بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة]
الحمد لله الذي تفرد بالوحدانية فلا له ثان، وفرق بين الحق والباطل وعلم كل قاص ودان، وألهم العلماء لجواب السؤال بلا توان، ومنحهم أسباب النوال، وبلغهم الأماني، فسبحانه وتعالى على أن وفقني للخير وهداني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الباقي وكل شيء فان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله النبي العربي القرشي العدناني، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين شيدوا من الدين المباني، وأظهروا الشريعة الغراء ووضحوا لها المعاني، وعلى من تبعهم وسلك سبلهم وطريقتهم من كل عزيز وقوي وعان، صلاة وسلاما دائمين متلازمين ملازمة الغريم للجاني، وعدد ما قرئ: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني﴾
(وبعد) فإن العلماء ورثة الأنبياء ومعالم للهدى، ومصابيح للدجى، ونجوم للاهتدا، وصقال للصدا، وسلاح للأعدا، وحجة لمن اعتدى، زادهم الله تعالى شرفا وتعظيما، ومنحهم عزا وإجلالا ومهابة وتكريما، خصهم الله تعالى بالشرف والعلا بين الأنام
1 / 2
وجعلهم قبلة ومنهاجا لدار السلام، تتشرف الأرض بمواطئ أقدامهم، وتنزل الرحمة عند دروسهم وتقريرهم، ولولاهم لكانت الناس بالدين جهالا، وأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا إضلالا، ولقد غاصوا في مسالك الفقه وساروا، وداروا على مسائله وجدا وهاموا، وبينوا المسائل الفقهية أحسن تبيين، وأظهروا ما خبئ وخفي عن الغبيين، وردوا خصم الخصوم المخالفين، وأقاموا صحة الحجج والبراهين، فأحاطوا بأحكام حرامه وحلاله، ورشفوا من غوامض مائه وزلاله، ووضحوا العبارة بلباب العقول والنقول، واعتمدوا على كل قول صحيح صواب مقبول، على منهج الطريق الواضح المستقيم، غير متعرضين لكلام ضعيف ولا مين ولا ذميم، وأن ما يشتغل به العاقل اللبيب، الكامل الأديب، التفقه في دينه، والاجتهاد في فهمه وتبيينه؛ لأجل إنقاذه من الجهل المهين له في زمانه وحينه، وليعرف الحلال من الحرام والحرام من الحلال، وليحوز الخير الجزيل المتين؛ لقوله ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.
ولما كانت الفتوى من أهم ما بها يعتنى، وأجل ثمر يقتطف ويجتنى؛ لكونها من فروض الكفايات، ولعدم الاستغناء عنها في وقت من الأوقات، ولم تزل العلماء الأعلام المفتيون، يقيدون ما يقع لهم من الأسئلة والأجوبة ويجمعون، ومن كتب ما وقع له في لياليه وأيامه، فقد كتب كتابا إلى من يأتي بعده بحوادث دهره وأعوامه، ومن قيد ما رأى وشاهد في أوقاته ودهره، فقد أشهد أحوال عصره لمن لم يكن في عصره، ولقد أفادنا الماضون قبلنا بالأخبار، وأطلعونا على ما دثر وبقي من الآثار، فأبصرنا ما لم نشاهده بالأبصار، وأحطنا بما لم نحط به خبرا من الأخبار، فرحمنا الله تعالى ورحمهم أجمعين، وبوأنا وإياهم جنات عدن فيها خالدين، لقد غرسوا حتى أكلنا وإنا لنغرس حتى يأكل من بعدنا، ويستفيدون ما رأينا وشاهدنا، ويعلمون ما شهدنا وعهدنا، والناس لهم في الفنون مراتب ومقامات، ولهذا رفع بعضهم فوق بعض درجات، وما ذاك إلا فضل من المولى الكريم المتعال، يؤتيه لمن يشاء من عباده ويكسوه ثوب الإجلال، ولقد اهتم العلماء في جميع الوقائع غاية الاهتمام، واجتهدوا في حفظها لينتفع بها من بعدهم من الأنام، حتى صارت كتبا عديدة يرجع إليها، ودواوين فريدة يعتمد عليها، وبراهين غزيرة يتمسك بها، لما فيها من الأحوال النادرة والفروع الشاردة لا تكاد توجد مسطرة إلا على الندور، ولا يلتقي مثلها في الكتب المبسوطة غالبا إلا في العتور.
وقلوب أهل هذا الزمن مائلة إليها، ومعولين في الجواب عليها، قال العبد الفقير
1 / 3
إلى مولاه الغني القدير، السيد أحمد بن أمين الدين البسطامي، المتشرف بإفتاء السادة الشافعية بنابلس المحمية لما انتقل بالوفاة إلى رحمة الله تعالى العالم العلامة، الحبر البحر الفهامة، شافعي زمانه، فريد عصره وأوانه، كهف الإسلام والمسلمين، عمدة الفقهاء والمحدثين، شيخ الإفتاء والتدريس، ومحل الفروع والتأسيس، من هو تابع لمذهب الإمام الأعظم الشافعي ابن إدريس، شيخي وأستاذي عمدتي واستنادي، وقدوتي إلى الله تعالى المرحوم المغفور له إن شاء الله تعالى الشيخ محمد الخليلي، نزيل القدس الشريف، أمطر الله تعالى عليه صبيب الرحمة والرضوان، وأسكنه وإيانا أعلى فراديس الجنان، وكان ﵀ قيد في مسودة شريفة بعض ما وقع له من الأسئلة وما أجاب عليها، فأرسلت طلبتها من ولده مفخر السادات وعين السيادات، الحائز قصب السبق إلى رتب الكمالات، من هو كاسمه فالح وناجح، مولانا السيد محمد الصالح، وفقه الله تعالى للعمل الصالح، وبلغه ما أمل من جميع المصالح، فأجابني لما طلبت، وبلغني ما أملت، وأرسها لي وما ونى، وحملني له بذلك أجل الثناء، فرأيتها فوائد ثمينة، وفرائد يتيمة، وجواهر مضيئة، وبدورا مستضيئة، حقيق أنها بماء العيون ترسم، وبمداد العسجد ترقم، وتكتب في صحائف الورق فضلا عن الورق، بأحسن خط من كتب وورق، فجزاه الله تعالى جزاء وافيا موفورا، وجعل عمله متقبلا وسعيه سعيا مشكورا، فما كل من فعل أجاد في فعله، ولا كل من قال وفى بقوله، والخلائق في الفضائل يتفاوتون، وقد يظفر الأواخر بما ترك الأولون.
