Faust
فاوست: صورة مسرحية شعرية للشاعر جوته وقصائد متفرقة للمترجم
Genres
تقديم
مقدمة
الجزء الأول: فاوست
الجزء الثاني: قصائد للمترجم
تقديم
مقدمة
الجزء الأول: فاوست
الجزء الثاني: قصائد للمترجم
فاوست
فاوست
Unknown page
صورة مسرحية شعرية للشاعر جوته وقصائد متفرقة للمترجم
تأليف
يوهان فولفجانج جوته
تقديم وترجمة
محمد عناني
تقديم
على نحو ما أذكر في كتابي «فن الترجمة» - وما فتئت أردد ذلك في كتبي التالية عن الترجمة - يعد المترجم مؤلفا من الناحية اللغوية، ومن ثم من الناحية الفكرية. فالترجمة في جوهرها إعادة صوغ لفكر مؤلف معين بألفاظ لغة أخرى، وهو ما يعني أن المترجم يستوعب هذا الفكر حتى يصبح جزءا من جهاز تفكيره، وذلك في صور تتفاوت من مترجم إلى آخر، فإذا أعاد صياغة هذا الفكر بلغة أخرى، وجدنا أنه يتوسل بما سميته جهاز تفكيره، فيصبح مرتبطا بهذا الجهاز. وليس الجهاز لغويا فقط، بل هو فكري ولغوي، فما اللغة إلا التجسيد للفكر، وهو تجسيد محكوم بمفهوم المترجم للنص المصدر، ومن الطبيعي أن يتفاوت المفهوم وفقا لخبرة المترجم فكريا ولغويا. وهكذا فحين يبدأ المترجم كتابة نصه المترجم، فإنه يصبح ثمرة لما كتبه المؤلف الأصلي إلى جانب مفهوم المترجم الذي يكتسي لغته الخاصة، ومن ثم يتلون إلى حد ما بفكره الخاص، بحيث يصبح النص الجديد مزيجا من النص المصدر والكساء الفكري واللغوي للمترجم، بمعنى أن النص المترجم يفصح عن عمل كاتبين؛ الكاتب الأول (أي صاحب النص المصدر)، والكاتب الثاني (أي المترجم).
وإذا كان المترجم يكتسب أبعاد المؤلف بوضوح في ترجمة النصوص الأدبية، فهو يكتسب بعض تلك الأبعاد حين يترجم النصوص العلمية، مهما اجتهد في ابتعاده عن فكره الخاص ولغته الخاصة. وتتفاوت تلك الأبعاد بتفاوت حظ المترجم من لغة العصر وفكره، فلكل عصر لغته الشائعة، ولكل مجال علمي لغته الخاصة؛ ولذلك تتفاوت أيضا أساليب المترجم ما بين عصر وعصر، مثلما تتفاوت بين ترجمة النصوص الأدبية والعلمية.
وليس أدل على ذلك من مقارنة أسلوب الكاتب حين يؤلف نصا أصليا، بأسلوبه حين يترجم نصا لمؤلف أجنبي، فالأسلوبان يتلاقيان على الورق مثلما يتلاقيان في الفكر. فلكل مؤلف، سواء كان مترجما أو أديبا، طرائق أسلوبية يعرفها القارئ حدسا، ويعرفها الدارس بالفحص والتمحيص؛ ولذلك تقترن بعض النصوص الأدبية بأسماء مترجميها مثلما تقترن بأسماء الأدباء الذين كتبوها، ولقد توسعت في عرض هذا القول في كتبي عن الترجمة والمقدمات التي كتبتها لترجماتي الأدبية. وهكذا فقد يجد الكاتب أنه يقول قولا مستمدا من ترجمة معينة، وهو يتصور أنه قول أصيل ابتدعه كاتب النص المصدر. فإذا شاع هذا القول في النصوص المكتوبة أصبح ينتمي إلى اللغة الهدف (أي لغة الترجمة) مثلما ينتمي إلى لغة الكاتب التي يبدعها ويراها قائمة في جهاز تفكيره. وكثيرا ما تتسرب بعض هذه الأقوال إلى اللغة الدارجة فتحل محل تعابير فصحى قديمة، مثل تعبير «على جثتي
over my dead body » الذي دخل إلى العامية المصرية، بحيث حل حلولا كاملا محل التعبير الكلاسيكي «الموت دونه» (الوارد في شعر أبي فراس الحمداني)؛ وذلك لأن السامع يجد فيه معنى مختلفا لا ينقله التعبير الكلاسيكي الأصلي، وقد يعدل هذا التعبير بقوله «ولو مت دونه»، لكنه يجد أن العبارة الأجنبية أفصح وأصلح! وقد ينقل المترجم تعبيرا أجنبيا ويشيعه، وبعد زمن يتغير معناه، مثل «لمن تدق الأجراس»
Unknown page
for whom the bell tolls ؛ فالأصل معناه أن الهلاك قريب من سامعه (It tolls for thee) ، حسبما ورد في شعر الشاعر «جون دن»، ولكننا نجد التعبير الآن في الصحف بمعنى «آن أوان الجد» (المستعار من خطبة الحجاج حين ولي العراق):
آن أوان الجد فاشتدي زيم
قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم
فانظر كيف أدت ترجمة الصورة الشعرية إلى تعبير عربي يختلف معناه، ويحل محل التعبير القديم (زيم اسم الفرس، وحطم أي شديد البأس، ووضم هي «القرمة» الخشبية التي يقطع الجزار عليها اللحم)، وأعتقد أن من يقارن ترجماتي بما كتبته من شعر أو مسرح أو رواية سوف يكتشف أن العلاقة بين الترجمة والتأليف أوضح من أن تحتاج إلى الإسهاب.
