Fath al-Mun'im: Sharh Sahih Muslim
فتح المنعم شرح صحيح مسلم
Publisher
دار الشروق
Edition Number
الأولى (لدار الشروق)
Publication Year
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Genres
(فلا تفعل) الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر، أي إذا كان قد حصل هذا القول فلا تتبعه بالفعل.
(فخلهم يعملون) جملة "يعملون" في محل النصب على الحال.
-[فقه الحديث]-
قال بعض الفضلاء: إن خشية الصحابة على الرسول ﷺ لا تتفق مع قوله تعالى: ﴿والله يعصمك من الناس﴾ [المائدة: ٦٧] وأجاب باحتمال أن الخشية والفزع كانا قبل نزول الآية، وعلى فرض أنهما كانا بعد نزولها فذلك لفرط كلفهم به، كما يقال: المحب مولع بسوء الظن.
والمحقق في هذه المسألة يرى أن عصمة الله لرسوله ﷺ من الناس لا تتنافى مع الحيطة والمحافظة عليه وحمايته المنبعثة عن الخشية والفزع، فالعاقبة المعلومة لا تمنع من الأخذ بالأسباب، بل قد تكون النتيجة متوقفة على المقدمات حسب العادة، والظاهر الذي أمرنا بالعمل به، وعلى هذا كان الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فالعشرة المبشرون بالجنة لم يتوقفوا عن الأخذ بأسباب دخولها، بل بالغوا في المحافظة عليها وتحصيلها.
على أن المفسرين ذهبوا إلى أن المقصود بالعصمة من الناس الوعد بحمايته ﷺ من القتل، وهذا لا يمنع من لحوق إيذاء الناس له ﷺ، فما أصابه ﷺ في غزوة أحد، وما أصابه ﷺ من الشاة المسمومة هو إيذاء من الناس لا يدخل في العصمة الموعود بها.
وعليه فإيمان الصحابة بعصمته ﷺ من القتل لا يتنافى مع خوفهم عليه وفزعهم من أن يناله أذى أو مكروه.
أما سبب انصرافه ﷺ من بين أظهر الصحابة إلى هذا البستان فلم أر نصا فيه، ولعله كان لتبليغ الجن وقراءته عليهم بعض ما نزل فقد تعدد اجتماعه بهم ﷺ. أما دخول أبي هريرة بستان الأنصار بهذه الطريقة، فقد أثار بحثا فقهيا، وهو: هل يجوز دخول ملك الغير بدون إذنه؟ .
فقال بعضهم: نعم يجوز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذلك فإن الرسول ﷺ أقر أبا هريرة على ذلك ولم ينقل أنه أنكر عليه، بل زاد أصحاب هذا الرأي فقالوا: وإن ذلك لا يختص بدخول الأرض، بل يجوز له الانتفاع بأدواته، وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته: وركوب دابته، ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق على صاحبه.
قال النووي: هذا هو المذهب الصحيح الذي عليه جماهير السلف والخلف من العلماء.
ثم قال: واتفقوا على أنه إذا تشكك لا يجوز التصرف مطلقا فيما تشكك في رضاه به.
1 / 120