وقد جمعت مسائل مهمة كثيرة الوقوع، وفوائد جمة ظاهرة الطلوع، وواقعات شهيرة ومنقولات عزيرة، وأبحاثا مطنبة وجيزة، ينتفع بها الصغير والكبير، ويرتاح بالأخذ منها المأمور والأمير، وتكون عونا لمن بمنصب الإفتاء بلي، وسلك في فتواه منهاج الاستقامة وكفي، وبمطالعتها الغباوة والغشاوة تنجلي؛ ولكونها من وقائع أهل هذا الزمن والأوان، لا يمل قارئها مع توالي الملوان، خالية عن الكلام المعمى، سالمة من الألحان والمغمى، فاستخرت الله تعالى كثيرا، واتخذته هاديا ونصيرا، بيضتها وجمعتها، وعلى أبواب متن الفقه رتبتها، وحذفت منها بعض أسئلة مكررة، وأجوبة مطولة، وبدأتها أول بما يتعلق بالتفسير ثم بالحديث ثم بالنحو ثم بالتوحيد ثم بأبواب الفقه على الترتيب، ثم ختمتها ببابين؛ الأول بما يتعلق بالتصوف، والثاني مسائل منثورة وسميتها بالفتاوى المحمدية الخليلية، في واقعات السادة الشافعية، نويت
1 / 4
بذلك الأجر والثواب من الكريم الملك الوهاب؛ ولتكون سببا لنجاتي من العقاب؛ وطمعا بعدي في دعوة عبد صالح مجاب بعد انتقالي من هذه الدار لدار الثواب.
ولنذكر نبذة من مناقب المصنف - رحمه الله تعالى-: كان رضي الله تعالى عنه كهفا في العلوم، بحرا في المنطوق والمفهوم، صاحب كرامات ظاهرة، ومقامات عالية وعبارات باهرة، وإشارات سامية، وحقائق زاهرة، وأنفاس نامية، وهمم متوايلة، وأحوال خارقة، وأسرار ناطقة، وأفعال صادقة، ونفحات قدسية، ومعارف روحانية، وفتوح ملكوتية، ورياضات ومجاهدات أبرز الله تعالى له المغيبات، وخرق له العادات، وكشف له المواد الخفيات، وقصد لحل المشكلات، ويسر له فعل الطاعات، ووفقه لأداء الفرائض في أول الأوقات، وكان مجلسه كمجالس الأنبياء عليه وقار وهيبة، وأوهبه الله تعالى العز والوقار والبهاء والكمال والفخر والافتخار.
وكان صدرا في المجالس، وإذا تكلم بشيء يرجع الكل إلى قوله وكلامه، وأوقع الله تعالى له القبول التام في الصدور، والمهابة والقبول في قلوب العالم، وألقى الله تعالى هيبته في قلوب الكفار، خصوصا بلاد النصارى؛ كانوا يحسبون حسابه، ويخافون سطوته وبأسه، وأجمع أهل الآفاق على جلالته وفضيلته، وقصدوه بالزيارة من سائر الأقطار، وكان جمع الله تعالى له علم الحقيقة والطريقة والشريعة، وانتهت إليه الطريقة في ترتيب المريدين الصادقين.
وكان وعظه يطرب السامعين وينعش الناظرين، ويحيي القلوب الميتين، وكان من طريقته إسقاط الجاه وترك التصنع، واستعمال الإخلاص، محبا لأهل الصلاح، مهتما بأمور المسلمين، معظما للفقراء والمساكين، حسن الخلق، شديد الهمة، كامل الأدب وافر العقل كثير التواضع، معمور الباطن، بحرا في الكلام بالسجع والنثر والشعر والانتظام.
وقد مدحه العلامة المرحوم السيد محمد ابن المرحوم السيد عبد الرحيم اللطفي رحمهما الله تعالى المفتي بالقدس الشريف حين أضافه في كرمه بمدينة السيد الخليل عليه صلوات الملك الجليل حيث قال:
إمام الفضل مولانا الخليلي ... فريد العصر والعلم الجليلي
حباه ربه لطفا وعلما ... لحل المشكلات مع الدليل
إذا وافيته تلقاه صدرا ... رحيبا بالمكارم للنزيل
أتيناه بكرم أرض حبرى ... فحيانا وأحيا بالجميل
وحملنا لطائف مذ حللنا ... وأمنحنا من الخير الجزيل
فاوفه يا إلهي غيث بر ... ونكس أنف مبغضه الرخيل
توفي رضي الله تعالى عنه في نصف شهر جمادى الثانية سنة سبعة وأربعين ومائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها ألفا ألف صلاة ألفا ألف تحية، ودفن رضي الله تعالى عنه في المدفن الذي بداخل خلوته المجاورة للسلطانية بداخل المسجد الأقصى، وصار له مشهد عظيم ما وقع لأحد في هذا الزمن، وعلى ضريحه من النور والبهاء والاحترام والوقار والجلال ما يليق بجنابه الكريم.
وقال بعض من رثاه:
رحل الخليلي للديار الباقية ... من هذه الدنيا الدنية الفانية
مولاه ناداه فلبى طائعا ... متشرفا جنات عدن عالية
قد كان في القدس الشريف ككوكب ... يضيء كالقمر المنير علانية
قد كان ذا علم وذا حلم وذا ... فضل كأمواج البحار الطامية
قد كان بحرا في العلوم مفضلا ... للدين حصنا كالسلاح الماضية
قد كان للإسلام عزا ناصحا ... أوقاته مثل النجوم الزاهية
قد كانت الكفار تخشى بأسه ... وتخاف سطوته اللئام الطاغية
يا قدس زيدي في النحيب وفي البكاء ... وجميع حولك أن يكونوا ناعية
طرف الأراضي انتقص لفراقه ... دليل هذا فالقيامة غاشية
قد غاب واأسفاه عنا في الردى ... قادم على محيي العظام البالية
إن قيل في الأجداث غاب فإنه ... في روضة حسناء تجلو سامية
يا رب بالمختار فاجمعنا به ... في جنة فيها قطوف دانية
ويقول رضوان لنا هذا بما ... أسلفتموه في الأيام الخالية
مولاي فارحمه ونعمه وأكرمـ ... ـه وأسكنه القصور العالية
جنات عدن زخرفت لقدومه ... جوزي من الرحمن خيرا وافية
لما أصبنا فيه ارخ همه ... قرب الرحيل من الديار الفانية
سنة ١١٤٧/ ٥٠
باب ما يتعلق بتفسير القرآن العظيم
مطلب في: بسم الله الرحمن الرحيم، أهي من الفاتحة إلخ؟
(سئل) عن بسم الله الرحمن الرحيم: هل هي من الفاتحة، وهل هي آية من أول كل سورة إلا براءة؟
(أجاب) اختلفوا في البسملة: فذهب قراء البصرة والمدينة وفقهاء الكوفة إلى أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور؛ والافتتاح بها للتيمن والتبرك.
وذهب قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إلى أنها من الفاتحة وليست من سائر السور.
وقيل: آية من كل سورة إلا سورة التوبة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي؛ لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القراء، واتفقوا على أن الفاتحة
1 / 5
سبع آيات، فالآية الأولى عند من يعدها من الفاتحة ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾.
روي في الخبر الصحيح عن سعيد بن جبير: ﴿ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم﴾: هي أم القرآن، قال أبي: وقرأها على سعيد بن جبير حتى ختمها، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، قال سعيد: قرأها عليَّ ابن عباس كما قرأتها عليك. ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة. قال ابن عباس: فدخرها لكم فما أخرجها لأحد قبلكم. وروي عن ابن عباس: كان رسول الله ﷺ لا يعرف ختم السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن ابن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، وقال الشعبي: كان رسول الله ﷺ يكتب في بدء الأمر على رسم قريش: باسمك اللهم، حتى نزلت: ﴿وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها﴾، فكتب: بسم الله، حتى نزلت: ﴿قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن﴾ فكتب: بسم الله الرحمن، حتى نزلت: ﴿إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم﴾، فكتب مثلها. ذكره البغوي في تفسيره.