محمد عناني
القاهرة، 2021م
مقدمة
هذا كتاب من جزأين؛ الأول صورة شعرية غنائية مختصرة لمسرحية فاوست التي كتبها شاعر الألمانية الأكبر جوته، والثاني مجموعة من القصائد التي كتبتها في الفترة الأخيرة، باستثناء القصيدة الأولى التي كتبتها أثناء علاجي في المستشفى (في باريس) عام 1993، ولم أدرجها في دواويني السابقة لسبب ما، وأرى الآن أنها مهمة في مسار تطور كتابتي للشعر، وخصوصا جمعي بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة.
Unknown page
وأما فاوست فلها قصة لم أدرك أهميتها إلا بعد أن تعمقت في دراسة نظريات الترجمة الحديثة، ووجدت في هذه النظريات ما يؤيد الترجمة بالإعداد والاقتباس (أو ما نسميه «التطويع» بالمصطلح العلمي
adaptation ) واستندت إلى ما جاءت به سوزان باسنيت وأندريه ليفيفير وغيرهما من أقطاب نظرية الترجمة في ضوء الاختلاف الثقافي (انظر كتابهما بناء الثقافات 1998) أي إنني استندت إلى حق مترجم الأدب في إخراج صورة أو صور له ليست «متطابقة» معه، حتى يبرز ما يراه فيه من وجهة نظر عصره أو ثقافته، أو حتى من وجهة نظره الشخصية.
وكان قد سبق لي إعداد نص غنائي بالعربية عن مسرحية روميو وجوليت، لشيكسبير، وقدم على المسرح بألحان (وموسيقى) من وضع جمال سلامة عام 1985، وطبع بعد ذلك في طبعة خاصة، كتب عنها بعض الباحثين دراسات علمية (عبير الأنور، ماجستير) لكنني كنت في أعماقي قلقا على التجربة، وكنت مثل غيري من العرب أنفر من أي تعديل في النص الأصلي (كأنما هو نص مقدس) ثم ازدادت خبرتي بمناهج الترجمة الأدبية في العالم، وازدادت معها نظرتي نضجا وحداثة؛ ولذلك لم أتردد حينما طلب مني المخرج النابه انتصار عبد الفتاح إعداد نص غنائي عن مسرحية الملك لير في عام 1995، فقدمت له ما أراد وقدمه على المسرح في العام نفسه، قبل أن أترجم المسرحية كاملة وأنشرها في العام التالي. كان قد أطلق على الإعداد الموسيقي اسم سيمفونية لير، وشجعه النجاح على أن يقدم فاوست بعدها، مدفوعا بإلحاح مخرج آخر يدعى هاني غانم (يقيم في ألمانيا)؛ ومن ثم بدأنا التخطيط للإعداد من وجهة نظرهما، وكانا يريدان «كلمات قليلة وموسيقى كثيرة»، ولكنني كنت أصر على تقديم جوهر المسرحية الألمانية، وهو ما وجدته فيما يسمى
Urfaust
أي فاوست الأصلية التي كتبها الشاعر عام 1772-1775 وإن ظل المخطوط مجهولا حتى عام 1887، وكان نشره قد ألقى أضواء جديدة ومثيرة على المسرحية.
