العجم عن أسرتها وتيجانها عن هامها. وأخمد عبدة نيرانه أن يطعموها حطبا ولو وصلت إليهم لأكلتهم، وأخمد عبدة أوثانه عن أن يقعوا لها سجدا ولو وقعت عليهم لقتلتهم. ومنهم من أنفق في سبيل الله وجهز، ومنهم من قتل أعداء الله فأجهز. ومنهم الأشداء على الكفار، ومنهم الأسداء إذا زاغت الأبصار. ومنهم الساجدون الراكعون، ومنهم السابقون ومنهم التابعون. ومنهم نحن أهل الزمن الآخر، وقد سلم علينا سلام الله عليه في زمنه الحاضر. وسمانا إخوانا واشتاق إلى أن يلقانا. فنحن الآن إنما نرد عليه تحيته والبادئ أكرم، وإنما نرجو شفاعته بالمودة التي قدمها والفضل للأقدم.
هذا كتاب فيه بين الأدباء الذين يتطلعون إلى الغرر المتجلية، وبين المستخبرين الذين يسترفون إلى السير المتحلية. يأخذ (الفريقان منه) (على قدر القرائح والعقول، ويكون حظ المستخبر أن يسمع والأديب أن يقول. فإن فيه من الألفاظ ما صار معدنا من معادن الجواهر التي نولدها، ومن غرائب الوقائع ما صار به لسانا من السنة العجائب التي نوردها.
وإنما بدأنا بالتاريخ به لاستقبال سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة لأن التواريخ معتادها إما أن تكون مستفتحة من بدء نشأة البشر الأولى. وإما مستفتحة بمعقب من الدول الأخرى. فلا أمة من الأمم ذوات الملل؛ وذوات الدول، إلا ولهم تاريخ يرجعون إليه، ويعولون عليه. ينقله خلفها عن سلفها، وحاضرها عن غابرها.
وتقيد به شوارد الأيام، وتنصب به معالم الأعلام.
وأولا ذلك لانقطعت الوصل، وجهلت الدول ومات في أيام الأخر ذكر الأول. ولم يعلم الناس انهم لعرق الثرى، وأنهم نطف في ظلمات الأصلاب طويلة السرى. وأن أعمارهم مبتدأة من العهد الذي تقادم لآدم. وقد أخذ ربك من نبي آدم من ظهورهم ذرياتهم لما أراده من ظهورهم.
(ليعلم المرء) قبل انقضاء عمره؛ وقبل نزول قبره؛ ما استبعده أهل الطي من حقيقة النشر، وتقبل في واحدة من الأطوار شهادة عشر، فقد قطع عمرا بعد عمر، وسار دهرا بعد دهر، وثوى وأنشر في ألف قبر، وإنما كان من الظهور في ليل إلى أن وصل من العيون إلى فجر.
ولولا التاريخ لضاعت مساعي أهل السياسات الفاضلة، ولم تكن المدائح بينهم وبين المذام هي الفاصلة. ولقل الاعتبار بمسالمة العواقب وعقوبتها، وجهل ما وراء صعوبة الأيام من سهولتها، وما وراء سهولتها من صعوبتها.
فأرخ بنو آدم بيومه، وكان أول من اشترى الموت نفسه، وقام النزع مقام سومه، ثم أرخ الأولون بالطوفان الذي بلل الأرض وأغرقها، ثم بالعام الذي بلبل الألسن وفرقها، وأرخت الفرس أربعة تواريخ لأربع طبقات من ملوكها أولها كلشاه ومعنى هذا الاسم ملك الطين، فإليه ترجع الفرس بأنسابها. وعليه ينسق عقد حسابها. وهي
1 / 35