وإنما لم تكتب في أول براءة؛ لأن براءة نزلت بالسيف والبسملة للرحمة، فلا تناسبها، والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب﴾ إلخ
(سئل) في قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات﴾ ما معنى ذلك؟ (أجاب) المعنى ﴿أورثنا﴾: أعطينا؛ لأن الميراث إعطاء، وقيل: ﴿أورثنا﴾: أخرنا، ومنه الميراث؛ لأنه تأخر عن الميت، ومعناه أخرنا القرآن من الأمم السالفة وأعطيناكموه وأهلناكم له، ﴿الذين اصطفينا من عبادنا﴾ قال ابن عباس: يريد أمة محمد ﷺ قسمهم ورتبهم.
واختلف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق، قال عقبة بن صهبان: سألت عائشة ﵂ عن قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾ فقالت: يا بني، كلهم في الجنة، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله ﷺ وشهد له رسول الله ﷺ بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم فمثلي ومثلكم، فجعلت نفسها معنا.
وقال مجاهد والحسن وقتادة: ﴿فمنهم ظالم لنفسه﴾ وهم أصحاب المشئمة، ﴿ومنهم مقتصد﴾ هم أصحاب الميمنة ﴿ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله﴾ هم السابقون المقربون من الناس كلهم.
وعن ابن عباس قال: السابق: المؤمن الخالص، والمقتصد: المرائي، والظالم: الكافر نعمة الله غير الجاحد لها؛ لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة، فقال: ﴿جنات عدن يدخلونها﴾.
وقال الحسن: السابق: من رجحت حسناته على سيئاته، والمقتصد: من استوت حسناته وسيئاته، والظالم: من رجحت سيئاته على حسناته، وقيل: الظالم: من كان ظاهره خيرا من باطنه والمقتصد
1 / 7
الذي يستوي ظاهره وباطنه، والسابق: الذي باطنه خير من ظاهره.
وقيل: الظالم: من وحد الله تعالى بلسانه، ولم يوافق فعله قوله، والمقتصد: من وحد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه، والسابق: من وحد الله تعالى بلسانه وأطاعه بجوارحه، وأخلص له عمله، وقيل: الظالم: التالي للقرآن، والمقتصد: القارئ له العامل به، والسابق: القارئ له العامل بما فيه. وقيل: الظالم: أصحاب الكبائر، والمقتصد: أصحاب الصغائر، والسابق: الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة. وقال سهل بن عبد الله: السابق: العالم، والمقتصد: المتعلم، والظالم: الجاهل. انتهى بغوي. والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿والذي جاء بالصدق وصدق به﴾ إلخ
(سئل) عن معنى قوله تعالى: ﴿والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون﴾ فما الذي هو من المتقين؟ (أجاب) قال ابن عباس: ﴿والذي جاء بالصدق﴾ يعني رسول الله ﷺ، جاء بلا إله إلا الله ﴿وصدق به﴾ الرسول أيضا، بلغه إلى الخلق. وقال السدي: ﴿والذي جاء بالصدق﴾ جبريل بالقرآن ﴿وصدق به﴾ محمد ﷺ، تلقاه بالقبول. وقال أبو العالية والكلبي: ﴿والذي جاء بالصدق﴾ رسول الله ﷺ ﴿وصدق به﴾ أبو بكر. وقال قتادة ومقاتل: ﴿والذي جاء بالصدق﴾ رسول الله ﷺ ﴿وصدق به﴾ المؤمنون؛ لقوله تعالى: ﴿أولئك هم المتقون﴾. وقال عطاء: ﴿والذي جاء بالصدق﴾ الأنبياء ﴿وصدق به﴾ الأتباع، والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ ما معنى ذلك؟
(أجاب) يقال: للإنسان نفس وروح، فعند النوم تخرج النفس وتبقى الروح. وعن علي قال: تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد، فبذلك يرى الرؤيا، فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة. ويقال: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتعارف ما شاء الله، فإذا أرادت الرجوع إلى أجسادها أمسك الله تعالى أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى انقضاء مدة حياتها، فللإنسان نفسان: نفس الروح وهي التي تقبض عند فناء أكلها وانقضاء أجلها، ونفس الحياة التي يتوفاها عند النوم وهي بها العقل والتمييز، ولأنه بعد النوم يتنفس، والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل﴾ ما معنى ﴿أولو العزم﴾؟ وكم هم؟ (أجاب) قال ابن عباس: أولو العزم: أي الحزم، وقال الضحاك ذوو الجد والصبر. واختلفوا فيهم، فقال ابن زيد: الرسل كانوا أولو عزم، لم يبعث الله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل. قال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يونس؛ لعجلة كانت معه، ألا ترى أنه قيل للنبي- ﷺ: ﴿ولا تكن كصاحب الحوت﴾.
1 / 8
وقال قوم: نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر؛ لقوله تعالى بعد ذكرهم: ﴿أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده﴾ وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين، وقيل: هم ستة: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء. وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صبر على الذبح، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف صبر في البئر والسجن، وأيوب صبر على الضر. وقال ابن عباس وقتادة: هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع، فهم مع محمد ﷺ خمسة، والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل﴾ الآية، ما معنى ذلك؟
(أجاب) قال ابن عباس ﵄: [نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس لما قال للرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، فقال النبي ﷺ: من الذاكر فلانة؟ فقال ثابت: أنا يا رسول الله، فقال: انظر في وجوه القوم، فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت؟ قال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين، فنزلت في ثابت هذه الآية. وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله ﷺ بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن، فقال عتاب بن أسد بن أبي العاص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم.
وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا، وقال سهيل بن عمر: إن يرد الله شيئا، وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل، فأخبر رسول الله ﷺ بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله ﷿ هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء فقال: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى﴾ يعني آدم وحواء أي أنكم متساوون في النسب ﴿وجعلناكم شعوبا﴾ جمع شعب بفتح الشين، وهي رءوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، سموا شعوبا لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة.
والقبائل: هي دون الشعوب واحدتها قبيلة وهي كبكر وربيعة وتميم من مضر دون القبائل، العمائر واحدها عمارة بفتح العين، ودون العمائر البطون، ودون البطون الأفخاذ، ثم الفصائل ثم العشائر، وقيل: الشعوب من العجم والقبائل من العرب والأسباط من بني إسرائيل.