وأسعدني الحظ بأن عثرت على خمس ترجمات إنجليزية للمسرحية، أحدثها ترجمة ديفيد لوك
Luke
الصادرة عام 1988، وهي التي فازت بالجائزة الأوروبية لأفضل عمل شعري مترجم، وقال عنها الشاعر الإنجليزي ستيفن سبندر
Spender : «أخيرا! ترجمة لرائعة جوته تعتبر عملا أدبيا رائعا بالإنجليزية. إذ إن ديفيد لوك ينقل المعنى، والدفقة الذهنية، ورشاقة الأسلوب البايرونية للنص الأصلي. هذه الترجمة من عمل شاعر وباحث علمي في الوقت نفسه.» (مجلة ذا سبكتاتور 1989). وقد أجريت مقارنات بين هذه الترجمة وغيرها، وكلها شعرية، فلم أجد فروقا تذكر، أقصد فيما نسميه «المعنى»، ومع ذلك فقد كان اختلاف الصياغة بينها يبين كيف يفسر كل مترجم نص الشاعر، وتفاوت التفسيرات وإن كان طفيفا له دلالته، ومن ثم فإنني وضعتها أمامي جميعا وجعلت أرجع إليها بانتظام أثناء القراءة التمهيدية، وأذكر أنني قضيت وقتا طويلا في المقارنة حتى انتهيت إلى ما يشبه الرؤية «الحقيقية» لنص جوته الأصلي، كما انتهيت إلى أن ترجمة لوك تمثل المركز الذي تدور حوله الترجمات الأخرى قربا وبعدا، فأما أبعدها عنه فهي ترجمة فيليب وين
Wayne
Unknown page
التي صدرت عام 1949 وطبعت 28 طبعة حتى عام 1987، في سلسلة بنجوين؛ ولذلك فربما اتضح للقارئ ما أعنيه بالتفاوت في الصياغة والاشتراك في الجوهر عند مقارنة الترجمتين الإنجليزيتين للفقرة الاستهلالية من الإهداء، وها هي ذي ترجمة وين بالإنجليزية تتلوها ترجمتي العربية:
Once more you hover near me, forms and faces
Seen long ago with troubled youthful gaze
And Shall I this time hold you, limn the traces,
Fugitive still, of those enchanted days?
You closer press: then take your powers and places, Command me, rising from the murk and haze;
Deep stirs my heart, awakened, touched to song,
As from a spell that flashes from your throng.
ها أنت رجعت إلى التحليق هنا قربي
يا أشكالا ووجوها كنت أحدق فيها بعيون شبابي الحيرى!
Unknown page
أتراني سوف أضمك هذي المرة كي
أسترجع آثارا هربت
في أيام ساحرة سربت؟
ما أكثر ما تقتربين! فهيا بقواك وكل ديار،
بارزة من وسط ضباب ونثار الأكدار
فمريني! ما أعمق ما يضطرب فؤادي
إذ يصحو كي أبدع إنشادي!
فكأن الوحي وميض من هذا الحشد الشادي.
Ucertain shapes, visitors from the past
At whom I darkly gazed so long ago
Unknown page
My heart’s mad fleeting visions-now at last
Shall I embrace you, must I let you go?
Again you haunt me: come then: hold me fast!
Out of the mist and murk you rise, who so
Besiege me, and with magic breath restore,
Stirring my soul, lost youth to me once more.
يا أشكالا غامضة يا زوارا من زمن ولى
كنت أحدق فيها في الماضي بعيون حيرى
يا أطياف رؤى قلبي العابرة الحمقى
هل آن أخيرا أن أحتضنك أم أدعك حتما تمضين؟
Unknown page
قد عدت إلي الآن فهيا احتضنيني
وإلى صدرك ضميني!
من بين ضباب ونثار الأكدار
أطللت علي فأحكمت حصاري
وبأنفاس السحر أعيدي لي عهد يفوعي
وأثيري القلب هنا بين ضلوعي
واقتطافي هذه الفقرة لا يقصد به عقد مقارنة أو تفضيل نص على نص؛ فنحن لا نعرف ما قاله الشاعر حقا بالألمانية، وطرائق تفسيره المتعددة، وإنما قصدت به أن ترجمة الشعر تسمح بإخراج الصياغة التي تقوم على التفسير الخاص الذي يراه المترجم، وما يتسلح به من خبرة لغوية خاصة (أي بلغته الأم)؛ فالمتأمل لكل نص من هذه النصوص الأربعة سوف يجد آثارا لنصوص أجنبية وعربية وراءها، كما علمنا فوكوه، (وكما أثبتت كريستيفا في شرحها للتناص) وهذا محتوم ولا مندوحة عنه؛ ومن ثم فإن «تطويع» النص عند نقله من لغة إلى لغة يتجاوز كثيرا مقابلة اللفظ باللفظ؛ فلكل مترجم أدبي معجمه المستند إلى طاقاته وخبراته اللغوية، تماما مثل الشاعر الذي يتميز بمعجم شعري يصبح علما عليه.
وركزت جهودي في وضع هيكل للجزء الأول من فاوست الذي نعتبره صلب المسرحية، ولم أجد في الجزء الثاني الذي نشره الشاعر بعد سنوات كثيرة ما يضيف كثيرا من المادة الدرامية، واخترت فقرات معينة لترجمتها، مراعيا أن تمثل حلقات متصلة من نص مترابط، وأن يمثل العمل الموجز الجزء الأول كله من المسرحية، وقرأته على المخرج وصاحبه، فقالا إن هذه مسرحية شعرية، لكننا نريد مسرحية موسيقية، واشترطا أن أحذف الحوار مكتفيا بالقطع الشعرية الغنائية، فرفضت وافترقنا.
