أَيْضا من المنكرين كَيفَ يقرونَ الْغَزالِيّ ويعرفون بِحَقِيقَة مَا قَالَه من التعصب للحلاج مَعَ أَنَّهَا صرائح لَا يحْتَمل كثير مِنْهَا التَّأْوِيل الْقَرِيب، وَلَا يؤولون كَلَام الشَّيْخ محيي الدّين بن عَرَبِيّ، لَيْسَ ذَلِك إِلَّا لما غلب عَلَيْهِم من مزِيد التعصب، نسْأَل الله السَّلامَة مِنْهُ وَأَن يحشرنا تَحت مواطىء أَقْدَام هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الأكابر الأخيار بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَسلم وَشرف وكرم. ٤٠ وَسُئِلَ ﵁: كم عدد الَّذين آخى النَّبِي ﷺ بَينهم؟ فَأجَاب بقوله: آخى بَين سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء وَبَين عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن الرّبيع ذكره البُخَارِيّ، وَبَين طَلْحَة بن عبيد الله وَأبي عُبَيْدَة ذكره مُسلم. وَفِي السِّيرَة قَالَ ابْن إِسْحَق: وآخى رَسُول الله ﷺ بَين أَصْحَابه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار. قَالَ فِيمَا بلغنَا ونعوذ بِاللَّه أَن نقُول عَلَيْهِ مَا لم يقل: (تآخوا فِي الله أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ ثمَّ أَخذ بيد عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم وَجهه فَقَالَ: هَذَا أخي) وَكَانَ حَمْزَة وَزيد بن حَارِثَة أَخَوَيْنِ، وجعفر بن أبي طَالب ومعاذ بن جبل أَخَوَيْنِ، قَالَ ابْن هِشَام: وَكَانَ جَعْفَر يومئذٍ غَائِبا بِالْحَبَشَةِ. قَالَ ابْن إِسْحَق، وَكَانَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وخارجة بن زيد بن زُهَيْر أَخَوَيْنِ وَعمر وعتبان بن مَالك، وَأَبُو عُبَيْدَة وَسعد بن معَاذ، وَعبد الرَّحْمَن وَسعد بن الرّبيع، وَالزُّبَيْر وسلامة أَخُو بني عبد الْأَشْهَل، وَيُقَال بل الزبير وَعبد الله بن مَسْعُود، وَعُثْمَان وَأَوْس بن ثَابت، وَطَلْحَة وَكَعب بن مَالك، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وأُبيّ بن كَعْب، وَمصْعَب بن عُمَيْر وَأَبُو أَيُّوب وخَالِد بن زيد، وَأَبُو حُذَيْفَة وَعباد بن بشر، وعمار بن يَاسر وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَيُقَال: بل ثَابت بن قيس بن شماس، وَأَبُو ذَر وَالْمُنْذر بن عَمْرو، وحاطب بن أبي بلتعة وعويمر بن سَاعِدَة، وسلمان الْفَارِسِي وَأَبُو الدَّرْدَاء وعويمر بن ثَعْلَبَة، وبلال مولى أبي بكر وَأَبُو رويحة. قَالَ ابْن إِسْحَق: فَهَؤُلَاءِ مِمَّن سمى لنا مِمَّن كَانَ رَسُول الله ﷺ آخى بَينهم من الصَّحَابَة. ٤١ وَسُئِلَ فسح الله فِي مدَّته: عَن نفث الرجل على يَدَيْهِ وَمسح وَجهه بهما بعد الصَّلَاة على النَّبِي ﷺ فِي بعض الأحيان هَل هُوَ بِدعَة أَو لَا؟ فَأجَاب بقوله: النفّثُ بعد الْأَدْعِيَة الْوَارِدَة عِنْد النّوم سنة اتبَاعا لَهُ ﷺ كَمَا بَين ذَلِك النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي أذكاره وَغَيره، وَمن الْمجمع عَلَيْهِ أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ ﷺ قبل الدُّعَاء وعقبه سنة، وَورد مَا يدل على خُصُوص طلب الصَّلَاة عَلَيْهِ ﷺ عِنْد النّوم، فَإِذا تقرر لَك ذَلِك علمت مِنْهُ أَن النفث الْمَذْكُور عقب الصَّلَاة على النَّبِي ﷺ قد يكون سنة لكنه فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ للصَّلَاة وَإِنَّمَا هُوَ للذّكر الْمَطْلُوب عِنْد النّوم، وَالدَّلِيل لذَلِك أَن الذّكر لَو انْفَرد يسن النفث كَمَا ذكر، وإنْ انْفَرَدت الصَّلَاة لم يسن النفث فَهُوَ لَيْسَ لَهَا فِي الْحَقِيقَة، وَمن فعله عقب الصَّلَاة عَلَيْهِ ﷺ وَقد انْفَرَدت الصَّلَاة أَو فِي غير ذَلِك من الْمَوَاضِع الَّتِي لَا يسن النفث فِيهَا فقد ارْتكب مَا لَا ينْدب فَيَنْبَغِي لَهُ اجتنابه. ٤٢ وَسُئِلَ ﵁: عَن حِكْمَة اسْتِعْمَال كرم الله وَجهه فِي حق عَليّ بن أبي طَالب ﵁ دون غَيره عوضا عَن الترضي، وَهل يسْتَعْمل ذَلِك لغيره من الصَّحَابَة؟ فَأجَاب بقوله: حِكْمَة ذَلِك أَن عليا كرم الله وَجهه وَرَضي عَنهُ لم يسْجد لصنم قطّ، فَنَاسَبَ أَن يدعى لَهُ بِمَا هُوَ مطَالب لحاله من تكرمة الْوَجْه، وَالْمرَاد بِهِ حَقِيقَته أَو الْكِنَايَة عَن الذَّات أَي حفْظِه عَن أَن يتَوَجَّه لغير الله تَعَالَى فِي عِبَادَته، ويشاركه فِي ذَلِك أَبُو بكر الصّديق ﵁ وكرم وَجهه، فَإِنَّهُ لم يسْجد لصنم أَيْضا كَمَا حُكيَ فَنَاسَبَ أَن يدعى لَهُ بذلك أَيْضا، وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِعْمَال ذَلِك فِي حق عَليّ أَكثر لِأَن عدم سُجُوده أَمر مجمع عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أسلم وَهُوَ صبي مُمَيّز، وَصَحَّ إِسْلَامه حينئذٍ على خلاف مَذْهَبنَا لِأَن الْأَحْكَام وَقت إِسْلَامه كَانَت منوطة بالتمييز، ثمَّ بعد ذَلِك نسخ ذَلِك الْأَمر وأُنيطت بِالْبُلُوغِ كَمَا بَينه الْبَيْهَقِيّ وَغَيره. فَإِن قلت: كثير من الصَّحَابَة ﵃ لم يُوجد مِنْهُم سُجُود لصنم كالعبادلة: ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَغَيرهم وَمَعَ ذَلِك لَا يَقُول النَّاس فيهم ذَلِك بل الترضي كغيرهم. قلت: هَؤُلَاءِ نظراؤهم إِنَّمَا ولدُوا بعد اضمحلال الشّرك، وخمود نَار الضلال والفتنة، فَلم يشابهوا ذَيْنك الْإِمَامَيْنِ فِي تَركهمَا أكبر فتن الشّرك من السُّجُود للصنم مَعَ دعاية أَهله الناسَ لذَلِك، ومبالغتهم فِي إِيذَاء من ترك ذَلِك، وَكَانَ فِي التّرْك حينئذٍ مَعَ مُخَالفَة الْآبَاء والأقارب وَتحمل المشاق الَّتِي لَا تطلق من الدّلَالَة على الصدْق مَا لَيْسَ فِيهِ بعد ظُهُور الْإِسْلَام وزهوق الضلال، فَنَاسَبَ
1 / 41