Fath Bayan
فتح البيان في مقاصد القرآن
Publisher
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
Publisher Location
صَيدَا - بَيروت
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وبين له من معالم العلم وشعائر الشرائع ومشاعر الملل كل ما جل ودق، ونزل عليه كتابًا معجزًا أفحم مصاقع الخطباء من العرب العرباء وخطابًا مفحمًا أعجز بواقع البلغاء من عصابة الأدباء، بأظهر بينات وأبهر حجج، قرآنًا عربيًا غير ذي عوج، أمر فيه وزجر، وبشر وأنذر، وذكر المواعظ ليتذكر، وقص عن أيام الأمم الخالية ليعتبر، وضرب فيه ضروب الأمثال ليتدبر، ودل على آيات التوحيد ليتفكر، أنزله بحسب المصالح والحكم منجمًا، وجعله بالتحميد مفتتحًا وبالإستعاذة مختتمًا، وأوحاه متشابهًا ومحكمًا، مزاياه ظاهرة باهرة في كل وجهٍ وكل زمان، دائرة من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان، كادت الرواسي لهيبته تمور، ويذوب من خشيته الحديد ويميع منه صم الصخور، فمن تمسك بعروته الوثقى وحبله المتين، وسلك جادته الواضحة وصراطه المبين، فقد فاز بمناه، ومن نبذه وراء ظهره وعصاه، واتخذ إلهه هواه، فقد هوى في تخوم الشقاء وتردى في مهاوي الردى والاشتباه، فأي عبارة تبلغ أيسر ما يستحقه كلام الحكيم من التعظيم، وأي إشارة تصلح لبيان أقل ما ينبغي له من التوصيف والتكريم.
كلا والله إن بلاغة البلغاء وسحرة البيان وإن طالت ذيولها، وفصاحة الفصحاء ومهرة قحطان وإن سالت سيولها تتقاصر عن الوفاء بأدق أوصافه وإن جالت بميادينها خيولها، وتتصاغر عن التشبث بأقصر أطرافه وإن أفلقت في إطرائها فحولها، فتعود ألسنتهم عنه قاصرة، وصفقتهم في أسواقه خاسرة، كيف وتلك الآيات والدلائل، وتيك البينات والمخايل، وهذه العبارات العبقرية، وما في تضاعيفها من أسرار البرية، مما لا تحيط به ألباب البشر، ولا
1 / 9