Fatinat Imbaratur
فاتنة الإمبراطور: فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا السابق وعشيقته كاترين شراط
Genres
وما مر على خروج فرغتن دقيقتان حتى نبه البارونة برجن من بحرانها صوت كأنه قرع، صوت عند باب المنزل، تلاه سباب وشتم فأطلت البارونة من شباك مظلم، فإذا اثنان يتصارعان الواحد يريد أن يفلت والآخر ممسك بتلابيبه وهو يكيل له اللطمة على خديه إثر اللطمة، إلى أن أفلت ذاك منه وأسرع مهرولا وهو يقول له: «يا جبان، يا لص، يا نذل.» فهمست البارونة من فوقه قائلة: من هذا يا أيها البطل؟ - هذا لص أو جاسوس لا أدري، وإنما رأيته يتلصص حول هذا المنزل حينا بعد آخر. - وأنت أين تكون حتى تراه؟ - إني مقيم في هذا المنزل المقابل لمنزلكم، فلا أدخل ولا أخرج إلا أرى هذا اللص يحوم حول منزلكم، فلم أطق نذالة كهذه فعاقبته على خسته. - عافاك الله يا بطل يا شريف، هل تتفضل أن تدخل فنشكر لك مروءتك. - إني يا سيدتي قد فعلت الواجب على كل ذي كرامة، فإذا أذنت لي بالدخول لكي أثبت لك إخلاصي في حراسة هذا المنزل أكون شاكرا. - على الرحب والسعة.
ثم أسرعت وفتحت الباب، فدخل وأوصدت وراءه ودخلت به إلى الغرفة الوسطى وهو خافق الفؤاد لا يصدق إن كان هذا القبول تعطفا أو شركا؛ بيد أنه لم يبال بالنتيجة مهما كانت إذا كان هذا المدخل يؤدي إلى صلته بالحبيبة، ولو كانت صلة وقتية.
ولما أصبح في البهو الساطع الضياء الأنيق الرياش، لم يشك أنه في حضرة البارونة برجن؛ إذ علم من السيدة التي اجتمع بها في حانة هرمن أنها هي المسيطرة على هذا المنزل، ولما استقر بها المقام قالت له: هل عرفت حضرتك هذا الشخص الدنيء الذي كان يتلصص هنا؟ - أعرفه بالوجه فقط. - وهل دريت لماذا يتلصص؟ - لا أدري، لعله خبيث القصد غير شريفه، أو كسائر الفتيان الأدنياء الذين يضاجرون الأوانس والعقائل بأساليب غير شريفة.
وكانت البارونة تبالغ في الهشاشة له والبشاشة، فقالت : وما الذي نبه جنابك إلى تلصصه؟ - تكرار هذا التلصص. - إني يا حضرة الفاضل لممتنة للطفك شديد الامتنان، وأتمنى أن تشرفني بمعرفة جنابك.
فازمهر الفتى قليلا وقال: أدعى يا سيدتي الماجور جوزف شندر. - الماجور جوزف شندر؟ أهلا وسهلا، لقد روت لي مدام ميزل لطفك العظيم ليلة رافقتها والآنسة أميليا من ملعب فولكس إلى هنا، ولطالما تقت للقائك لكي أشكر لك هذه المنة.
فخفق فؤاد جوزف لهذا الحديث المطرب وقال: لقد كنت أسعد حظا في تلك الليلة من جميع ليالي حياتي يا سيدتي، ولطالما تمنيت أن يكون لي مثلها.
فابتسمت البارونة وقالت: إن سكوتنا عن شكرك كنود، وإننا نحمد الله لأنه قيض لنا هذه الفرصة السعيدة لبث امتناننا لك، يجب على مدام ميزل وعلى أميليا أن يعربا عن شكرهما بنفسهما لك.
ثم نهضت البارونة واستدعت المرأتين قائلة: لا ريب أنه يسركما يا مرغريت ويا أميليا أن تشكرا لحضرة الماجور جوزف شندر فضله في حراستكما ليلة مجيئكما من الملعب، وقد أضاف إلى فضله فضلا آخر بأن طرد من حول منزلكما دخيلا دنيئا كان يتلصص حوله الليلة.
فدخلت المرأتان وصافحتا الماجور وأميليا تزمهر تارة وتمتقع أخرى، وقلب الماجور يخفق بين مهاب الهوى، وجرى بين الأربعة حديث لم يخرج عن حد المجاملة والملاطفة. وبعد نحو ربع ساعة أومأت البارونة من طرف خفي إلى الفتاة والمرأة أن تخرجا، فانسلت الواحدة بعد الأخرى والماجور ينتظر عودتهما؛ لأنه لم يشعر بإيماء البارونة، ولما خرجتا قالت البارونة: إن أميليا حيية وخجول جدا، فاعذرها إذا كانت قد قصرت في الإعراب عن امتنانها، على أنها شاعرة بلطفك. - إنك يا سيدتي تبالغين في تقدير الواجب الذي عملته، حتى صرت أشعر أني كنت فضوليا في عمله، وكدت أحسب وجودي الآن هنا تطفلا. - عفوك، لست أعني إلا ما يخامر نفسي من واجب الاعتراف بفضلك والافتخار بصداقتك والسرور بتشريفك، واعلم أن هذا المنزل الذي تحرسه متبرعا لهو كمنزلك، ولك أن تتفقده حين تشاء، وإذا لم تجد من مدام ميزل ومن أميليا على الخصوص الإكرام اللائق بك، حق لك أن تتهمهما بالكنود والجحود.
فنبض فؤاد الماجور عند ذكر أميليا نبضة كادت البارونة تسمعها وقال: إنك يا مدام تحققين لي الآن حلما طالما حلمته في اليقظة والمنام على حد سواء، وأنا أعد تحقيقه بعيدا عني بعد الملائكة عن البشر.
Unknown page