وقال أبو روق: الشعوب: الذين لا ينتسبون إلى أحد بل إلى المدائن والقرى، والقبائل: العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم، فأخبر الله ﷾ أن أرفعهم منزلة عنده أتقاهم، روي أنه ﷺ قال: الحسب المال، والكرم
1 / 9
التقوى. وقال ابن عباس: كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى. وقال رسول الله ﷺ: [إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم] والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن﴾
(سئل) ما معنى قوله ﷾: ﴿يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن﴾؟
(أجاب) قال قتادة: يعني لا يستغني عنه أهل السماء والأرض، وقال ابن عباس: أهل السماوات يسألونه المغفرة وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرة. وقال مقاتل: نزلت في اليهود حين قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت، وقال المفسرون: من شأنه أنه يحيي ويميت ويرزق ويعز قوما ويذل قوما ويشفي مريضا ويفك عانيا ويفرج مكروبا ويجيب داعيا ويعطي سائلا ويغفر ذنبا إلى ما لا يحصى من أفعاله وأحداثه في خلقه ما يشاء.
وروي عن ابن عباس أنه قال: إن مما خلق الله ﷿ لوحا من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابته نور ينظر الله ﷿ كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء، فذلك قوله تعالى: ﴿كل يوم هو في شأن﴾.
قال سفيان بن عيينة: الدهر كله عند الله تعالى يومان: أحدهما مدة أيام الدنيا، والآخر يوم القيامة، فالشأن الذي هو فيه في اليوم الذي هو مدة الدنيا: الاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، وشأن يوم القيامة: الجزاء والحساب والثواب والعقاب.
وقيل: شأنه جل ذكره أنه يخرج في كل يوم وليلة ثلاثة عساكر: عسكرا من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، وعسكرا من الأرحام إلى الدنيا، وعسكرا من الدنيا إلى القبور، ثم يرتحلون جميعا إلى الله ﷿.
وقال الحسن بن الفضيل: هو سوق المقادير إلى المواقيت، وقال أبو سليمان الداراني في هذه الآية: له كل يوم إلى للعبيد بر جديد. والله تعالى أعلم.
مطلب في: ﴿ن والقلم وما يسطرون﴾
(سئل) عن معنى قوله تعالى: ﴿ن والقلم وما يسطرون﴾.
(أجاب) اختلفوا في نون، قال ابن عباس: هو الحوت الذي على ظهره الأرض واسمه بهموت، وقيل: ليوثا، وقيل: بلهوث، ولما خلق الله تعالى القلم فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره، فتحرك النون، فمادت الأرض، فأثبتت الجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض.
وقالت الرواة: لما خلق الله تعالى الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكا فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع، ثم ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار، فأهبط الله ﷿ من الفردوس ثورا له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة، وجعل قرار قدم الملك على سنامه، فلم تستقر قدماه، فأخذ ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة عام، فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت قدماه، وقرن ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ومنخراه في البحر، فهو يتنفس كل
1 / 10
يوم نفسا، فإذا تنفس مد البحر وإذا رد نفسه زجر، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه: ﴿فتكن في صخرة﴾، ولم يكن للصخرة مستقر، فخلق الله تعالى نونا وهو الحوت العظيم، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده والحوت على البحر والبحر على متن الريح والريح على القدرة، يقال: إن الدنيا كلها بما عليها حرفان، قال لها الجبار: كوني، فكانت.
قال كعب الأحبار: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس له فقال له: أتدري ما على ظهرك يا لوثا من الأمم والدواب والشجر والجبال، لأن نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك، فهم لوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله تعالى دابة فدخلت منخره فدخلت إلى دماغه، فعج الحوت إلى الله تعالى، فأذن لها فخرجت.
قال كعب: والذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت.
وقال الحسن وقتادة والضحاك: النون الدواة والقلم هو الذي كتب الله به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض، ويقال: أول ما خلق الله تعالى القلم ونظر إليه انشق نصفين ثم قال: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك، والله ﷾ أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿إذا الشمس كورت﴾ إلخ
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿إذا الشمس كورت﴾ إلى قوله: ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾؟.
(أجاب) تكويرها ذهاب ضوئها، وقيل: اضمحلالها. وقال الزجاج: لفت كما تلف العمامة، يقال: كورت العمامة على رأسي أكورها كورا وكورتها تكويرا إذا لففتها ومعناه: أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها.
قال ابن عباس: يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ثم يبعث عليها ريحا دبورا فتضرمها فتصير نارا.
قوله تعالى: ﴿وإذا النجوم انكدرت﴾. أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض يقال: انكدر الطائر أي سقط عن عشه. قال الكلبي وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم إلا وقع.
قوله تعالى: ﴿وإذا الجبال سيرت﴾ عن وجه الأرض، فصارت هباء منثورا. ﴿وإذا العشار عطلت﴾ وهي النوق الحوامل التي أتى على حملها عشر أشهر واحدتها عَشْرَا، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة، وهي أنفس مال عند العرب ﴿عطلت﴾: تركت مهملة بلا راع، أهملها أهلها وكانوا لازمين لأذنابها، ولم يكن لهم مال أعجب إليهم منها لما جاءهم من أهوال يوم القيامة.
﴿وإذا الوحوش حشرت﴾ يعني ذوات البر، جمعت بعد البعث ليقتص بعضها من بعض، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: حشرها موتها، وقال: حشر كل شيء الموت إلا الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة. ﴿وإذا البحار سجرت﴾ قال ابن عباس: أوقدت
1 / 11
فصارت نارا تضطرم، وقيل: صارت مياهها بحرا واحدا من الحميم لأهل النار، وقال الحسن: يبست وقال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة.
وروي عن أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة: بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على الأرض فحركت واضطربت، وفزعت الجن إلى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، وماج بعضهم في بعض، فذلك قوله تعالى: ﴿وإذا الوحوش حشرت﴾ واختلطت ﴿وإذا العشار عطلت﴾، ﴿وإذا البحار سجرت﴾ قال: قالت الإنس والجن: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحر، فإذا هي نار تأجج، قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم.
وعن ابن عباس أيضا قال: هي اثنتا عشرة خصلة ست في الدنيا وست في الآخرة.
قوله تعالى: ﴿وإذا النفوس زوجت﴾ روى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه سئل عن هذه الآية، قال: يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، ويقرن بين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار. وقال عطاء ومقاتل: زوجت نفوس المؤمنين بالحور العين، وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين. وروي عن عكرمة قال: ﴿وإذا النفوس زوجت﴾ ردت الأرواح في الأجساد.
﴿وإذا الموءودة سئلت﴾ وهي الجارية المدفونة حية، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيوئدها، أي يثقلها حتى تموت، وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة، وعن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وآن أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاما حبسته. وقيل: كان الرجل إذا ولدت له بنت ألبسها جبة من صوف أو شعر حتى إذا بلغت ست سنين ذهب بها إلى الصحراء وقد حفر لها حفيرة فليقيها فيها ويهيل التراب عليها، وقيل غير ذلك.
وقوله: ﴿سئلت بأي ذنب قتلت﴾ معناه تسأل الموءودة: بأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها؛ لأنها تقول: قتلت بغير ذنب.
