Fatawa Kubra
الفتاوى الكبرى
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م
وَفِي رِوَايَةٍ: «آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ» . هَذَا قَالَهُ رَدًّا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ جُهَّالِ النَّاسِ: إنَّ الشَّمْسَ كُسِفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ بْنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ لَمَّا كُسِفَتْ أَنَّ كُسُوفَهَا كَانَ لِأَجْلِ مَوْتِهِ، وَأَنَّ مَوْتَهُ هُوَ السَّبَبُ لِكُسُوفِهَا، كَمَا قَدْ يَحْدُثُ عَنْ مَوْتِ بَعْضِ الْأَكَابِرِ مَصَائِبُ فِي النَّاسِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكُونُ كُسُوفُهُمَا عَنْ مَوْتِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا عَنْ حَيَاتِهِ، وَنَهَى أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَثَرٌ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ. فَذَكَرَ أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ تَخْوِيفَ الْعِبَادِ، كَمَا يَكُونُ تَخْوِيفُهُمْ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ، كَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ، وَالْجَدْبِ، وَالْأَمْطَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ عَذَابًا، كَمَا عَذَّبَ اللَّهُ أُمَمًا بِالرِّيحِ وَالصَّيْحَةِ وَالطُّوفَانِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] .
وَقَدْ قَالَ: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩]، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ بِذَلِكَ، يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابٍ يَنْزِلُ، كَالرِّيَاحِ الْعَاصِفَةِ الشَّدِيدَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا يُنْزِلُهُ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إنَّ لَهَا تَأْثِيرًا. مَا قَدْ عُلِمَ بِالْحِسِّ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي تَدْفَعُ عَنَّا مَا تُرْسَلُ بِهِ مِنْ الشَّرِّ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْعِتْقِ، وَكَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَتَغَيَّرَ، وَأَمَرَ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ هُبُوبِهَا: «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك مِنْ
1 / 59