88

Fath Mubin

الفتح المبين بشرح الأربعين

Publisher

دار المنهاج

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٨ م

Publisher Location

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

شدائد الأزمات، ومن ثَمَّ وصفه ﷺ بأنه: "لا يَخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عِبَره، ولا تفنى عجائبه، هو الفصل ليس بالهزل، لا تشبع منه العلماء، ولا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، هو الذي لم تنتهِ الجن حين سمعته أن قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾ " (١). ومنها: ما فيه من الإخبار بما كان مما علموه ومما لم يعلموه، وشهادته على اليهود بأنهم لا يتمنون الموت، وعلى قريش بأنهم لا يأتون بمثل شيءٍ منه. ومنها: اشتماله على علوم الأولين والآخرين، مع كون الآتي به أقام بينهم أربعين سنةً قبل تكلُّمه به أميًا لا يحسن نظم كتاب، ولا عقد حساب، ولا يتعلَّم سحرًا، ولا ينشد شعرًا، ولا يحفظ خبرًا، ولا يروي أثرًا، إلى أن اكرمه اللَّه ﷾ بهذه المعجزة العظمى التي لم يأت بمثلها رسولٌ غيره، كيف وجميع كتبهم يمكن أدنى الفصحاء أن يأتي بمثلها؟! إذ لا إعجاز في لفظها. ومن ثَمَّ صح عنه ﷺ: "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أُوتي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أُوتيت وحيًا يوحى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (٢)؛ وذلك لأن إكرامه ﷺ بهذه المعجزة (المستمرةِ) الدائمة (على تعاقب) أي: توالي (السنين) يستلزم بالضرورة كثرتهم؛ لمشاهدة أهل كل زمنٍ لها، فيحملهم ذلك على الإيمان به، بخلاف باقي معجزات الرسل؛ لانقطاعها بموتهم، وباقي معجزات نبينا ﷺ، فإنه لولا تصديق القرآن لها. . لما آمن بها إلا قليلٌ؛ لانقطاع وجودها، وعدم إحساس الناس بها. (و) المكرم (بالسُّنن) جمع سُنَّةٍ؛ وهي لغةً: الطريقة، واصطلاحًا: أقواله ﷺ وأفعاله وأحواله. ووجه إكرامه ﷺ بها: أنها إنباءٌ عن وحيٍ أو إلهامٍ من اللَّه ﷾، أو اجتهاد حقًّ مطابقٍ للواقع، وما ينطق عن الهوى.

(١) أخرجه الترمذي (٢٩٠٦)، والدارمي في "سننه" (٣٣٧٤)، والبزار في "منسده" (٨٣٦)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٠٦٢٨) عن سيدنا علي ﵁. (٢) أخرجه البخاري (٤٩٨١)، ومسلم (١٥٢) بنحوه عن سيدنا أبي هريرة ﵁.

1 / 92