84

Fath Qadir

فتح القدير

Publisher

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٤ هـ

Publisher Location

بيروت

وَقَوْلُهُ أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ إِنَّمَا جَاءَ بِهِ مفردا، لم يَقُلْ كَافِرِينَ حَتَّى يُطَابِقَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ مُفْرَدُ اللَّفْظِ، مُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى نَحْوَ فَرِيقٍ أَوْ فَوْجٍ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالْفَرَّاءُ: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَوَّلُ مَنْ كَفَرَ. وَقَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ: هُوَ أَظْرَفُ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلُهُ، كَمَا حَكَى ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ، فَيَكُونُ هَذَا الْمُفْرَدُ قَائِمًا مَقَامَ الجمع وإنما قال أوّل مع أنه تَقَدَّمَهُمْ إِلَى الْكُفْرِ بِهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ كَافِرٍ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّهُمُ الْعَارِفُونَ بِمَا يَجِبُ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يَلْزَمُ مِنَ التَّصْدِيقِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ إِلَى النبي ﷺ: أَيْ لَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهَذَا النَّبِيِّ مَعَ كَوْنِكُمْ قَدْ وَجَدْتُمُوهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، مُبَشَّرًا بِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ حَكَى الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ مِنَ البشارات برسول الله ﷺ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ، وَقِيلَ إِنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: بِما أَنْزَلْتُ وَقِيلَ عَائِدٌ إِلَى التَّوْرَاةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: لِما مَعَكُمْ وَقَوْلُهُ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي أَيْ بِأَوَامِرِي وَنَوَاهِيَّ ثَمَنًا قَلِيلًا أَيْ عَيْشًا نَزْرًا وَرِئَاسَةً لَا خَطَرَ لَهَا. جَعَلَ مَا اعْتَاضُوهُ ثَمَنًا، وَأَوْقَعَ الِاشْتِرَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ هُوَ الْمُشْتَرَى بِهِ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلِاسْتِبْدَالِ: أَيْ لَا تَسْتَبْدِلُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِهِمْ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، وَمِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الثَّمَنِ عَلَى نَيْلِ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا قَوْلُ الشَّاعِرِ: إِنْ كُنْتَ حاولت ذنبا أو ظفرت به ... فَمَا أَصَبْتَ بِتَرْكِ الْحَجِّ مِنْ ثَمَنِ وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَهْيًا لَهُمْ، فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِفَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِلَحْنِهِ، فَمَنْ أَخَذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رِشْوَةً عَلَى إِبْطَالِ حَقٍّ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ إِثْبَاتِ بَاطِلٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، أَوِ امْتَنَعَ مِنْ تَعْلِيمِ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ، وَكَتَمَ الْبَيَانَ الَّذِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُ بِهِ، فَقَدِ اشْتَرَى بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا. وَقَوْلُهُ: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَاللَّبْسُ: الْخَلْطُ، يُقَالُ لَبَسْتُ عَلَيْهِ الْأَمْرَ أُلْبِسُهُ: إِذَا خَلَطْتُ حَقَّهُ بِبَاطِلِهِ وَوَاضِحَهِ بِمُشْكِلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ: تَرَى الْجَلِيسَ يَقُولُ الْحَقَّ تَحْسَبُهُ ... رُشْدًا وَهَيْهَاتَ فَانْظُرْ مَا بِهِ الْتَبَسَا صَدِّقْ مَقَالَتَهُ وَاحْذَرْ عَدَاوَتَهُ ... وَالْبَسْ عَلَيْهِ أُمُورًا مِثْلَ ما لبسا وقال العجّاج: لمّا لبسن الحقّ بالتجنّي ... غنين فَاسْتَبْدَلْنَ زَيْدًا مِنِّي وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: وَكَتِيبَةٍ لَبِسْتُهَا بِكَتِيبَةٍ ... حَتَّى إِذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدِي وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّغْطِيَةِ: أَيْ لَا تُغَطُّوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:

1 / 88