قوله تعالى: ﴿وإذا الصحف نشرت﴾. يعني صحائف الأعمال تنشر للحساب. ﴿وإذا السماء كشطت﴾ أي: نزعت فطويت، وقال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف، وقال مقاتل: تكشف عمن فيها. ﴿وإذا الجحيم سعرت﴾ أي: أوقدت لأعداء الله تعالى.
﴿وإذا الجنة أزلفت﴾ قربت لأولياء الله تعالى. ﴿علمت نفس ما أحضرت﴾ أي: من خير أو شر، وهذا جواب لقوله تعالى: ﴿إذا الشمس كورت﴾ وما بعدها والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿والتين والزيتون﴾
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين﴾؟.
(أجاب) قال
1 / 12
ابن عباس: التين هو تينكم هذا الذي تأكلون، والزيتون هو زيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت، قيل: خص التين بالقسم؛ لأنه فاكهة مخلصة لا عجم لها يشبه فواكه الجنة، والزيتون شجرة مباركة جاء به الحديث وهو ثمر ودهن يصلح للإصباح والاصطباح.
وقال عكرمة: التين والزيتون جبلان، وقال قتادة: التين: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس؛ لأنهما ينبتان التين والزيتون.
وقال الضحاك: هما مسجدان بالشام. قال ابن زيد: التين: مسجد دمشق، والزيتون: مسجد بيت المقدس، وقال محمد بن كعب: التين مسجد أصحاب أهل الكهف، والزيتون: مسجد إيليا، وطور سيناء هو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى ﵊. و﴿البلد الأمين﴾: مكة يأمن فيها الناس في الجاهلية والإسلام، وهذه أقسام وجوابها: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ أي: أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه تعالى خلق كل حيوان منكبا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده، مزينا بالعقل والتمييز. والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره﴾. إلخ
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾؟ وهل ورد: قراءة "إذا زلزلت" تعدل نصف القرآن؟.
(أجاب) الذرة وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل.
وقال ابن عباس: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدنيا إلا أراه الله يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله سيئاته، ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته ويعذبه بسيئاته.
قال محمد بن كعب في هذه الآية ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره﴾: من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير. ﴿ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره﴾ من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر.
روي عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال: ﴿إذا زلزلت الأرض﴾ تعدل نصف القرآن و﴿قل هو الله أحد﴾ تعدل ثلث القرآن، و﴿قل يا أيها الكافرون﴾ تعدل ربع القرآن. والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿ويل لكل همزة لمزة﴾ إلخ
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿ويل لكل همزة لمزة﴾؟
(أجاب) قال ابن عباس: هم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، ومعناهما واحد، وقال مقاتل: الهمزة: الذي يعيبك في الغيب، واللمزة: الذي يعيبك في الوجه، وقال سعيد بن جبير وقتادة: الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم واللمزة: الطعان عليهم.
وقال ابن زيد: الهمزة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة: الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿ويمنعون الماعون﴾ إلخ
(سئل) ما المراد بـ بالماعون في قوله تعالى: ﴿ويمنعون الماعون﴾؟.
(أجاب) روي عن علي ﵁
1 / 13
أنه قال: هي الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك، وقال عبد الله بن مسعود: ﴿الماعون﴾: الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك، وقال مجاهد: ﴿الماعون﴾: أعلاها الزكاة المفروضة، وأدناها عارية المتاع، وقال محمد بن كعب: المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم. وقيل: الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار والله أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ فهل هذا دليل على جواز الضحك من غير سبب مثلا وما معنى ذلك؟
(أجاب) المعنى: أن كل ما يعمله الإنسان بقضاء الله تعالى وخلقه حتى الضحك والبكاء، وأنه ﷾ أضحك أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك: أضحك الله تعالى الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر.
وقال عطاء: يعني أفرح وأحزن؛ لأن الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكاء. روي أنه قيل لجابر بن سمرة: كنت تجالس النبي ﷺ؟ قال: نعم، وكان أصحابه يجلسون فيتناشدون الشعر، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا - يعني النبي ﷺ. وقال معمر عن قتادة: سئل عمر: هل كان أصحاب رسول الله ﷺ يضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿عند سدرة المنتهى﴾ فما صفتها؟
(أجاب) روي عن عبد الله بن مسعود قال: لما أسري برسول الله ﷺ انتهي به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها.
وروي في حديث المعراج: " ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا إبراهيم فسلمت عليه ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة". والسدرة: شجرة النبق، وقيل لها: سدرة المنتهى؛ لأنه إليها ينتهي علم الخلائق.
وروي أن ابن عباس ﵄ سأل كعبا عن سدرة المنتهى، فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش على رءوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله.
وروي أنه يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة عام، ويستظل بالغصن منها مائة ألف راكب، فيها فراش من ذهب كأن ثمرها القلال، وقال مقاتل: هي شجرة تحمل الحلي والحلل والثمار من جميع الألوان لو أن ورقة وضعت منها في الأرض لأضاءت لأهل الأرض والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة﴾. إلخ
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين﴾؟ هل نزل القرآن جملة واحدة؟ أم مفرقا؟ وهل المراد بهذه الليلة ليلة القدر أو غيرها؟
(أجاب) قال قتادة وابن زيد: هي ليلة القدر، أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب
1 / 14
إلى سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على النبي ﷺ نجوما في عشرين سنة، وقال آخرون: هي ليلة النصف من شعبان.
روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: " ينزل الله جل ثناؤه ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو شركا بالله " وفي هذه الليلة ﴿يفرق﴾ أي: يفصل ﴿كل أمر حكيم﴾. قال ابن عباس: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يقال: حج فلان، ويحج فلان.
وقال الحسن ومجاهد: يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل وعمل وخلق ورزق وما يكون في تلك السنة.
وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.
وروي أن رسول الله ﷺ قال: " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الزوج لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى، وعن ابن عباس: إن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر. والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿من كان يريد العزة﴾ إلخ
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾؟.
(أجاب) قال الفراء: معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا.
وقال قتادة: من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله تعالى، معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة، أي: فليطلب العزة من عند الله تعالى بطاعته، كما يقال: من كان يريد المال فالمال لفلان أي: فليطلبه منه، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام فطلبوا بها التعزز، كما قال تعالى: ﴿واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا﴾، وقال تعالى: ﴿الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا﴾.
والكلم الطيب: هو قول: لا إله إلا الله، وقيل: هو قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. كما ورد: " ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جميع الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بها وجه رب العالمين، ومصداقه من كتاب الله تعالى قوله: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب﴾ ذكره ابن مسعود ﵁.
وقال الحسن وقتادة: الكلم الطيب ذكر الله تعالى، والعمل الصالح أداء فرائضه، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في الصدور وصدقته الأعمال، فمن قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفع ذلك العمل، فإن الله تعالى يقول: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾
1 / 15
وجاء في الحديث: " لا يقبل الله تعالى قولا إلا بعمل، ولا قولا وعملا إلا بنية ". وقال قوم: الهاء في قوله: ﴿يرفعه﴾ راجعة إلى العمل الصالح أي: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا يقبل عملا إلا أن يكون صادرا عن التوحيد.
