265

Al-Fatḥ al-Rabbānī min fatāwā al-Imām al-Shawkānī

الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني

Investigator

أبو مصعب «محمد صبحي» بن حسن حلاق [ت ١٤٣٨ هـ]

Publisher

مكتبة الجيل الجديد

Publisher Location

صنعاء - اليمن

عبد الله (١) القرشي: استغاثة المخلوق (٢) بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وأما الاستعانة بالنون فهي طلب العون، ولا خلاف أنه يجوز أن يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه من أمور الدنيا، كأن يستعين به على أن يحمل معه متاعه، أو يعلف دابته، أو يبلغ رسالته، وأما ما لا يقدر عليه إلا الله- ﷻ فلا يستعان فيه إلا به. ومنه:﴾ إياك نعبد وإياك نستعين ﴿(٣)

(١) هو عبد الله بن محمد القرشي التونسي، صوفي كبير الشأن عند المتصوفة، ولد بالإسكندرية سنة ٦٣٧ هـ ومات بتونس سنة ٦٩٩ هـ.
"الطبقات الكبرى": (١/ ١٥٩) "طبقات الأولياء": (ص ٤٨٨).
(٢) ذكره ابن تيمية في " الفتاوى " (١/ ١١٢و ٣٣٠).
(٣) [الفاتحة: ٤].
فائدة: النسبة بين الاستغاثة والدعاء:
من المعلوم أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، كما قال تعالى﴾ فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ﴿[القصص: ١٥] والدعاء أعم من الاستغاثة؛ لأنه يكون من المكروب ومن غيره " تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ سليمان بن عبد الله (ص ٢١٤).
فالاستغاثة دعاء لكنه دعاء خاص فلو لم تكن دعاء لكانت مقابلتها بالإجابة غير وجيه، وقد قال تعالى:﴾ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ﴿[الأنفال:٩].
ولتوضيح النسبة بين الاستغاثة والدعاء لا بد من بيان أن الدعاء في القرآن والسنة نوعان:
الأول: دعاء عبادة، وهذا النوع ورد كثيرا في القرآن كقوله تعالى:﴾ فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ﴿[الشعراء: ٢١٣].
النوع الثاني: دعاء المسألة، وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، ومن أدلته قوله تعالى:﴾ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴿[الأنعام: ٤٠ - ٤١].
فائدة: أنواع الاستغاثة:
الأول: طلب إزالة الشدة من المخلوق في الأسباب الظاهرة والأمور الحسية العادية، على أن يكون المستغاث به حيا حاضرا، كالاستنصار بالحاضر القوي على قتال، أو دفع عدو صائل، أو سبع مفترس، ونحو ذلك من كل ما يقدر المخلوق على الغوث فيه، وهذا النوع لا خلاف في جوازه.
والأصل في جوازه قوله تعالى في قصة موسى ﵇:﴾ فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ﴿[القصص: ١٥].
وقوله تعالى:﴾ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ﴿[الأنفال: ٧٢].
وقوله تعالى:﴾ وتعاونوا على البر والتقوى ﴿[المائدة: ٢]. مع ملاحظة أنه لا بد من توفر شرطين وهما:
١ -) شرط في المستغاث لأجله، بأن يكون مما يقدر المخلوق على الإغاثة في مثله.
٢ -) وشرط في المستغاث به، بأن يكون حيا حاضرا فلو تخلف شرط منهما خرجت الاستغاثة عن حيز الجواز إلى حيز الشرك أو الابتداع.
الثاني: طلب الغوث فيما لا يقدر عليه إلا الله، كإنزال المطر، هداية القلوب وغفران الذنوب.
أو كان فيما يقدر عليه المخلوق عادة لكن المستغاث به إما ميت راقد في قبره، وإما حي لكنه غائب مع اعتقاده أن الاستغاثة تبلغه أينما كان. وهذا النوع لا شك في عدم جوازه فمن اعتقد أن مقدسه المخلوق يقدر عن محو ذنوبه أو هداية قلبه أو على إنزال المطر أو تيسير رزقه بمجرد المشيئة، أو اعتقد أن ذلك المقدس يسمع استغاثاته وهو راقد في قبره، أو غائب عنه فهو مشرك بعقيدته هذه قبل أن يتوجه إلى المقدس بالاستغاثة.
وعلى هذا نص جميع العلماء المحققين فقال ابن تيمية: "ومن أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو أيضا- كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها ". الفتاوى (١/ ١١٢، ٣٣٢).
وقال ابن تيمية في " اقتضاء الصراط " (٢/ ٦٨٣): وهذه البدعة الكفرية إنما حدثت في العصور المتأخرة لما شاعت الخرافات وانتشر الجهل وعمت الأقاليم الإسلامية مغالطات المتصوفة وأباطيلهم، وإلا فلم يكن من حال السلف أن يستغيثوا بغير الله أبدا ".

1 / 309