56

Fatawa of Dr. Husam Afaneh

فتاوى د حسام عفانة

Genres

١ - المجامع الفقهية والاجتهاد الجماعي يقول السائل: ظهر في هذا العصر عدد من المجامع الفقهية والتي تبحث قضايا فقهية وتصدر عنها قرارات بعد اجتهاد جماعي فما قولكم في هذه المجامع الفقهية، وما قوة قراراتها من الناحية الشرعية، أفيدونا؟ الجواب: الاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، يُعدُّ مَعْلَمًا من معالم مسيرة الفقه الإسلامي في العصر الحاضر، ولا شك أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يعطي قوةً للفقه الإسلامي، وخاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادرًا على مواجهة تطور الحياة العصرية. ولا شك أن الاجتهاد الجماعي الذي تمثله المجامع الفقهية، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيه تحقيقًا لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، فقد روى ميمون بن مهران: (أن أبا بكر ﵁ كان إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله ﷺ في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله ﷺ قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر، كلهم يذكر من رسول الله ﷺ فيه قضاءً، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا. فإن أعياه أن يجد فيه سنةً من رسول الله ﷺ، جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على أمرٍ قضى به ...) سنن الدارمي ١/٤٠. وروى الإمام النسائي في باب الحكم باتفاق أهل العلم بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أكثروا على عبد الله – ابن مسعود - ذات يوم فقال عبد الله: إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك ثم إن الله ﷿ قدر علينا أن بلغنا ما ترون فمن عرض له منكم قضاءٌ بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه ﷺ فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه ﷺ فليقض بما قضى به الصالحون فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه ﷺ ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه ولا يقول إني أخاف وإني أخاف، فإن الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمورٌ مشتبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. قال أبو عبد الرحمن – النسائي- هذا الحديث جيد جيد. ثم روى النسائي بإسناده عن شريح أنه كتب إلى عمر ﵁ يسأله، فكتب إليه: أن اقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنة رسول الله ﷺ، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ، فاقض بما قضى به الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ ولم يقض به الصالحون، فإن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيرًا لك والسلام عليكم.] سنن النسائي ٨/٢٣٠. وروى البيهقي عن ميمون بن مهران أن عمر بن الخطاب ﵁ كان يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر ﵁ فيه قضاء، فإن وجد أبا بكر ﵁ قد قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم، فاستشارهم فإذا اجتمعوا على الأمر قضى بينهم. السنن الكبرى ١٠/١١٤. وقال الإمام الجويني: [والمعتقد أنه لا يفرضُ وقوعُ واقعةٍ مع بقاءِ الشريعة بين ظهراني حملتها إلا وفي الشريعة مستمسكٌ بحكم الله فيها. والدليل القاطع على ذلك أَن أصحاب المصطفى ﷺ ورضي عنهم استقصَوْا النظرَ في الوقائع والفتاوىَ والأَقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيها متعَلَّقًا، راجعوا سُنَنَ المصطفى ﵊، فإن لم يجدوا فيها شفاءً، اشتوروا، واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرِهم، إِلى انقراض عصرهم، ثم استنَّ مَن بعدهم بسنتهم] غياث الأمم وقد ذكر ابن الجوزي في حوادث سنة سبع وثمانين للهجرة أن عمر بن عبد العزيز ولي المدينة فقدم واليًا في ربيع الأول وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقدم على ثلاثين بعيرًا، فنزل دار مروان، فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة: عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خثيمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد، فدخلوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا استعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحَرِّجُ على من بلغه ذلك إلا بلغني، فجزوه خيرًا وانصرفوا. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ٦/٢٧٨. وقال العلامة ابن القيم: [... ولهذا كان من سداد الرأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحد وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ ليس عنده فيها نصٌ عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله ﷺ ثم جعلها شورى بينهم. قال البخاري حدثنا سنيد حدثنا يزيد عن العوام بن حوشب عن المسيب بن رافع قال كان إذا جاءه الشيء من القضاء ليس في الكتاب ولا في السنة سمَّى صوافي الأمر فرفع إليهم فجمع له أهل العلم فإذا اجتمع عليه رأيهم فهو الحق. وقال محمد بن سليمان الباغندي حدثنا عبد الرحمن بن يونس حدثنا عمر بن أيوب أخبرنا عيسى بن المسيب عن عامر عن شريح القاضي قال: قال لي عمر بن الخطاب أن اقض بما استبان لك من قضاء رسول الله ﷺ، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله ﷺ، فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين، فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح] إعلام الموقعين ٢/١٥٦-١٥٧. ومن أهمية الاجتهاد الجماعي في عصرنا الحاضر أنه أقدر على تقديم الحلول للمشكلات المعاصرة، وهذا الأمر جِدُ ظاهرٍ من خلال قرارات المجامع الفقهية التي عالجت كثيرًا من القضايا الفقهية المعاصرة، مثل قضايا البنوك الإسلامية والتأمين التعاوني والقضايا الطبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وتأسيسًا على ما سبق فإن القرارات التي تصدر عن المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة، ينبغي أن تقدم على الآراء الفردية، وهذا من ضمن أسس منهجي الذي أسير عليه في هذه السلسلة المباركة – سلسلة يسألونك – فإني أعتدُّ كثيرًا بما تصدره المجامع الفقهية، وأعتمد عليه في هذه الفتاوى، لأنها أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أن فيها تحقيقًا لمبدأ الشورى في الاجتهاد كما ذكرت سابقًا. ولا بد أن أذكر هنا هذه المجامع الفقهية والهيئات العلمية المعتبرة: أولًا: مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومقره في جدة بالمملكة العربية السعودية، وهو أهم المجامع الفقهية وأنشطها. وأعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية وعلمية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي. ثانيًا: المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومقره في مكة المكرمة. وهو عبارة عن هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة، داخل إطار رابطة العالم الإسلامي، مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. ثالثًا: هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وهي هيئة علمية تتكون من كبار العلماء في المملكة العربية السعودية المتخصصين في الشريعة الإسلامية وهي أكبر هيئة علمية في المملكة. رابعًا: مجمع الفقه الإسلامي في الهند أنشأ سنة ١٩٨٩م تحت إشراف كبار علماء الهند المسلمين. خامسًا: مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا وهو مؤسسة علمية تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. سادسًا: المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ويتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. سابعًا: مجمع البحوث الإسلامية وقد أنشأ في الأزهر سنة ١٩٦١م برئاسة شيخ الأزهر. وخلاصة الأمر أن عمل المجامع الفقهية عمل مبارك ويقدم خدمة جليلة للفقه الإسلامي، وما يصدر عن المجامع الفقهية من قرارات لا يعتبر في حكم الإجماع الأصولي، ولكن قرارات هذه المجامع مقدمة على اجتهادات أفراد العلماء.

4 / 1