مَعكُمْ لَيْسَ يفارقونكم إِلَّا عِنْد إِحْدَى منزلتين حَيْثُ يكون الرجل على خلائه أَو يكون مَعَ أَهله لأَنهم كرام كَمَا سماهم الله فليستتر أحدكُم عِنْد ذَلِك بجرم حَائِط أَو ببعيره فَإِنَّهُم لَا ينظرُونَ) . وَقَوله: وَمَا حَقِيقَة كتبهما؟ جَوَابه: حَقِيقَته تعلم مِمَّا سَنذكرُهُ: أخرج أَبُو نعيم والديلمي عَن معَاذ ابْن جبل: (إِن الله لطف الْملكَيْنِ الحافظين حَتَّى أجلسهما على الناجذين وَجعل لِسَانه قَلَمهمَا وريقه مِدَادهمَا) وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: (﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨] قَالَ: يكْتب كل مَا تكلم بِهِ من خير أَو شَرّ حَتَّى إِنَّه ليكتب قَوْله: أكلت وشربت ذهبت جِئْت رَأَيْت حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْخَمِيس عرض قَوْله وَعَمله فأقرّ مِنْهُ مَا كَانَ من خير أَو شَرّ وألق سائره فَذَلِك قَوْله: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرَّعْد: ٣٩]) . وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس ﵄ فِي قَوْله تَعَالَى: (﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨] قَالَ: إِنَّمَا يكْتب الْخَيْر وَالشَّر لَا يكْتب يَا غُلَام أَسْرج الْفرس وَيَا غُلَام اسْقِنِي المَاء) . وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي شيبَة ذَلِك عَن عِكْرِمَة نَفسه أَيْضا، وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَاتب الْحَسَنَات عَن يَمِينه يكْتب حَسَنَاته وَكَاتب السَّيِّئَات عَن يسَاره، فَإِذا عمل حَسَنَة كتب صَاحب الْيَمين عشرا وَإِذا عمل سَيِّئَة قَالَ صَاحب الْيَمين لصَاحب الشمَال دَعه حَتَّى يسبح أَو يسْتَغْفر، فَإِذا كَانَ يَوْم الْخَمِيس كتب مَا يجْرِي بِهِ الْخَيْر وَالشَّر ويلقى مَا سوى ذَلِك ثمَّ يعرض على أم الْكتاب فيجده بجملته فِيهِ. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عليّ كرّم الله وَجهه قَالَ: لِسَان الْإِنْسَان قلم الْملك وريقه مداده. وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَحْنَف بن قيس فِي قَوْله تَعَالَى: (﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق: ١٧] قَالَ: صَاحب الْيَمين يكْتب الْخَيْر وَهُوَ أَمِين على صَاحب الشمَال فَإِن أصَاب العَبْد خَطِيئَة قَالَ: أمسك وَإِن اسْتغْفر الله نَهَاهُ أَن يَكْتُبهَا وَإِن أَبى إِلَّا أَن يصرّ كتبهَا) . وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن حجاج بن دِينَار قَالَ: قلت لأبي معشر: الرجل يذكر الله فِي نَفسه كَيفَ تكتبه الْمَلَائِكَة؟ قَالَ: يَجدونَ الرّيح. وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي (زَوَائِد الزّهْد) عَن ابْن عمرَان الْجُوَيْنِيّ قَالَ: بلغنَا أَن الْمَلَائِكَة تصعد بكتبها إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كل عَشِيَّة بعد الْعَصْر، فينادي الْملك ألْقى تِلْكَ الصَّحِيفَة وينادي الْملك الآخر ألق الصَّحِيفَة فَيَقُولُونَ رَبنَا قَالُوا خيرا وحفظنا عَلَيْهِم، فَيَقُول لَهُم: لم يُرِيدُوا بِهِ وَجْهي وَإِنِّي لَا أقبل إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجْهي، وينادي الْملك الآخر اكْتُبْ لفُلَان كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: يَا رب إِنَّه لم يعمله فَيَقُول إِنَّه نَوَاه. وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ضَمرَة بن حبيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: (إِن الْمَلَائِكَة يصعدون بِعَمَل العَبْد من عباد الله تَعَالَى فيكثرونه ويشكرونه حَتَّى ينْتَهوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ الله من سُلْطَانه فَيُوحِي إِلَيْهِم إِنَّكُم حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه إِن عَبدِي هَذَا لم يخلص فِي عمله فَاجْعَلُوهُ فِي سِجِّين. قَالَ: ويصعدون بِعَمَل العَبْد من عباد الله تَعَالَى فيستقلونه وَيَحْتَقِرُونَهُ حَتَّى ينْتَهوا بِهِ حَيْثُ شَاءَ الله من سُلْطَانه فَيُوحِي الله إِلَيْهِم إِنَّكُم حفظَة على عمل عَبدِي وَأَنا رَقِيب على مَا فِي نَفسه فضاعفوه لَهُ واجعلوه فِي عليين) . وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن رَسُول الله ﷺ قَالَ: (صَاحب الْيَمين أَمِين على صَاحب الشمَال وَإِذا عمل العَبْد حَسَنَة كتب عشر أَمْثَالهَا، وَإِذا عمل سَيِّئَة وَأَرَادَ صَاحب الشمَال أَن يَكْتُبهَا قَالَ صَاحب الْيَمين أمسك فَيمسك سِتّ سَاعَات أَو سبع سَاعَات فَإِن اسْتغْفر الله لم يكْتب عَلَيْهِ شَيْئا وَإِن لم يسْتَغْفر الله كتب عَلَيْهِ سَيِّئَة وَاحِدَة) . وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: تَذَاكَرُوا مَجْلِسا فِيهِ مَكْحُول وَابْن أبي زَكَرِيَّا: (أَن العَبْد إِذا عمل خَطِيئَة لم تكْتب عَلَيْهِ ثَلَاث سَاعَات فَإِن اسْتغْفر وَإِلَّا كتبت عَلَيْهِ) . وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ أَيْضا قَالَ: (بَيْنَمَا رجل رَاكب على حمَار إِذْ عثر بِهِ فَقَالَ: تعست فَقَالَ صَاحب الْيَمين مَا هِيَ بحسنة فاكتبها وَقَالَ صَاحب الشمَال مَا هِيَ سَيِّئَة فاكتبها فَنُوديَ صَاحب الشمَال مَا ترك صَاحب الْيَمين فاكتبه) وَجَاء من طَرِيق عَن مَالك وَمُجاهد: (أَنه يكْتب كل شَيْء يتَكَلَّم بِهِ ابْن آدم حَتَّى أنينه فِي مَرضه) وَالله ﷾ أعلم. ٢٧ وسئلت عَن طَائِفَة يَعْتَقِدُونَ فِي رجل مَاتَ من مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة أَنه الْمهْدي الْمَوْعُود بظهوره آخر الزَّمَان وَأَن من أنكر كَونه الْمهْدي الْمَذْكُور فقد كفر فَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِم؟ فأجبت: بِأَن هَذَا اعْتِقَاد بَاطِل وضلالة قبيحة وجهالة شنيعة: أما الأول فلمخالفته لصريح الْأَحَادِيث الَّتِي
1 / 26