ونشرت هذا الإعداد الموجز في مجلة المسرح، وكنت أعمل رئيسا لتحريرها، ونسيت المسرحية وما أحاط بإعدادها سنوات طويلة، حتى ذكرني بها شاعر من قنا كان عميدا لكلية الآداب فيها، وهو الدكتور أبو الفضل بدران، وجعل يناقشني فيما غاب عن ذاكرتي، لكنني كنت قررت أن أتجاهل هذا النص، حتى فرض علي الاهتمام به فرضا حين تلقيت مكالمة تليفونية من الدكتور محمد مهدي، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة بنها، منذ سنوات، وامتدت المكالمة بيننا نحو ساعة ناقشنا فيها هذا المفهوم الجديد للترجمة، أي «التطويع»، الذي يشبه من بعض الوجوه مفهوم جون درايدن، الشاعر والناقد الإنجليزي الكلاسيكي، عن الترجمة الإبداعية، وهي النوع الثالث «الراقي» في نظره، وإن كان يسميه «المحاكاة»، ودارت الأيام وجاء العقد الأخير من القرن العشرين بنظرية الترجمة الثقافية، وما أتاحته من حرية للمترجم، وذكرت ما فعلته بنص فاوست، ولكن حركة الترجمة المزدهرة في مصر كانت تشترط محقة الترجمة عن اللغة الأصلية، فأحجمت مرة أخرى عن النشر.
ولكن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أحيا القضية من جديد. إذ اهتم بعض فلاسفة النظرية الأدبية الحديثة بالترجمة الأدبية، بغض النظر عن صورتها التي تشغل في الآداب القومية موقعا معترفا به بينها، بحيث يقرؤها الناس ناسين أنها ترجمة، مثلما يقرءون الآداب الكلاسيكية من دون الوعي بلغاتها (ناهيك عن معرفة هذه اللغات) مثل ترجمة الإلياذة لهوميروس أو أعمال فيرجيل وأوفيد وغيرهم، أو مثل الأعمال المترجمة عن لغات أوروبية أخرى وقد أصبحت من تراث الأدب الإنجليزي، مثل أعمال إبسن النرويجي وسترندبرج السويدي وهانز كريستيان أندرسون الدانمركي وهيرمان هسه الألماني ودانتي الإيطالي، والقائمة طويلة. لقد أصبحت هذه الأعمال آدابا لا ينظر إلى أصولها قط، مثلما لا ينظر أحد إلى النص العبري أو اليوناني (أو الآرامي) لأسفار الكتاب المقدس، بل إن لغة ترجمة الكتاب المقدس أصبح يحتج بها مثل لغة كبار أدباء الإنجليزية. وكان من حسن حظي أن انهمكت في دراسة مذاهب الترجمة الحديثة التي تجاوزت قضايا «التعادل» اللغوي القديمة، فوجدت أن تقديمي لهذا التطويع الموجز لرائعة جوته مشروع، خصوصا لأن الترجمة الكاملة التي قدمها العلامة والمحقق عبد الرحمن بدوي عسيرة الفهم، على الرغم من أنها منثورة ورغم أنها ترجمت، حسبما يقول المترجم، عن الألمانية. وقد استعرتها من صديقي العلامة والأديب المرهف الحس ماهر شفيق فريد وحاولت أن أقرأها فلم أستطع، ولم أجد فيها شعرا ولا مسرحا، ولا أظن إلا أنه ترجمها بأسلوب تحقيقه لكتب التراث؛ إذ اكتفى بصحة معاني الكلمات (ولا أستطيع التحقق من هذا لجهلي بالألمانية) ورص الألفاظ رصا.
Unknown page
وأنا أعتذر عن هذه الإشارة إلى ترجمة العلامة المذكور، خصوصا لتلاميذه من عشاق الفلسفة الألمانية التي يستعصي فهمها على الكثير منا، دارسي الأدب والفكر الإنجليزي الذين يعشقون الوضوح، ويطلبون في المسرح الشعري أن يكون سلسا لينا في اللسان، ذا إيقاع منتظم يذكرهم أنه شعر. ويبدو أن انتقاد العلامة المذكور أصبح يدخل في عداد الكفر بالله، إذ إن له قبيلة ومريدين ما إن ينتقده أحد حتى يهبوا للبطش به، وما أظنني ناجيا من سهامهم، ولكنني أقول إن العبرة في ترجمة المسرح بقبول النص التقديم على المسرح، فإذا كان شعرا فلا بد أن يكون قريب المأخذ واضحا (بل إلى أقصى درجات الوضوح)؛ فالمسرح غير الفلسفة، ومشاهد المسرح لا يسمع العبارة إلا مرة واحدة، فإن فاتته فرصة فهمها فقد جزءا من أجزاء العمل الفني.