وقال سفيان بن عيينة: العمل الصالح هو الخالص يعني أن الإخلاص هو سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال؛ لقوله تعالى: ﴿فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾. فجعل الصالح الخالص من الشرك والرياء ونقيض الصالح الشرك والرياء. والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿وما أنزل على الملكين﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت﴾ الآية فهل هما ساحران؟ وما سبب نزولهما للدنيا وتعليمهما للناس السحر؟
(أجاب) روي عن ابن عباس ﵄ أنه قال: إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس ﵇ فعيروهم وقالوا: هؤلاء جعلتهم في الأرض واخترتهم وهم يعصونك، فقال الله ﷿: لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لركبتم مثل ما ركبوا، فقالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك، فقال الله تعالى: فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم.
وكان اسم هاروت عز وماروت عزايا - فغير اسمهما لما قارفا الذنب - وركب الله تعالى فيهما الشهوة وأهبطهما إلى الأرض وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر، وكانا يقضيان بين الناس يومهما فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء، فما مر عليهما شهر حتى افتتنا، وقيل: افتتنا في أول يوم وذكر أنه اختصم إليهما امرأة يقال لها: الزهرة
، وكانت من أجمل أهل فارس، وقيل: كانت ملكة فلما رأياها أخذت بقلوبهما. فقال أحدهما لصاحبه: هل سقط في نفسك مثل الذي سقط في نفسي؟ قال: نعم، فراوداها عن نفسها، فأبت وانصرفت، ثم عادت في اليوم الثاني، ففعلا مثل ذلك فأبت، وقالت: لا إلا أن تعبدا هذا الصنم، وتقتلا النفس وتشربا الخمر، فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء؛ فإن الله تعالى قد نهانا عنها، ثم انصرفت.
ثم عادت في اليوم الثالث ومعها قدح خمر وفي أنفسهما من الميل إليها ما فيها، ثم راوداها عن نفسها، فعرضت عليهما ما قالت بالأمس، فقالا: الصلاة لغير الله عظيم، وقتل النفس عظيم، وأهون الثلاثة شرب الخمر، فشربا الخمر لما انتشيا ووقعا بالمرأة، قيل: زنيا بها، فرآهما إنسان، فقتلاه خوف الفضيحة.
وقيل: إنها قالت لهما: بأي شيء تصعدان إلى السماء؟ فقالا: باسم الله الأعظم، فقالت: فما أنتما بمدركي حتى تعلماني إياه، فقال أحدهما للآخر: علمها، فقال: إني أخاف الله، فقال له: فأين رحمة الله؟ فعلمها إياه فتكلمت به، وصعدت إلى السماء، فمسخها الله كوكبا، قيل: إنها الزهرة. ولما أمسى
1 / 16
هاروت وماروت بعد الذنب هما بالصعود إلى السماء فلم يقدرا، فعلما ما حل بهما، فقصدا نبي الله تعالى إدريس ﵇ وأخبراه بأمرهما، وسألاه أن يشفع لهما عند الله ﷿، ففعل ذلك إدريس، فخيرهما الله تعالى بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا؛ لأنهما علما أنه ينقطع، فهما يعذبان ببابل. قيل: إنها بالعراق بأرض الكوفة، وسميت بذلك لتبلبل الألسن عند سقوط صرح نمروذ. قيل: إنهما معلقان بشعورهما إلى قيام الساعة، وقيل: إنهما منكوسان يضربان بسياط الحديد.
وقيل: إن رجلا قصدهما ليتعلم السحر فوجدهما معلقين بأرجلهما مزرقة عيونهما مسودة جلودهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا قدر أربع أصابع، وهما يعذبان بالعطش، فلما رأى ذلك هاله، فقال: لا إله إلا الله، فلما سمعا كلامه قالا: من أنت؟ قال: رجل من الناس، قالا: من أي أمة أنت؟ قال: من أمة محمد ﷺ، قالا: أوقد بعث محمد ﷺ؟ قال: نعم، فقالا: الحمد لله وأظهرا الاستبشار، فقال الرجل: مما استبشاركما، قالا: فإنه نبي الساعة، وقد دنا انقضاء عذابنا والله تعالى أعلم.
وما يعلمان أحدا السحر حتى ينصحانه أولا قيل: سبع مرات يقولان له: إنما نحن ابتلاء ومحنة للناس، فلا تتعلم السحر فتعمل به فتكفر، فإن أبى قبول نصحهما وصمم على التعليم يقولان له: ائت هذا الرماد والحس منه، فإذا فعل خرج منه نور ساطع في السماء وهو الإيمان والمعرفة، وينزل شيء أسود شبه الدخان حتى يدخل مسامعه، وذلك غضب الله تعالى، فيعلمانه ذلك، ولأن السحر له تأثير في نفسه ابتلاء من الله تعالى، وسمي السحر سحرا لخفاء سببه، وقيل: معنى السحر الإزالة وصرف الشيء عن وجهه، وأما حقيقته، فقد قيل: إنه عبارة عن التمويه والتخييل، وقيل: إن السحر يؤثر في قلب الإنسان، فيجعل الإنسان على صورة الحمار والحمار على صورة الكلب، وقد يطير الساحر، وهذا القول ضعيف عند أهل السنة؛ لأن الله تعالى هو الخالق الفاعل لهذه الأشياء عند عمل الساحر، ويحرم فعل السحر؛ لأنه من الكبائر. والله أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض﴾ إلخ
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات﴾ فهل يتبدلان حقيقة أو معنى؟ وهل يكون الحساب على هذه الأرض أم على غيرها؟
(أجاب) روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: تغير هذه الأرض التي عليها بنو آدم بأرض بيضاء نقية لم يكن يعمل فيها بالمعاصي، ولم يكن تسفك عليها الدماء، وروي أن عائشة- رضي الله تعالى عنها - قالت لرسول الله ﷺ: يقول الله تعالى: ﴿يوم تبدل الأرض غير الأرض﴾ أين يكون الناس يومئذ؟ فقال لها رسول الله ﷺ سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك: الناس يومئذ على الصراط ".
وروي عن ابن عباس - رضي الله
1 / 17
عنهما - أنه قال: تمد الأرض مد الأديم ويزاد في سعتها والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه﴾
(سئل) عن معنى قوله تعالى: ﴿وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين﴾؟.
(أجاب) قال سعيد بن جبير: ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه.
وقال الكلبي: ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق إما أن يعجله له في الدنيا وإما أن يدخره له في الآخرة ﴿وهو خير الرازقين﴾: خير من يعطي ويرزق.
وروي عن أبي هريرة ﵁: أن رسول الله ﷺ قال: " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا ".
وعن جابر بن عبد الله ﵄ أنه قال: " قال رسول الله ﷺ: كل معروف صدقة، وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب الله له به صدقة، وما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة، قلت: ما معنى "ما وقى"؟ قال: ما أعطى الشاعر وذا اللسان المنتضئ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله ﷿ والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت﴾
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾ الآية فهل كان للبيت رسوم؟.
