145

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتُبْ، وَالْمُجْتَهِدُ خَطَؤُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ. كَمَا أَنَّ الِاحْتِلَامَ وَالنِّسْيَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ مَغْفُورٌ بِخِلَافِ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ، فَهَذَا كَذِبٌ آثِمٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِلُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ، وَيُوحِي بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ، وَيُطْرَدُ بِحَسَبِ إخْلَاصِهِ لِلَّهِ وَطَاعَتِهِ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الإسراء: ٦٥]، وَعِبَادُهُ هُمْ الَّذِينَ عَبَدُوهُ بِمَا أَمَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ، مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَأَمَّا مَنْ عَبَدَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِنْ عِبَادِ الشَّيْطَانِ، لَا مِنْ عِبَادِ الرَّحْمَنِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: ٦٠ - ٦١] ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٢]، وَاَلَّذِينَ يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ، بَلْ قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الصَّالِحِينَ. كَاَلَّذِينَ يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ وَيَسْجُدُونَ لَهُمْ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا عَبَدُوا الشَّيْطَانَ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَتَوَسَّلُونَ وَيَسْتَشْفِعُونَ بِعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ - قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤٠ - ٤١] . وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ غُرُوبِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُقَارِنُهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يَكُونَ سُجُودُ عُبَّادِ الشَّمْسِ لَهُ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ، وَسُجُودُهُمْ لِلشَّيْطَانِ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ دَعَوَاتِ الْكَوَاكِبِ الَّذِينَ يَدْعُونَ كَوْكَبًا مِنْ الْكَوَاكِبِ وَيَسْجُدُونَ لَهُ وَيُنَاجُونَهُ، وَيَدْعُونَهُ، وَيَضَعُونَ لَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْبَخُورِ وَالتَّسْبِيحَاتِ مَا يُنَاسِبُهُ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ السِّرِّ الْمَكْتُومِ الْمَشْرِقِيُّ، وَصَاحِبُ الشُّعْلَةِ النُّورَانِيَّةِ الْبَوْنِيُّ الْمَغْرِبِيُّ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَرْوَاحٌ تُخَاطِبُهُمْ وَتُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ الْأُمُورِ، وَتَقْضِي لَهُمْ بَعْضَ الْحَوَائِجِ، وَيُسَمَّوْنَ ذَلِكَ رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهَا مَلَائِكَةٌ، وَإِنَّمَا

1 / 192