وأما المؤلف فهو جوته
Goethe
الذي ولد في فرانكفورت عام 1749 ونشأ فيها ودرس في جامعة لايبزيج وحصل على إجازة في القانون، ومارس المحاماة فعلا، وتولى الوزارة في يوم من الأيام، ولكن أهم عمل له هو فاوست، وقد بدأ كتابتها وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وأكملها بعد ذلك بعامين، لكنه كان يعود إليها بين الفينة والفينة حتى نشرها عام 1808، وكان العنوان يقول إنها الجزء الأول من التراجيديا، ثم قدم هذا الجزء على المسرح في عام 1829 قبل وفاته بثلاثة أعوام، ولم تقدم المسرحية كاملة إلا في عام 1876. وكان جوته شاعرا وقصاصا وروائيا وناقدا ومترجما، وعاش حتى بلغ الثالثة والثمانين ولم يكن قد أكمل الجزء الثاني من المسرحية إلا آنذاك.
وأما «مادة» المسرحية فهي مستقاة من حكايات شعبية تبلورت في القرن السادس عشر، الذي كان يعتبر عصر استكشاف المحظورات، فلقد ظهرت في أوروبا آنذاك بوادر المذهب الإنساني [أو الهومانيزم كما يسميه أستاذنا لويس عوض] وبدأت العلوم الطبيعية تحرر نفسها من الخرافات المستمدة من السحر والشعوذة، بحيث كان الاتجاه الجديد يمثل طعنا في الصور التقليدية الجامدة للعقائد القائمة على اليقين، ولم يكن الناس جميعا قد استجابوا بعد للروح العلمية التي بلغت أوجها في القرن السابع عشر؛ إذ كانت رواسب العصور الوسطى لا تزال قائمة وترتوي بحكايات الغرائب والعجائب. وكانت أسطورة المجوسي الجريء الذي يبيع نفسه للشيطان في مقابل الحصول على «المعارف الجديدة» والظفر بقوى جديدة، من الأساطير التي ازدهرت في هذا الجو، ويقال إن للأسطورة أصلا تاريخيا إذ يذكر التاريخ فعلا رجلا يدعى فاوستوس
Faustus ، وإن كان الغموض يحيط بسيرته، ونعتمد في هذه السيرة على مصادر قليلة متفرقة، يقول بعضها إن شخصا يدعى جورج فاوست عاش في الفترة من 1480 إلى 1540، وكان محتالا أكاديميا جوالا يزعم أن لديه معرفة بالخوارق وما يستعصي على عقول العامة، وأنه يتمتع بمواهب خاصة، وقيل إنه مات قتلا. وبدأت الأساطير تنسب له ألقابا أكاديمية بعد موته، وأصبح يشار إليه باسم الدكتور يوهان فاوستوس، والاسم بصورته اللاتينية يعني المحظوظ أو المصطفى، وقيل إنه كان أستاذا في جامعة فيتنبرج، وإن الشيطان كان يرافقه على هيئة كلب أسود، وإنه كان يستحضر أمام تلاميذه الشخصيات التي ذكرها هوميروس في ملحمتيه، وإنه كان يخدع البابا والإمبراطور بحيل معينة، وإنه بعد أن أتم فترة الاقتران بالشيطان، وهي التي كانت قد حددت بأربع وعشرين سنة، وقع فريسة للشياطين الصغار الذين مزقوه إربا وألقوا به في الجحيم.
وعلى امتداد القرن السادس عشر انتشرت الحكايات الشعبية التي تتحدث عنه في ألمانيا، وكانت هذه زاخرة بالتفاصيل المثيرة لمغامرات «الساحر»، وتقدم للناس العظة الأخلاقية المستقاة من سقوطه آخر الأمر. وكانت هذه الحكايات تطبع في كتيبات شعبية، بعنوان فاوست وحسب، وكان أولها كما يقول المؤرخون قد ظهر في مدينة فرانكفورت في عام 1587، ولم تتوقف طباعتها حتى بداية القرن الثامن عشر، وتضم صورا مختلفة لحياة الرجل، وكانت ترجماتها تتوالى في أوروبا بلغاتها المختلفة، والمعتقد أن إحدى ترجماتها الأولى هي التي أوحت إلى الشاعر الإنجليزي كريستوفر مارلو
Marlowe
بكتابة مسرحيته المعروفة وعنوانها التاريخ المأساوي للدكتور فاوستوس في عام 1592 على الأرجح، وإن لم تنشر إلا بعد وفاته، أي في عام 1604.