(أجاب) قيل: لما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض استوحش فشكا إلى الله تعالى، فأنزل الله تعالى البيت المعمور، وهو ياقوتة من يواقيت الجنة، له بابان من زمرد أخضر، وقال: يا آدم إني أهبت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وأنزل الله تعالى عليه الحجر الأسود، وكان أبيض فاسود من مس الحيض في الجاهلية، فتوجه آدم من الهند ماشيا إلى مكة، وأرسل الله تعالى إليه ملكا يدله على البيت فحج آدم البيت، وأقام المناسك، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا له: بر حجك يا آدم، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال ابن عباس: حج آدم أربعين حجة من الهند إلى مكة على رجليه، فكان على ذلك إلى أيام الطوفان، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة وهو البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه، وبعث الله تعالى جبريل فوضع الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم، ولما أراد إبراهيم ﵇ بناءه، بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة ونودي منها: ابن على قدر ظلها، لا تزد ولا تنقص. قال ابن عباس: بنى إبراهيم البيت من خمسة أجبل من طور سيناء وطور زيتا ولبنان جبل بالشام، والجودي جبل بالجزيرة، وبنى قواعده من حراء جبل بمكة، فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل: ائتني بحجر حسن يكون للناس علما فأتاه بحجر، فقال: ائتني بأحسن منه، فمضى إسماعيل ليطلب حجرا أحسن منه، فصاح أبو
1 / 18
قبيس: إن له وديعة عندي فخذها، فأخذ الحجر الأسود فعرفه إبراهيم وأخذه ووضعه مكانه، والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾
(سئل) ما المراد بالحزن في قوله تعالى: ﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾؟.
(فأجاب): قال ابن عباس: حزن النار، وقال قتادة: حزن الموت، وقال مقاتل: لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله تعالى بهم، وقال عكرمة: حزن الذنوب والسيئات، وخوف رد الطاعات، وقال القاسم: حزن زوال النعم وتقلب القلوب، وخوف العاقبة، وقيل: حزن أهوال القيام، قال الكلبي: ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة، وقال سعيد بن جبير: هم الجزاء في الدنيا، وقيل: هم المعيشة، قال الزجاج: أذهب الله تعالى عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو لمعاد.
روي عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: ﴿الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور﴾ الآية. والله تعالى أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر﴾
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير﴾ فما مقدار التعمير؟ وما معرفة النذير؟
(أجاب) قيل: التعمير هو البلوغ، وقال قتادة: ثماني عشرة سنة، وقال الحسن: أربعون سنة، وقال ابن عباس: ستون سنة، وعن أبي هريرة ﵁ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك".
والنذير: قال أكثر المفسرين: هو محمد ﷺ، وقيل: النذير: هو القرآن، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة: هو الشيب معناه: أولم نعمركم حتى شبتم، ويقال: الشيب نذير الموت، وفي الأثر: ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها: استعدي فقد قرب الموت، والله أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء﴾
(سئل) ما معنى قوله تعالى: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها﴾ الآية؟.
(أجاب) سبب نزول هذه الآية أن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يستقبل بيت المقدس يتألف بذلك اليهود، وقيل: إن الله تعالى أمره بذلك ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إن صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته وصفته في التوراة، فصلى إلى بيت المقدس بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، فكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة؛ لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وقيل: كان يحب ذلك من أجل أن اليهود قالوا: يخالفنا محمد في ديننا، ويتبع قبلتنا، فقال رسول الله ﷺ لجبريل: وددت لو حولني الله تعالى إلى الكعبة؛ فإنها قبلة أبي إبراهيم، فقال جبريل ﵇: إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك؛ فاسئل أنت ربك؛ فإنك عند الله بمكان، ثم عرج جبريل، وجعل رسول الله ﷺ يديم النظر إلى
1 / 19
السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة، فأنزل الله ﷿: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك﴾ أي: نحولك ونصرفك عن بيت المقدس إلى القبلة التي تحبها وتميل إليها وهي الكعبة والله أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن﴾
(سئل) عن قوله تعالى: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾ وقال تعالى: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ فقد أخبر تعالى بأنه لا يتيسر للبشر، بل للإنس والجن، الإتيان بمثل سورة منه، وأقل السور ثلاث آيات.
ثم حكى عن موسى -مع اعترافه بأن هارون أفصح منه لسانا وأوضح منه بيانا - أحد عشر آية منه وهو قوله: ﴿رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري﴾ إلى: ﴿كنت بنا بصيرا﴾ وقال إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: ﴿وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا﴾ إلى ﴿يوم الحساب﴾ ست آيات. وفي القرآن من هذا النمط كثير عن فرعون وغيره من مؤمنين وكافرين، فالجواب عن ذلك: فقد يكذبنا المعاند والمخالف من لا يؤمن بالقرآن.
(أجاب) الجواب عن ذلك من وجوه منها أن المحكي لا يلزم أن يكون بهذا النظم بعينه إذ لغة موسى عبرانية وإبراهيم عربية، فالظاهر أن جميع القصص المحكية عن الأنبياء وغيرهم أنها محكية بالمعنى.
ومنها أن بعضهم اختار في المتحدى به منه أن يكون سورة من الطوال أو عشر سور من الأوسط وإن لم نقل به، ومنها أن المراد من الجن والإنس من كان في عصر محمد ﷺ ومن بعده إلى آخر الزمان، فلا ينافي أن بعض الأنبياء السابقين والأمم الماضين يأتي بما أخبر عنه تعالى.
ومنها أنا إذا قلنا: إعجاز القرآن بالصرفة، فما صرف عنه تعالى إلا من كان في عصر محمد ﷺ ومن بعده، وفي هذين الجوابين الأخيرين نظر لإحصائهما أن خصيصة القرآن بهذه الأمة ممكنة لغيرها، وقد يقال: إن خصيصتها به من حيث المجموع لا بإبعاضه.
ومنها أن للغة العرب من المزايا والخواص والارتباطات والنسب والإضافات ما ليس لغيرها، فلما جاءت هذه الألفاظ المحكية عن موسى وإبراهيم وغيرهما على قانون لغة العرب بعد تسليم أنها حكيت عنهم بهذه الألفاظ اكتسبت بلاغة وإعجازا لم يكن لها في حال تكلم إبراهيم وموسى بها، وبهذا أجبت مما أوردته على كثير من الفضلاء وجم غفير من النبلاء ما ورد أن معاني الكتب غير القرآن في القرآن، ومعنى القرآن غير الفاتحة في الفاتحة ومعنى الفاتحة غير البسملة في البسملة مع أن البسملة موجودة في غير القرآن، كما حكى الله تعالى ذلك عن سليمان بقوله تعالى: ﴿إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم﴾ وورد أيضا كما في الجامع الصغير: بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب، فقلت لهم: إذا يكون معنى القرآن
1 / 20
في البسملة النازلة في أول كتاب نزل، فحاولوا أجوبة غير مرضية، وبه يجمع أئمتنا بين ما ذكر وبين قول السيوطي: إن البسملة من خصائص هذه الأمة، فمعنى خصوصيتها ما فيها من المزايا والخواص التي اختصت بها لغة العرب، وإن كانت وردت في غير لغتهم؛ لأنها ليس لها من المزايا ما للغة العرب، ألا ترى أن العلماء استنبطوا من لغة العرب اثني عشر علما، ولم نسمع أحدا لا من العلماء ولا من غيرهم استنبط من لغة غير لغة العرب علما ولا غيره والله أعلم.
