مُنْطَلقًا حدث بوجودهم، وَالله أعلم.
٢٢ - وسئلت عَمَّن رأى فِي نَومه أَنه ألبس لقميص النَّبِي إِبْرَاهِيم صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وَهُوَ مسرور بذلك مَا تَعْبِير هَذِه الرُّؤْيَا؟ فَأُجِيب بِقَوْلِي: من رأى إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسلم فَإِنَّهُ يرْزق الْحَج وينصر على أعدائه ويناله هول وَشدَّة من ملك جَائِر ثمَّ ينصر، وينال نعْمَة وَزَوْجَة مُؤمنَة وَيكون خَائفًا، وينال أَيْضا سُلْطَانا ورياسة، وَإِن قَصده رَئِيس لسوء صرفه الله عَنهُ، ويستغنى إِن كَانَ فَقِيرا وَإِن كَانَ غَنِيا ازْدَادَ غنى، ويولد لَهُ غُلَام مبارك بعد الشيخوخة واليأس من الْوَلَد مَعَ خصب يَنَالهُ فِي ذَلِك الْبَلَد وسعة وَيذْهب عَنهُ هم، فرؤيته ﷺ تؤذن بذلك كُله أَو بِبَعْضِه، وَرُبمَا أَذِنت أَيْضا بِأَن الرَّائِي يعق أَبَاهُ وَنَحْوه من أَقَاربه: أَي يُخَالِفهُ مُخَالفَة خير وَرُجُوع إِلَى الله تَعَالَى وانتصار لدينِهِ، وَأما الْقَمِيص فَإِنَّهُ يؤول بِالدّينِ وَالتَّقوى وَالْعَمَل والبشارة، وَهُوَ إِذا ألبسهُ الرجل امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا، وَإِذا ألبسته الْمَرْأَة رجلا تتزوجه، ويؤول أَيْضا بشأن الرجل فِي دينه ودنياه فَإِن كَانَ تَاما بأكمامه سابغًا دلّ على كَمَال الرَّائِي فِي الدّين وَالدُّنْيَا، وَإِن كَانَ نَاقِصا أَو قَصِيرا أَو ضيقا دلّ على ضد ذَلِك كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث البُخَارِيّ بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس يعرضون عليّ وَعَلَيْهِم قمص مِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ دون ذَلِك وَمر على عمر بن الْخطاب وَعَلِيهِ قَمِيص يجره، قَالُوا: مَا أولته يَا رَسُول الله؟ قَالَ: الدّين) . وَقد قيل فِي وَجه تَعْبِير الْقَمِيص بِالدّينِ أَن الْقَمِيص يستر الْعَوْرَة فِي الدُّنْيَا وَالدّين يَسْتُرهَا فِي الْآخِرَة ويحجبها من كل مَكْرُوه، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىاكُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْأَعْرَاف: ٢٦] وَمن ثمَّ اتّفق أهل التَّعْبِير على أَن الْقَمِيص يعبر بِالدّينِ، وَأَن طوله يدل على بَقَاء آثَار صَاحبه من بعده. إِذا تقرر ذَلِك علم أَن رُؤْيَة لبس قَمِيص إِبْرَاهِيم صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم تدل على حسن دين الرَّائِي وكماله بِحَسب ذَلِك الْقَمِيص الَّذِي رأى أَنه لابسه هَذَا بِالنِّسْبَةِ للقميص، فَإِذا رأى مَعَ ذَلِك إِبْرَاهِيم أَيْضا دلّ على مَا قَدمته فِي رُؤْيَته صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما أبدا. ٢٣ وسئلت: عَن حَقِيقَة السقمونيا مَا هِيَ؟ فأجبت بِقَوْلِي: السقمونيا صمغ شجر يُؤْتى بِهِ من أنطاكية الْبَلَد الْمَشْهُورَة، وَهَذَا هُوَ الدَّوَاء الْمَشْهُور بالمحمودة بَين النَّاس، وَهُوَ من مسهلات الصَّفْرَاء خَاصَّة والشربة مِنْهُ مِقْدَار قيراطين، وَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَسْتَعْمِلهُ إِلَّا بعد مُشَاورَة طَبِيب حاذق وَكَذَا سَائِر مَا يرى فِي كتب الطِّبّ يَنْبَغِي لمن يرَاهُ أَن لَا يقدم على اسْتِعْمَاله إِلَّا بعد مُشَاورَة الطَّبِيب وَإِلَّا فَتَركه مُتَعَيّن، وَمن ثمَّ قَالَ بعض حذاق الْأَطِبَّاء: كتبنَا قاتلة للفقهاء أَي فَإِنَّهُم يرَوْنَ مُفردا أَو مركبا فِي بَاب وَأَنه يسْتَعْمل لكذا فيأخذونه ويستعملونه لما وصف لَهُ فِي ذَلِك الْبَاب مَعَ غفلتهم عَن كَون اسْتِعْمَاله مَشْرُوطًا بِشُرُوط أخر لم يذكروها فِي ذَلِك الْبَاب بل فِي غَيره من الكليات أَو بَاب آخر، والدواء إِذا اسْتعْمل مَعَ عدم اسْتِيفَاء شُرُوط اسْتِعْمَاله يكون مضرًا ضَرَرا عَظِيما حَتَّى رُبمَا جرّ إِلَى الْقَتْل، وَلَا يغرنّ الْإِنْسَان أَنه رُبمَا هجم على اسْتِعْمَال شَيْء وَلم يضرّهُ، لِأَن ذَلِك كمن رأى مسبعَة فخاطر وَمر فِيهَا مرّة فَلم يتعرّض لَهُ شَيْء من سباعها لأمر عرض لَهُم فاغترّ ومرّ فِيهَا مرّة ثَانِيَة فرأوه فافترسوه لعدم عرُوض تِلْكَ الْعَوَارِض الَّتِي عرضت لَهَا أَولا. وَالْحَاصِل أَن المغترّ لَيْسَ بمحمود وَإِن سلم. ٢٤ وسئلت: مَا الْفرق بَين الْعَهْد والميثاق وَالْيَمِين؟ فَأُجِيب بِقَوْلِي: الْعَهْد الموثق يُقَال عهد إِلَيْهِ فِي كَذَا أوصاه بِهِ وَوَثَّقَهُ عَلَيْهِ والعهد فِي (لِسَان الْعَرَب) لَهُ معَان مِنْهَا: الْوَصِيَّة، وَالضَّمان، وَالْأَمر، والرؤية، والمنزل؛ وَأما الْمِيثَاق فَهُوَ الْعَهْد الْمُؤَكّد بِالْيَمِينِ، وَأما الْيَمين فَهُوَ الْحلف بِاللَّه تَعَالَى أَو بِصفة من صِفَاته على مَا قرر فِي مَحَله. وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالعهد فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ [الْبَقَرَة: ٢٧] على أَقْوَال، أَحدهَا: أَنه وَصِيَّة الله إِلَى خلقه وَأمره لَهُم بِطَاعَتِهِ وَنَهْيه لَهُم عَن مَعْصِيَته فِي كتبه الْمنزلَة على أَلْسِنَة أنبيائه الْمُرْسلَة. الثَّانِي: أَنه الْعَهْد الَّذِي أَخذه الله على بني آدم حِين استخرجهم من ظَهره فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِىءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الْأَعْرَاف: ١٧٢] الْآيَة. قَالَ المتكلمون: وَهَذَا سَاقِط لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يحْتَج على الْعباد بِعَهْد وميثاق لَا يَشْعُرُونَ بِهِ كَمَا لَا يؤاخذهم السَّهْو وَالنِّسْيَان. الثَّالِث: مَا أَخذه عَلَيْهِم فِي الْكتب الْمنزلَة من الْإِقْرَار بتوحيده وَالِاعْتِرَاف بنعمه والتصديق بأنبيائه وَرُسُله فِيمَا جَاءُوا بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمرَان: ١٨٧] الْآيَة. الرَّابِع: مَا أَخذه الله تَعَالَى
1 / 21