المبارك
سنة: سبع عشرة وأربعمائة بعد الألف من الهجرة المباركة - أحسن الله خاتمتها -
بمدينة رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسلم - حرسها الله
1 / 25
القسم الأول
1 / 27