157

Fath Qadir

فتح القدير

Publisher

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٤ هـ

Publisher Location

بيروت

كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ لَا يَنَالُ عَهْدُ اللَّهِ بِالْإِمَامَةِ ظَالِمًا، فَفِيهَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ أَنَّهُ سَيُوجَدُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. انْتَهَى. وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَا جَدْوَى لِكَلَامِهِ هَذَا. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا الْخَبَرَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُوَلُّوا أُمُورَ الشَّرْعِ ظَالِمًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ لِأَنَّ أَخْبَارَهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَخَلَّفَ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ نَالَ عَهْدُهُ مِنِ الْإِمَامَةِ وَغَيْرِهَا كَثِيرًا مِنَ الظَّالِمِينَ. قَوْلُهُ: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ: هُوَ الْكَعْبَةُ، غَلَبَ عَلَيْهِ كَمَا غَلَبَ النجم على الثريا، ومَثابَةً: مَصْدَرٌ مِنْ: ثَابَ، يَثُوبُ، مَثَابًا، وَمَثَابَةً، أَيْ: مَرْجِعًا يَرْجِعُ الْحُجَّاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ عَنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فِي الْكَعْبَةِ: مثابا لأفناء القبائل كلّها ... تخبّ إليها اليعملات الذّوامل وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: «مَثَابَاتٍ» وَقِيلَ: الْمَثَابَةُ: مِنَ الثَّوَابِ، أَيْ: يُثَابُونَ هُنَالِكَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ: أَنَّهُمْ لَا يَقْضُونَ مِنْهُ أَوْطَارَهُمْ، قَالَ الشَّاعِرُ: جُعِلَ البيت مثابا لَهُمْ ... لَيْسَ مِنْهُ الدَّهْرُ يَقْضُونَ الْوَطَرَ قَالَ الْأَخْفَشُ: وَدَخَلَتِ الْهَاءُ لِكَثْرَةِ مَنْ يَثُوبُ إِلَيْهِ، فَهِيَ كَعَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ لِلتَّأْنِيثِ وَلَيْسَتْ لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَوْلُهُ: وَأَمْنًا هُوَ اسْمُ مَكَانٍ، أَيْ: مَوْضِعُ أَمْنٍ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِنًا وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ. وَقَوْلُهُ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، أَيْ: جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ، وَأَمْنًا، وَاتَّخَذُوهُ مُصَلًّى. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ: عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ عَطْفًا عَلَى اذْكُرُوا الْمَذْكُورِ أَوَّلِ الْآيَاتِ، أَوْ عَلَى اذْكُرُوا الْمُقَدَّرِ عَامِلًا فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: وَقُلْنَا اتَّخِذُوا: وَالْمَقَامُ فِي اللُّغَةِ: مَوْضِعُ الْقِيَامِ. قَالَ النَّحَّاسُ: هُوَ مِنْ: قَامَ، يَقُومُ، يَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمًا لِلْمَوْضِعِ، وَمَقَامُ: مَنْ: أَقَامَ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا قَوْلُ الشاعر: وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وَأَنْدِيَةٌ يَنْتَابُهَا الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَهْلُ مَقَامَاتٍ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْمَقَامِ عَلَى أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ، وَيُصَلُّونَ عِنْدَهُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَقِيلَ: الْمَقَامُ: الْحَجُّ كُلُّهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَقِيلَ: عَرَفَةُ وَالْمُزْدَلِفَةُ، رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ قَالَ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالطَّهَارَةِ: خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ. فِي الرَّأْسِ: قَصُّ الشَّارِبِ، والمضمضة، والاستنشاق والسّواك، وفرق الشعر، وفي الجسد: تقليم الأظافر، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْخِتَانُ وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَغَسْلُ مَكَانِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حاتم، والحاكم،

1 / 161