على طَرِيق الفلاسفة فَهُوَ حرَام لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مفاسد كاعتقاد قدم الْعَالم وَنَحْوه مِمَّا لَا يخفى من قبائحهم، وحرمته حينئذٍ مشابهة لحُرْمَة التنجيم الْمحرم حَيْثُ أفْضى كل مِنْهُمَا إِلَى الْمفْسدَة وَإِن اخْتلفت نوعا وقبحًا، وَالله ﷾ أعلم. ٣٢ وَسُئِلَ ﵁: عَن كِتَابَة الْأَسْمَاء الَّتِي لَا يعرف مَعْنَاهَا والتوسل بهَا هَل ذَلِك مَكْرُوهَة أَو حرَام؟ وَهل هُوَ مَكْرُوه فِي الْكِتَابَة والتوسل بِتِلْكَ الْأَسْمَاء الَّتِي لَا يعرف مَعْنَاهَا أَو حرَام فِي التوسل دون الْكِتَابَة؟ فقد نقل عَن الْغَزالِيّ أَنه لَا يحل لشخص أَن يقدم على أَمر حَتَّى يعلم حكم الله فِيهِ، وَهل فرق فِي ذَلِك بَين مَا يُوجد فِي كتب الصَّالِحين كَعبد الله بن أسعد اليافعي وَغَيره أم لَا؟ / فَأجَاب بقوله: الَّذِي أفتى بِهِ الْعِزّ بن عبد السَّلَام كَمَا ذكرته عَنهُ فِي (شرح الْعباب): أَن كتب الْحُرُوف المجهولة للأمراض لَا يجوز الاسترقاء بهَا، وَلَا الرقي بهَا لِأَنَّهُ ﷺ لما سُئِلَ عَن الرقي قَالَ: (اعرضوا عليّ رقاكم فعرضوها فَقَالَ: لَا بَأْس) وَإِنَّمَا لم يَأْمر بذلك لِأَن من الرقي مَا يكون كفرا وَإِذا حرم كتبهَا حرم التوسل بهَا نعم إِن وجدناها فِي كتاب من يوثق بِهِ علما ودينًا فَإِن أَمر بكتابتها أَو قرَاءَتهَا احْتمل القَوْل بِالْجَوَازِ حينئذٍ لِأَن أمره بذلك الظَّاهِر أَنه لم يصدر مِنْهُ إِلَّا بعد إحاطته واطلاعه على مَعْنَاهَا وَأَنه لَا مَحْذُور فِي ذَلِك، وَإِن ذكرهَا على سَبِيل الْحِكَايَة عَن الْغَيْر الَّذِي لَيْسَ هُوَ كَذَلِك، أَو ذكرهَا وَلم يَأْمر بِقِرَاءَتِهَا وَلَا تعرض لمعناها فَالَّذِي يتَّجه بَقَاء التَّحْرِيم بِحَالهِ، وَمُجَرَّد ذكر إِمَام لَهَا لَا يَقْتَضِي أَنه عرف مَعْنَاهَا فكثيرًا من أَحْوَال أَرْبَاب هَذِه التصانيف يذكرُونَ مَا وجدوه من غير فحص عَن مَعْنَاهُ وَلَا تجربة لمبناه، وَإِنَّمَا يذكرُونَهُ على جِهَة أَن مستعمله رُبمَا انْتفع بِهِ، وَلذَلِك تَجِد فِي ورد الإِمَام اليافعي أَشْيَاء كَثِيرَة لَهَا مَنَافِع وخواص لَا يجد مستعملها مِنْهَا شَيْئا وَإِن تزكت أَعماله وصفت سَرِيرَته، فَعلمنَا أَنه لم يضع جَمِيع مَا فِيهِ عَن تجربة بل ذكر فِيهِ مَا قيل فِيهِ شَيْء من الْمَنَافِع والخواص كَمَا فعل الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان فِي ذكره لخواصها ومنافعها وَمَعَ ذَلِك تَجِد الْمِائَة مَا يَصح مِنْهَا وَاحِد، وَالله ﷾ أعلم. ٣٣ وَسُئِلَ ﵁: عَن قَول النَّوَوِيّ لطف الله بِهِ فِي آخر بَاب مجَالِس الذّكر من شرح مُسلم: ذكر اللِّسَان مَعَ حُضُور الْقلب أفضل من ذكر الْقلب انْتهى. فَهَل يُؤْخَذ من كَلَامه أَنه إِذا ذكر الله بِقَلْبِه دون لِسَانه أَنه ينَال الْفَضِيلَة إِذا كَانَ مَعْذُورًا أم لَا؟ وَهل إِذا قَرَأَ بِقَلْبِه دون لِسَانه من غير عذر ينَال الْفَضِيلَة أم لَا؟ فَأجَاب بقوله: الذّكر بِالْقَلْبِ لَا فَضِيلَة فِيهِ من حَيْثُ كَونه ذكرا متعبدًا بِلَفْظِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَضِيلَة من حَيْثُ استحضاره لمعناه من تَنْزِيه الله وإجلاله بِقَلْبِه، وَبِهَذَا يجمع بَين قَول النَّوَوِيّ الْمَذْكُور، قَوْلهم ذكرالقلب لَا ثَوَاب فِيهِ فَمن نفى عَنهُ الثَّوَاب أَرَادَ من حَيْثُ لَفظه، وَمن أثبت فِيهِ ثَوابًا أَرَادَ من حَيْثُ حُضُوره بِقَلْبِه كَمَا ذَكرْنَاهُ، فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ مهمّ، وَلَا فرق فِي جَمِيع ذَلِك بَين الْمَعْذُور وَغَيره، وَالله ﷾ أعلم. ٣٤ وَسُئِلَ نفع الله تَعَالَى بِهِ: عَمَّن لَهَا أَزوَاج فِي الدُّنْيَا هَل هِيَ فِي الْجنَّة لآخر أزواجها أَو لأحسنهم خلقا فِي الدُّنْيَا؟ وَفِي (شرح الرَّوْض فِي الخصائص): وَلِأَن الْمَرْأَة لآخر أزواجها كَمَا قَالَه ابْن الْقشيرِي انْتهى. وَفِي مَجْمُوع الأحباب وَتَذْكِرَة أولي الْأَلْبَاب لمُحَمد بن الْحسن الْعَلَاء لأبي الْفرج: وروى عَن أبي الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة ﵄ أَن الْمَرْأَة لآخر أزواجها فِي الدُّنْيَا، وَجَاء أَنَّهَا تكون لأحسنهم خلقا. قَالَ أَبُو بكر بن النجار: حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد. حَدثنَا عبيد بن إِسْحَاق الْعَطَّار. حَدثنَا سُفْيَان بن هارون عَن حميد عَن أنس: (أَن أم حَبِيبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت: يَا رَسُول الله الْمَرْأَة يكون لَهَا الزَّوْجَانِ فِي الدُّنْيَا فلأيهما تكون؟ قَالَ: لأحسنهما خلقا كَانَ مَعهَا فِي الدُّنْيَا، ثمَّ قَالَ: يَا أم حَبِيبَة ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) . وَرُوِيَ عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا نَحْو هَذَا انْتهى. وعَلى الثَّانِي اقْتصر السَّيِّد معِين الدّين الصفوي فِي (تَفْسِيره جَامع الْبَيَان) فَقَالَ: وَمن لَهَا أَزوَاج تخير فتختار أحْسنهم خلقا، وَلم يعرف أَن هَذَا كَلَامه أَو بَقِيَّة الحَدِيث الْمُتَقَدّم؟ فَأجَاب بقوله: روى الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: (الْمَرْأَة لزَوجهَا الآخر) وَأخرج عبد بن حميد وسمويه وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق، وَابْن لال عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (أَن أم حَبِيبَة قَالَت: يَا رَسُول الله الْمَرْأَة يكون لَهَا فِي الدُّنْيَا زوجان لأيهما تكون فِي الْجنَّة؟ قَالَ: تخير فتختار أحْسنهم خلقا كَانَ مَعهَا فِي الدُّنْيَا فَيكون زَوجهَا، يَا أم حَبِيبَة ذهب حسن الْخلق بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب عَن أم سَلمَة
1 / 35