al-fatāwā al-kubrā
الفتاوى الكبرى
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م
وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا الدَّمَ الْمَسْفُوحَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] . فَإِذَا عَفَى عَنْ الدَّمِ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ، مَعَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدَّمِ، حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّمِ الَّذِي يَسِيلُ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَلِهَذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَصْنَعُونَ اللَّحْمَ فِي الْمَرَقِ، وَخُيُوطُ الدَّمِ فِي الْقِدْرِ تَبِينُ، وَيَأْكُلُونَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ ﵂، وَلَوْلَا هَذَا لَاسْتَخْرَجُوا الدَّمَ مِنْ الْعُرُوقِ كَمَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ مَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ لِسَبَبٍ غَيْرِ جَارِحٍ مُحَدَّدٍ: كَالْمَوْقُوذَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَالنَّطِيحَةِ، «وَحَرَّمَ ﷺ مَا صِيدَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمِعْرَاضِ، وَقَالَ: إنَّهُ وَقِيذٌ» .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ سَفْحُ الدَّمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ التَّنْجِيسِ هُوَ: احْتِقَانُ الدَّمِ وَاحْتِبَاسُهُ، وَإِذَا سُفِحَ بِوَجْهٍ خَبِيثٍ: بِأَنْ يَذْكُرَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ، كَانَ الْخُبْثُ هُنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ تَارَةً لِوُجُودِ الدَّمِ، وَتَارَةً لِفَسَادِ التَّذْكِيَةِ: كَذَكَاةِ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمُرْتَدِّ، وَالذَّكَاةِ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعَظْمُ وَالظُّفُرُ، وَالْقَرْنُ وَالظِّلْفُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، لَيْسَ فِيهِ دَمٌ مَسْفُوحٌ، فَلَا وَجْهَ لِتَنْجِيسِهِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَتَمَشَّطُونَ بِأَمْشَاطٍ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْعَاجِ حَدِيثٌ مَعْرُوفٌ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، فَإِنَّا لَا نَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ.
1 / 269