مطلب سئل عما وقع في القرآن من التكرار مثل قصص إبراهيم إلخ
(سئل) عما وقع في القرآن من التكرار مثل قصص إبراهيم وموسى وآدم وفرعون وغيرهم، ما فائدته مع أنه عيب لو وقع في كلام غير فصيح، فما بالك بكلام متحدى به الإنس والجن؟
(أجاب) هذا يؤخذ من وجوه؛ أحدها: أن البليغ يقدر على إيراد القصة الواحدة بعبارات مختلفة والمعنى واحد، وذلك مما يدل على رفعة شأن القرآن، ومنها إذا تأملت سوابق الآيات المكررة ولواحقها وجدت لها في كل محل معنى آخر يغاير المعنى الموجود في المحل الآخر، ومنها أن الله تعالى قص ذلك على نبيه مرات متعددة لحكمة اقتضت ذلك؛ فنحفظ كل ما ورد لأنا متعبدون بتلاوة القرآن ألا ترى أنك تحكي لمريدك قصة واحدة في محلات عديدة لمناسبات تقتضيها، ومنها أنه عد من محاسن القرآن كما بينه علماء البيان، والله أعلم.
مطلب في قوله تعالى: ﴿هذه بضاعتنا ردت إلينا﴾
(سئل) عن البضاعة في قول إخوة يوسف: ﴿هذه بضاعتنا ردت إلينا﴾ ﴿وجئنا ببضاعة مزجاة﴾ ما هي؟
(أجاب) المراد بالمزجاة قيل: رديئة وقيل: قليلة ترد وتدفع رغبة عنها من أزجيته إذا دفعته، ومنه: تزجيت الزمان، قيل: والبضاعة الأخيرة قيل: كانت دراهم زيوفا وقيل: صوفا وسمنا وقيل: الصنبور وجنبة من الخضر، وقيل: الأقط والسويق المقلي، والبضاعة الأولى كانت نعالا وأدما، فعلم جواز إطلاق البضاعة على جميع ما يجلب للبيع.
مطلب عما ينسب إلى الله ورسله من الكتب والصحف والأحاديث إلخ
(سئل) عما ينسب إلى الله ورسله من الكتب والصحف والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية، فما الفرق بينها مع أن كلا من عند الله تعالى؟
(أجاب) هذه الأمور المنزلة من السماء خمسة أنواع: القرآن نوع، والتوراة والإنجيل والزبور نوع، والصحف نوع، والحديث القدسي نوع، والنبوي نوع، فثلاثة أنواع تنسب إلى محمد ﷺ وهي: القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي، ونوعان ينسبان إلى غيره من الأنبياء الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.
فالقرآن امتاز عن غيره بإعجازه والتعبد بتلاوته ومخالفة نظمه لسائر النظم، وأسلوبه لسائر الأساليب، والحديث النبوي ما نسب إلى رسول الله ﷺ قولا وفعلا وحكما وعزما وتقريرا وصفة خلقا وخلقا زمانا ومكانا، والحديث القدسي ما نسبه- ﷺ إلى ربه في أصل وروده، وقد لا يضاف إلى الله تعالى بخلاف القرآن
1 / 21
فإنه لا يضاف إلا إلى الله تعالى، وإن جاز رواية القدسي بالمعنى، واللذان إلى غير رسول الله ﷺ نوعان: الكتب الثلاثة، والصحف، قيل: لأن الصحف لم تنزل بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحى إليهم معانيه، وقيل: لأنها حكم ومواعظ لا أحكام وشرائع بخلاف التوراة والإنجيل، والزبور، فإنها على الأول تدرس وتتلى، وعلى الثاني أحكام وشرائع، ولكن يعكر على الأول ما قيل: إن التلاوة والدرس خاصان بالقرآن، ويجاب بأن الخاص بالقرآن التلاوة والدرس ليترتب عليهما الثواب، وفرق آخر وهو أن الكلام النفسي الأزلي إن عبر عنه بالعربية فقرآن، وبالسريانية فإنجيل، وبالعبرانية فتوراة، والله تعالى أعلم.
مطلب في القول بقدم القرآن
(سئل) عن القول بقدم القرآن وحدوثه، فإنا نرى كلاما لأهل الأصول وأهل الكلام، وإذا تأملناه وجدناه مشكلا، فإذا نظرنا لقراءتنا وتلاوتنا ومصاحفنا وكتابتنا وجدنا ذلك حادثا، وإذا نظرنا لنزول القرآن على محمد ﷺ وجدناه أيضا حادثا وإذا نظرنا للمعنى القائم بالذات فذاك، وإن لم نره ولا نحسه وجدناه قديما؛ لأنه من صفات الذات خلافا للمعتزلة، فما معنى إفراد مسألة القرآن بالذكر بين السلف في قائل بالقدم، وقائل بالحدوث؟ وإذا نظرنا لمدلولات القرآن وجدنا منها القديم والحادث، فكل ما دل على ذاته تعالى وصفاته فهو قديم، وما دل على ذات الخلق وصفاتهم فحادث، فالسماوات والأرض وفرعون وهامان والجبال حادثات، وإن كانت مدلولات ألفاظ القرآن، فأوضحوا لنا جوابا شافيا كافيا؟
(أجاب) اعلم وفقني الله وإياك وجعلني وإياك ممن نظر إلى الحق بنور اليقين لا ممن اتبع الباطل والتزيين - أن القرآن له أربع وجودات: وجود في الخارج ووجود في الذهن ووجود في العبارة ووجود في الكتابة، فهي تدل على العبارة وهي على ما في الذهن وهو على ما في الخارج، فإذا أطلقنا القرآن على الكتابة وقلنا: إنها كلام الله كما قالت عائشة ﵂: ما بين الدفتين كلام الله، فهو من حيث دلالة الكتابة على الألفاظ الدالة على المعاني الدالة على المعنى الخارجي القائم بذاته تعالى، وإذا أطلقناه على الألفاظ وقلنا: ما أحسن هذا القرآن بمعنى هذه الألفاظ الدالة على المعاني الدالة على المعنى الخارجي، وإذا أطلقناه على المعاني وقلنا: إنها كلام الله فمن حيث دلالتها على المعنى الخارجي فإطلاق القرآن على الكتابة وعلى الألفاظ وعلى المعاني وعلى المعنى الخارجي إطلاق حقيقي لا مجازي كما صرح به في جمع الجوامع، وقال السعد: اعلم أن القرآن يطلق على المعنى القائم بذاته تعالى بمعنى أنه صفة من صفات ذاته تعالى، وهو إطلاق حقيقي، ويطلق على الألفاظ بمعنى أنها من تأليفه تعالى لا من تأليف الخلق، وهو أيضا حقيقي، والأول محل نظر أهل الكلام،
1 / 22