250

Fatḥ al-Qadīr

فتح القدير

Publisher

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٤ هـ

Publisher Location

بيروت

وَبَقِيَ مِنَ السِّهَامِ أَرْبَعَةٌ أَغْفَالًا لَا فُرُوضَ لَهَا، وَهِيَ: الْمَنِيحُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَسْرِ النُّونِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَبَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ. وَالسَّفِيحُ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، بَعْدَهَا مهملة. والوغد، بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، بَعْدَهَا مُهْمَلَةً، وَالضَّعْفُ بِالْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ ثُمَّ فَاءٌ، وَإِنَّمَا أَدْخَلُوا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الَّتِي لَا فُرُوضَ لَهَا بَيْنَ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ لِتَكْثُرَ السِّهَامُ عَلَى الَّذِي يُجِيلُهَا وَيَضْرِبُ بِهَا فَلَا يَجِدُ إِلَى الْمَيْلِ مَعَ أَحَدٍ سَبِيلًا.
وَقَدْ كَانَ الْمُجِيلُ لِلسِّهَامِ يَلْتَحِفُ بِثَوْبٍ، وَيَحْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الرِّبَابَةِ، بِكَسْرِ الْمُهْمِلَةِ، وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ الْخَرِيطَةُ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا السِّهَامُ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا بِاسْمِ كُلِّ رَجُلٍ سَهْمًا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ لَهُ فَرْضٌ أَخَذَ فَرْضَهُ، وَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ لَا فَرْضَ لَهُ، لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَغُرِّمَ قِيمَةَ الْجَزُورِ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ تِلْكَ الْأَنْصِبَاءَ إِلَى الْفُقَرَاءِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّ الْأَصْمَعِيَّ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْجَزُورَ تُقَسَّمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَقَالَ: إِنَّمَا تُقَسَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ: بِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ فَالْإِثْمُ الَّذِي يَلْحَقُ مُتَعَاطِيَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا النَّفْعِ، لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ يُسَاوِي فَسَادَ الْعَقْلِ الْحَاصِلَ بِالْخَمْرِ، فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ الشُّرُورِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ فِي الْمَيْسِرِ يُسَاوِي مَا فِيهَا مِنَ الْمُخَاطَرَةِ بِالْمَالِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْفَقْرِ، وَاسْتِجْلَابِ الْعَدَاوَاتِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَهَتْكِ الْحُرَمِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: كَثِيرٌ بِالْمُثَلَّثَةِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَإِثْمُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِمَا. قَوْلُهُ: قُلِ الْعَفْوَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ:
بِالنَّصْبِ. وَقَرَأَ أبو عمرة وَحْدَهُ: بِالرَّفْعِ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَبِالرَّفْعِ قَرَأَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، قَالَ النَّحَّاسُ: إِنْ جُعِلَتْ ذَا بِمَعْنَى: الَّذِي، كَانَ الِاخْتِيَارُ الرَّفْعَ عَلَى مَعْنَى الَّذِي يُنْفِقُونَ هُوَ الْعَفْوُ، وَإِنْ جُعِلَتْ مَا وَذَا شَيْئًا وَاحِدًا كَانَ الِاخْتِيَارُ النصب على المعنى: قُلْ يُنْفِقُونَ الْعَفْوَ، وَالْعَفْوُ: مَا سَهُلَ وَتَيَسَّرَ وَلَمْ يَشُقُّ عَلَى الْقَلْبِ وَالْمَعْنَى: أَنْفِقُوا مَا فَضَلَ عَنْ حَوَائِجِكُمْ وَلَمْ تُجْهِدُوا فِيهِ أَنْفُسَكُمْ وَقِيلَ: هُوَ مَا فَضُلَ عَنْ نَفَقَةِ الْعِيَالِ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ نَفَقَاتُ التَّطَوُّعِ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَقِيلَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَفِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أي: في أمر النفقة. وقوله: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: تَتَفَكَّرُونَ أَيْ: تتفكرون في أمرهما، فتحسبون مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا تُصْلِحُونَ بِهِ مَعَايِشَ دُنْيَاكُمْ، وَتُنْفِقُونَ الْبَاقِيَ فِي الْوُجُوهِ الْمُقَرِّبَةِ إِلَى الْآخِرَةِ وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَزَوَالِهَا، وَفِي الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا، فَتَرْغَبُونَ عَنِ الْعَاجِلَةِ إِلَى الْآجِلَةِ وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ: وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أَيْ: لِتَتَفَكَّرُوا فِي أَمْرِ الدنيا والآخرة، وليس هذا بجيد. قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
«١» وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى «٢» وَقَدْ كَانَ ضَاقَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْأَمْرُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَالْمُرَادُ بِالْإِصْلَاحِ هُنَا: مُخَالَطَتُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ لِأَمْوَالِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلَحُ مِنْ مُجَانَبَتِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ بِالْبَيْعِ، وَالْمُضَارَبَةِ، والإجارة، ونحو ذلك. قوله:

(١) . الأنعام: ١٥٢.
(٢) . النساء: ١٠.

1 / 254