ولما كان من المعتاد أن تسافر الفرق المسرحية في العصر الإليزابيثي لعرض مسرحياتها في قصور الأمراء الأجانب، فلم ينقض وقت طويل حتى بدأ الناس من المناطق التي تتحدث اللغة الألمانية في أوروبا يعرفون صورا «فاسدة» من مسرحية مارلو، ونعني بالفساد هنا التحريف الشديد الذي يقوم عادة على التبسيط المخل، أي تحويل التضاد في الصراع الدرامي إلى تضاد مبالغ فيه، كالتضاد بين اللونين الأبيض والأسود وحذف الدرجات اللونية بين هذين، والتي عادة ما نسميها درجات اللون الرمادي. وكان من الطبيعي أن «تستولي» فرق العرائس و«خيال الظل» على هذه الصور المحرفة وتقدمها للصغار (وللكبار) باللغة الألمانية، وبعضها لا يزال يقدم حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. ويقول النقاد والباحثون إن جوته عرف حكاية فاوست أول الأمر عندما شاهد في طفولته إحدى مسرحيات العرائس المذكورة، ويرجحون أنه قرأ أيضا أحد الكتيبات الشعبية التي كانت قد طبعت عام 1725. ومن الغريب أنه لم يقرأ مسرحية مارلو إلا عام 1818 بل وفي ترجمة ألمانية، لكنه كان يلم بمحتواها قطعا من خلال مسرح العرائس خصوصا.
Unknown page
وعلى الرغم من أننا نجهل على وجه الدقة بداية تفكير جوته في استخدام أسطورة فاوست، فإننا نستنبط من طبيعة العصر الذي نشأ فيه، مثل مارلو من قبله، أنه وجد فيها إمكانات هائلة للإبداع في زمن التحولات ونشأة المذهب الهوماني وتحدي ما يسمى بالمؤسسة الثقافية، وكان ذلك على الأرجح إما أثناء دراسته الجامعية في لايبزيج في الستينيات من القرن الثامن عشر، أو بعدها بقليل. ويرجع أحد الأسباب إلى انتمائها إلى الأدب الشعبي مجهول المؤلف الذي كانت الذائقة السائدة في القرن الثامن عشر تستهجنه. وفي مقابل ذلك كان الحماس الرومانسي الذي نعرفه خير المعرفة في الأدب الإنجليزي في تلك الفترة، والمستوحى من كتابات جان جاك روسو
Rousseau
الفرنسي؛ يعلي من شأن كل ما هو طبيعي أو بدائي، أو ما لم يتأثر بالتعليم أو ما لم تفسده يد الإنسان. وقد بلغ هذا الحماس أقصاه عند اليافع جوته وأبناء جيله الذين ينتمون كما هو معروف إلى حركة «العاصفة والقهر» (مجدي وهبة)، وخصوصا من رافقوا جوته واتبعوا مذهبه. وفي عقد السبعينيات من القرن الثامن عشر تعلم جوته من الفيلسوف والأديب هيردر
Herder (1744-1803) التقدير الشديد للقصص الشعبية والمواويل الغربية القديمة، مثلما حدث في إنجلترا للشاعرين وردزورث وكولريدج بعد عقدين، وقد تجلى إيمان جوته بالتراث الشعبي في الصورة الأولى لمسرحية فاوست
Urfaust
وفي شعره المبكر.
ولكن الباحثين يؤكدون أن هذا الاتجاه كان مدفوعا إلى حد كبير بنشدان الماضي القومي باعتباره تراثا مترابطا يمثل الروح الألمانية في وقت لم تكن ألمانيا فيه قد أصبحت أمة واضحة الهوية الثقافية. ويدل على ذلك ما أبدعه جوته في هذا الوقت من أدب يوحي بالبحث عن الأسلاف، ورصد الجذور؛ إذ انصب اهتمامه على ما يسمى «العصر العظيم» وكبار المفكرين الألمان من رويشلين وهاتين إلى باراسيلوس ولوثر وساخس. ومن الطريف أنه كتب في السبعينيات من القرن 18 أيضا مسرحيته التاريخية عن حياة «الفارس ذي القبضة الحديدية» جوتفريد فون برليشينجين
Gottfried von Berlichingen
ونشرها عام 1773 بهذا العنوان نفسه، ويرفع فيها هذا البارون اللص (1480-1562) إلى مرتبة الأبطال؛ لأنه كان يناصر القيم البسيطة «الطبيعية» في ألمانيا ضد مظاهر الحذلقة والتصنع في البلاط الألماني، وكان يوازيها في عصره أفراد الطبقة الأرستقراطية الذين كانوا يتحدثون الفرنسية، وكان على النهضة الأدبية المنتمية للطبقة الوسطى في ألمانيا أن تعارضها. وكان من أهم مظاهر هذا العمل الدرامي ثورته على القيم الدرامية الكلاسيكية، وهي التي كانت الذائقة الفرنسية قد فرضتها على الأدب الألماني، والشعر المسرحي خصوصا، على نحو ما نرى في بناء الصورة الأولى لمسرحية فاوست.
