143

Fatāwā Ḥusām ʿAffāna

فتاوى د حسام عفانة

Genres

٦٧ - صلاة الجمعة
يكره السجع في الخطبة،
يقول السائل: بعض الخطباء يستعملون السجع كثيرًا في أدعيتهم وخطبهم، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: ينبغي أن يعلم أن أفضل الأدعية هي المأثورة عن الرسولصلى الله عليه وسلم، وما ورد فيها من سجع فليس مقصودًا، كما في قولهصلى الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب) وكقوله ﷺ: (صدق وعده وأعز جنده) . وأما ما يفعله الخطباء من استخدام السجع فهو مكروه، لأنه في الغالب متكلف والسجع المتكلف لا يلائم الضراعة والذلة كما قال الإمام الغزالي، وقد كره النبيصلى الله عليه وسلم السجع، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسولصلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يُطلُ، فقال رسول الله ﷺ: (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم وفي رواية عند مسلم (أسجع كسجع الأعراب) . قال الإمام النووي: " واما قولهصلى الله عليه وسلم (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه) وفي الرواية الأخرى (سجع كسجع الأعراب) فقال العلماء: إنما ذم سجعه لوجهين: أحدهما أنه عارض به حكم الشرع ورام إبطاله، والثاني انه تكلفه في مخاطبته، وهذان الوجهان من السجع مذمومان. أما السجع الذي كان النبيصلى الله عليه وسلم يقوله في بعض الأوقات، وهو مشهور في الحديث، فليس من هذا لأنه لا يعارض به حكم الشرع ولا يتكلفه فلا نهي فيه بل هو حسن.... " شرح النووي على صحيح مسلم ١٢/٣٢٧. وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من السجع في الدعاء، ثم ذكر أثر ابن عباس ﵁ وفيه ".... وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت الرسول ﷺ وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الإجتناب " انظر فتح الباري ١٣/٣٨٨ - ٣٨٩. وقال العز بن عبد السلام سلطان العلماء، جوابًا على سؤال يتعلق بمن يقصد السجع في كلام الناس وفي الخطب ونحوها ما نصه: " إذا كان القصد بالسجع الرياء والسمعة والتصنع بالفصاحة فهو حرام، وإن كان القصد به وزن الكلام لتميل النفوس إلى قبوله والعمل بموجه فلا بأس به في الخطب وغيرها، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يتصفح كتبه إذا فرغ منها، فإن وجد فيها كلامًا بليغًا فصيحًا نحّاه منها خوفًا من الرياء والسمعة والإفتخار بالفصاحة، ولا ينبغي للخطيب أن يذكر في الخطبة إلا ما كان يوافق مقاصدها، من الثناء والدعاء والترغيب والترهيب، بذكر الوعد والوعيد وكل ما يحث على طاعة أو يزجر عن معصية، وكذلك تلاوة القرآن، وكان النبيصلى الله عليه وسلم يخطب بسورة (ق) في كثير من الأوقات لإشتمالها على ذكر الله والثناء عليه، ثم على علمه بما به توسوس النفوس وبما تكتبه الملائكة على الإنسان من طاعة وعصيان ثم يذكر الموت وسكرته ثم يذكر القيامة وأهوالها والشهادة على الخلائق بأعمالها، ثم يذكر الجنة والنار ثم يذكر الصيحة والنشور والخروج من القبور، ثم بالوصية في الصلوات، فما خرج عن هذه المقاصد فهو مبتدع "فتاوى شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام ص٤٨١ - ٤٨٤. ويؤيد ذلك ما ورد في الحديث، عن عبد الله بن عمرو أن الرسولصلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة) رواه أبو داود والترمذي وأحمد، وقال الشيخ الألباني: صحيح، والمقصود بالحديث الرجل الذي يتشدق في الكلام بلسانه ويلفه، كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفًا كما قال ابن الأثير في النهاية. *****

6 / 67