154

Fath Qadir

فتح القدير

Publisher

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٤ هـ

Publisher Location

بيروت

سُبْحَانَهُ، فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى الْحَقِيقِيُّ، لَا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ، وَالْكُتُبِ الْمُحَرَّفَةِ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَعِيدٍ شَدِيدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنِ اتَّبَعَ أَهْوَاءَهُمْ، وَحَاوَلَ رِضَاهُمْ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ مَا يُوَافِقُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيضًا لِأُمَّتِهِ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ أَنْ يُوَاقِعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ يَدْخُلُوا فِي أَهْوِيَةِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَيَطْلُبُوا رِضَا أَهْلِ الْبِدَعِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي تَرْجُفُ لَهُ الْقُلُوبُ وَتَتَصَدَّعُ مِنْهُ الْأَفْئِدَةُ، مَا يُوجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِحُجَجِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْقَائِمِينَ بِبَيَانِ شَرَائِعِهِ، تَرْكَ الدِّهَانَ لِأَهْلِ الْبِدَعِ الْمُتَمَذْهِبِينَ بِمَذَاهِبِ السُّوءِ، التَّارِكِينَ لِلْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الْمُؤْثِرِينَ لِمَحْضِ الرَّأْيِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ غَالِبَ هَؤُلَاءِ وَإِنْ أَظْهَرَ قَبُولًا وَأَبَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ لِينًا لَا يُرْضِيهِ إِلَّا اتِّبَاعُ بِدْعَتِهِ، وَالدُّخُولُ فِي مَدَاخِلِهِ، وَالْوُقُوعُ فِي حَبَائِلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ الْعَالِمُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَسْتَفِيدُ بِهِ أَنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ مَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، لَا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي هِيَ ضَلَالَةٌ مَحْضَةٌ، وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ وَرَأْيٌ منها، وَتَقْلِيدٌ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَهُوَ إِذْ ذاك ماله مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَخْذُولٌ لَا مَحَالَةَ، وَهَالِكٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ. وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قِيلَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْكِتَابُ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمُرَادُ بقوله: يَتْلُونَهُ أنهم يعملون بِمَا فِيهِ، فَيُحَلِّلُونَ حَلَالَهُ، وَيَحْرِمُونَ حَرَامَهُ، فَيَكُونُ: مِنْ تَلَاهُ، يَتْلُوهُ: إِذَا اتَّبَعَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها «١» أَيِ: اتَّبَعَهَا، كَذَا قِيلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التِّلَاوَةِ، أَيْ: يَقْرَءُونَهُ حَقَّ قِرَاءَتِهِ، لَا يُحَرِّفُونَهُ وَلَا يُبَدِّلُونَهُ. وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: يَتْلُونَهُ أو الخبر قوله: فَأُولئِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ» فَنَزَلَ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ فما ذكرهما حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. قَالَ السُّيُوطِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ مَرْفُوعًا وَقَالَ: هُوَ مُعْضَلُ الْإِسْنَادِ، ضَعِيفٌ، لَا تَقُومُ بِهِ وَلَا بِالَّذِي قَبْلَهُ حُجَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: الْجَحِيمِ: مَا عَظُمَ مِنَ النَّارِ. وَأَخْرَجَ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى قِبْلَتِهِمْ، فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَيِسُوا مِنْهُ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى الآية. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قَوْلِهِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ قَالَ: يُحِلُّونَ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَلَا يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَأَخْرَجُوا عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، ثُمَّ قَرَءُوا وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها يَقُولُ: اتَّبَعَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب فِي قَوْلِهِ: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ إِذَا مَرَّ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَإِذَا مَرَّ بذكر الناس تَعَوُّذَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الرُّوَاةِ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجَاهِيلُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قوله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ «يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ»، وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَجَاهِيلَ قَالَ: لَكِنَّ معناه صحيح.

(١) . الشمس: ٢.

1 / 158