47

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

شَاءَ عَذَّبَ هَذَا الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الشَّرِيفَةِ، وَالْأُصُولِ الْجَامِعَةِ فِي الْقَوَاعِدِ، وَبَيَّنَّا أَنْوَاعَ الظُّلْمِ، وَبَيَّنَّا كَيْفَ كَانَ الشِّرْكُ أَعْظَمَ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ؟ وَمُسَمَّى الشِّرْكِ جَلِيلُهُ وَدَقِيقُهُ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» . وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الرِّيَاءِ: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠]، وَكَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ يَقُولُ: يَا بَقَايَا الْعَرَبِ يَا بَقَايَا الْعَرَبِ إنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ. قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ صَاحِبُ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ: الْخَفِيَّةُ حُبُّ الرِّيَاسَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ حُبَّ الرِّيَاسَةِ هُوَ أَصْلُ الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ، كَمَا أَنَّ الرِّيَاءَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الشِّرْكِ أَوْ مَبْدَأِ الشِّرْكِ. وَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الْفَسَادِ، كَمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ أَعْظَمُ الصَّلَاحِ، وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى -: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: ٤] . إلَى أَنْ خَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا﴾ [القصص: ٨٣] . وَقَالَ: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٤]، وَقَالَ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] .

1 / 94