223

Fath Qadir

فتح القدير

Publisher

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٤ هـ

Publisher Location

بيروت

«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» فَبَيَّنَ ﷺ: أَنَّ الرُّجُوعَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَهْلِ. وَثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ» وَإِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ مَعَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالسَّبْعَةَ عَشَرَةٌ، لِدَفْعِ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الأيام في الحج والسبعة إذا رجع. قال الزَّجَّاجُ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: ذُكِرَ ذَلِكَ: لِيَدُلَّ عَلَى انْقِضَاءِ الْعَدَدِ، لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذِكْرِ السَّبْعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ تَوْكِيدٌ، كَمَا تَقُولُ: كَتَبْتُ بِيَدِي. وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَأْتِي بِمِثْلِ هَذِهِ الْفَذْلَكَةِ «١» فِيمَا دون هذا العدد، كقول الشاعر: ثلاث واثنان فهنّ خمس ... وسادسة تميل إلى شمامي وكذا قول الآخر: ثلاث بالغداة وَذَاكَ حَسْبِي ... وَسِتٌّ حِينَ يُدْرِكُنِي الْعِشَاءُ فَذَلِكَ تسعة في اليوم ريّي ... وَشُرْبُ الْمَرْءِ فَوْقَ الرَّيِّ دَاءُ وَقَوْلُهُ: كامِلَةٌ تَوْكِيدٌ آخَرُ بَعْدَ الْفَذْلَكَةِ لِزِيَادَةِ التَّوْصِيَةِ بِصِيَامِهَا، وَأَنْ لَا يُنْقَصَ مِنْ عَدَدِهَا. وَقَوْلُهُ: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ قِيلَ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى التَّمَتُّعِ، فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لِحَاضِرِي المسجد الحرام، كما يقوله أبو حنفية وَأَصْحَابُهُ، قَالُوا: وَمَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَقِيلَ: إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ، فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ. وَالْمُرَادُ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِي الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ. وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أي: فيما فرضه عليكم من هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَقِيلَ: هُوَ أَمْرٌ بِالتَّقْوَى عَلَى الْعُمُومِ، وَتَحْذِيرٌ مِنْ شِدَّةِ عِقَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، عن يعلى بن أمية قَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أين السّائل عن العمرة؟ فقال: ها أنذا، قَالَ: اخْلَعِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ، ثُمَّ مَا كُنْتَ صَانِعًا فِي حَجِّكِ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ» . وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِهِ، وَلَكِنْ فِيهِمَا: أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ ﷺ الوحي بَعْدَ السُّؤَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا هُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ قَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مِنْ تَمَامِهِمَا أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وأن

(١) . الفذلكة: مجمل ما فصل وخلاصته.

1 / 227