ودارسو الأدب الإنجليزي يجدون في خضم هذه الثورة ما ألفوه في ذلك الأدب في مطلع القرن التاسع عشر، فلقد سبق جوته في قصيدته بروميثيوس (التي ترجع إلى هذه الفترة) معالجة الشاعر شلي للأسطورة نفسها؛ فقد حرره جوته، وأمكن للشاعر الإنجليزي أن يكتب بروميثيوس طليقا واثقا من هدفه. ولكننا نعرف أن شلي اتهم بالإلحاد وفصل من جامعة أوكسفورد، وكان مارلو مهددا بالمحاكمة بتهمة الإلحاد هو الآخر في الوقت الذي توفي فيه عام 1593؛ إذ كان قد أضفى على بطله فاوستوس لمسة بطولية وهبته وقارا لم تكن المؤسسة الدينية تراه فيه، خصوصا في المشهد الأخير من المسرحية. ولكن الزمن كان قد دار دورته في عصر جوته ، وأصبح من المقبول أن يتغاضى الناس عن مصير فاوست، بعد أن ضعف الاتجاه القديم إلى إحراق المارقين والساحرات (والسحرة) أو حتى المتهمين بالإيمان بالشيطان! وكان جوته لا يستبعد إمكان توبة الخاطئين، مثل كبار فلاسفة حركة التنوير الأوروبية، ولم يكن أول من نظر في إمكان خلاص فاوست، خصوصا بعد أن كتب ليسينج
Unknown page
Lessing (1729-1781) ما كتب عن الثقافة التنويرية الناضجة، بل وكتب صورة من صور أسطورة فاوست يسمح فيها بتوبته ونجاته من النار، ولكن المخطوط فقد.
وتوبة فاوست تمثل جوهر الاختلاف في معالجة جوته للأسطورة عمن سبقوه، وإن لم يكن من المؤكد نسبة هذا الاختلاف إلى تأثير ليسينج. والذي نستطيع تأكيده أن عاملا جديدا بدأ يؤثر في مساره الإبداعي في عام 1768؛ إذ انكب على قراءة كتابات الدارسين لما يسمى عالم الغيب والأسرار، من السحر إلى الخيمياء
Alchemy [أي الكيمياء السحرية] وهو الموضوع الذي شغل إسحاق نيوتن نفسه قبل ذلك بمائة عام، ولم أدهش حينما مررت بهذه الحقيقة في حياة نيوتن نفسه، أبي الفيزياء الحديثة، فلم تكشف الطبيعة عن كل أسرارها لنا، وقد نجد أننا مضطرون إلى التوسل بمنطق الروح (mythos)
حين يعجز منطق العقل (logos)
عن تفسير سر من أسرار الطبيعة. وقد وجد جوته عند باراسيلسوس
ما ينشده، حتى قال بعض النقاد إنه كان النموذج الذي بنى عليه فاوست. ولكنه وجد ما يطلبه أيضا عند جوردانو برونو
Bruno
الفيلسوف الإيطالي الذي حكمت عليه محاكم التفتيش بالإعدام، وأعدم حرقا (1548-1600) ودارس الثيوسوفيا السويدي سويدينبورج
Swedenborg (1688-1772) وكان عالما ومتصوفا، وأما الثيوسوفيا
Theosophy
Unknown page
فيترجمها مجدي وهبة بالحكمة الإلهية، مبينا أنها تعني الإيمان بأن معرفة الذات الإلهية تقوم على الإشراق والتصوف المؤديين إلى الاتصال بالله.
ونحن نجد أنصع تبيان لهذا العامل الجديد في السيرة الذاتية التي كتبها جوته بعنوان الشعر والحقيقة في مطلع القرن التاسع عشر؛ إذ يذكر كيف كان يسخط سخطا عميقا على دراساته الجافة العقلانية القائمة على الفلسفة المادية، وهي التي كانت تسيطر آنذاك على الحياة الأكاديمية بسبب التأثير الشديد للحركة التنويرية، وكان يرى أن الموسوعيين الفرنسيين قد أحالوا الطبيعة إلى نظام ميت، أي بعد أن سلبوه الروح، وكانت الروح تقتضي الإحساس بالوجود العلوي؛ أي الإيمان بالله. ولكن الصراع في نفس جوته كان يدور آنذاك بين الثورة على المذاهب الجامدة، العلمية والدينية، وبين قبول العلم والدين معا، من دون أن يرى في ذلك تناقضا. وسحر أسطورة فاوست مستمد من الدين فقط، لكن ترى ماذا يكون عليه الحال لو اصطدمت هذه الأسطورة بالصراع المذكور؟ في الصورة الأولى للأسطورة ينقطع حوار فاوست مع «روح الأرض» الذي يمثل الإيمان بالحلول، دون التوصل إلى نتيجة. وأما في النسخة المنشورة التي اعتمدت عليها في الترجمة، فالصراع يعتمد على أبعاد إنسانية وبشرية تضعه أمام القراء ملموسا نابضا حيا. ومن ثم فإنني اخترت المشاهد التي ترجمتها استنادا إلى ما يتبدى في سائر المسرحية من آثار هذا الصراع وتجلياته.
