155

Fath Qadir

فتح القدير

Publisher

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٤ هـ

Publisher Location

بيروت

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْآيَةَ مِثْلَ مَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُحِلُّونَ حَلَالَهُ إِلَى آخِرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: يَتَكَلَّمُونَ بِهِ كَمَا أُنْزِلَ وَلَا يَكْتُمُونَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ حَكَى نَحْوَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَأَخْرَجَ وَكِيعٌ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ قَالَ: يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ، وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ، وَيَكِلُونَ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ إلى عالمه. [سورة البقرة (٢): الآيات ١٢٢ الى ١٢٤] يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) قوله: يا بَنِي إِسْرائِيلَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ قَدْ سبق مثل هذا في صدر السورة، وتقدم تَفْسِيرُهُ، وَوَجْهُ التَّكْرَارِ الْحَثُّ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّسُولِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، ذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَالَ الْبَقَاعِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّهُ لَمَّا طَالَ الْمَدَى فِي اسْتِقْصَاءِ تَذْكِيرِهِمْ بِالنِّعَمِ ثُمَّ فِي بَيَانِ عَوَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ وَخَتَمَ ذَلِكَ بِالتَّرْهِيبِ لِتَضْيِيعِ أَدْيَانِهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ أَعَادَ مَا صَدَّرَ بِهِ قِصَّتَهُمْ مِنَ التَّذْكِيرِ بِالنِّعَمِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ حُلُولِ النِّقَمِ يَوْمَ تُجْمَعُ الْأُمَمُ، وَيَدُومُ فِيهِ النَّدَمُ لِمَنْ زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ، لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ فَذْلَكَةُ الْقِصَّةِ، وَالْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ الْحَثُّ عَلَى انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ. انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ سَبَبُ التَّكْرَارِ ما ذكره من طول المدى وأنه أعاد مَا صَدَّرَ بِهِ قِصَّتهمْ لِذَلِكَ لَكَانَ الْأَوْلَى بِالتَّكْرَارِ وَالْأَحَقُّ بِإِعَادَةِ الذِّكْرِ هُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ «١» فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَعَ كَوْنِهَا أَوَّلَ الْكَلَامِ مَعَهُمْ وَالْخِطَابِ لَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ أَيْضًا أَوْلَى بِأَنْ تُعَادَ وَتُكَرَّرَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ بِذِكْرِ النِّعَمِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَالرَّهْبَةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَدَّمْنَاهُ لك عند أن شَرْعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي خِطَابِ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فَرَاجِعْهُ. ثُمَّ حَكَى الْبَقَاعِيُّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ عَنِ الْحَوَالِي أَنَّهُ قَالَ: كَرَّرَهُ تَعَالَى إِظْهَارًا لِمَقْصِدِ الْتِئَامِ آخِرِ الْخِطَابِ بِأَوَّلِهِ، وَلِيُتَّخَذَ هَذَا الْإِفْصَاحُ وَالتَّعْلِيمُ أَصْلًا لِمَا يُمْكِنُ بِأَنْ يَرِدَ مِنْ نَحْوِهِ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ، حَتَّى كَانَ الْخِطَابُ إِذَا انْتَهَى إِلَى غَايَةِ خَاتَمِهِ يَجِبُ أَنْ يَلْحَظَ الْقَلْبُ بِذَاتِهِ تِلْكَ الْغَايَةَ فَيَتْلُوهَا، لِيَكُونَ فِي تِلَاوَتِهِ جَامِعًا لِطَرَفَيِ الثَّنَاءِ، وَفِي تَفْهِيمِهِ جَامِعًا لِمَعَانِي طَرَفَيِ الْمَعْنَى. انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ سَبَبَ التَّكْرَارِ لَكَانَ الْأَوْلَى بِهِ مَا عَرَّفْنَاكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِيُتَّخَذَ ذَلِكَ أَصْلًا لِمَا يَرِدُ مِنَ التَّكْرَارِ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ حُصُولَ هَذَا الْأَمْرِ فِي الْأَذْهَانِ وَتَقَرُّرَهُ فِي الْأَفْهَامِ لَا يَخْتَصُّ بِتَكْرِيرِ آيَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَكُونُ افْتِتَاحُ هَذَا الْمَقْصِدِ بِهَا، فَلَمْ تَتِمَّ حِينَئِذٍ النُّكْتَةُ فِي تَكْرِيرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بِخُصُوصِهِمَا، وَلِلَّهِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ الَّتِي لَا تَبْلُغُهَا الْأَفْهَامُ وَلَا تُدْرِكُهَا الْعُقُولُ، فَلَيْسَ فِي تَكْلِيفِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ الْمُتَعَسِّفَةِ إِلَّا مَا عَرَّفْنَاكَ بِهِ هُنَالِكَ فَتَذَكَّرْ. قَوْلُهُ: وَإِذِ ابْتَلى الِابْتِلَاءُ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ، أَيِ: ابتلاه بما أمره به،

(١) . البقرة: ١٢٢.

1 / 159