أرجو أن أكون قد أصبت الاختيار، وأن أكون قد أصبت قدرا من التوفيق في نقل الروح الشعرية والغنائية التي تتميز بها النصوص الإنجليزية المترجمة، وأظنني قد أبرزت مدى اهتمام جوته بالتراث الشرقي والعربي، وهو الذي يبدو تأثيره واضحا في الحركة الرومانسية الأوروبية.
محمد عناني
القاهرة 2013
الجزء الأول: فاوست
صورة مسرحية شعرية
الشخصيات
فاوست:
طبيب في الثمانين.
Unknown page
إبليس:
كبير الشياطين.
مرجريت «جريتشن»:
فتاة في ربيع العمر.
فالنتين:
أخو مرجريت.
روح الأرض:
عفريت صغير.
أرواح وعفاريت.
المشهد الأول (غرفة مكتب فاوست - طبيب - المكتب مليء بالكتب والرفوف، وفي الركن معمل فيه قوارير ومواقد - وفي منتصف الغرفة مدفأة موقدة.)
Unknown page
فاوست :
ليس في الطب شفاء!
ليس في السحر دواء!
هذه الكتب وتلك الأرفف العرجاء خاوية المعارف
قد قضيت العمر مهموما تعذبني الوساوس والمخاوف
كلما رمت يقينا زاد شكي وعذابي!
كلما زدت اقترابا زاد بعدي واغترابي!
ليس هذا الزاد ما ترضاه نفس تنشد الحق المبينا
تنشد الأحلام صدقا ... تنشد الصدق يقينا
هل بذا يقضي ابن رشد؟
Unknown page
هل بذا قال ابن سينا؟
قد ورثت الحكمة العليا من العرب القدامى
لكن العصر يجافيني وشكي يتسامى!
عالمي خلط غريب من فكر!
أو خليط من صراعات البشر!
ربما في السحر مفتاح لألغاز الوجود،
تذرع الكون سحابات تجليها الرعود!
من أنا؟ أو ما أنا؟ ربما في الأرض سري!
ربما في الأرض أسرار القيود!
سوف أدعو روح تلك الأرض حتى تجتلي سر الخلود!
Unknown page
كلمة السر هي الأرض حياتي ومماتي!
إيه يا روح انطقي! إيه يا روح الرفات!
لست أرجو غير برق أو سنا
أيهذي الأرض قولي من أنا! (تظهر روح الأرض.) (أو يسمع صوتها فقط.)
روح الأرض :
أيها الإنسان ما غرك؟
أنت من طيني خلقت وفيه سرك!
أنت جسم للفناء
أنت من نسج الهباء!
فاوست :
Unknown page
بل أنا الإنسان علمت البيان
وأنا أقتبس العلم من الرحمن!
روح الأرض :
إنكم أكثر شيء جدلا!
فاوست :
لم لا تبدين علم النابهين العالمين؟!
روح الأرض :
ليس علم الإنس يهدي لليقين!
فاوست :
قد قرأت الغابرين
Unknown page
علم إخوان الصفاء
علم خلان الوفاء
روح الأرض :
باطني يزخر بالعلماء!
كلهم أمسى ترابا
كلهم بات سرابا!
هذه الأرواح عندي
كل من راح وآبا!
فاوست :
هل غدا العلم يبابا؟
Unknown page
روح الأرض :
بل أحابيل خداع
بعض قرطاس قصير الباع
أو مداد في يراع!
فاوست :
أنت يا روح الثرى حلم سقيم فاغربي!
كيف لا تفضي دروب العلم للحق اليقين؟
إن إيماني بدنيانا الخفية
يبتغي زادا سوى العلم القديم
إن في الجنبين أهواء ينافي بعضها بعضا
Unknown page
وتدمي القلب مني في الصميم
يا ترى ضاعت جهود العلم إذ
أنهكت روحي فيه أستفتي الهداية!
إن روحي الخالدة
أصبحت مثل السفين
تستبد الريح طغيانا بها!
عدت وحدي بارد الأطراف أسعى للمحال!
إن عقلي جذوة من بعض نار
كيف لا ألقى على النار هدى؟
اغربي يا روح تلك الأرض إني
Unknown page